الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب ـ الحلقة الثالثة ـ بالوثائق.. «المخابرات العسكرية الأمريكية» خططت لتأسيس «داعش».. منذ 4 سنوات!

أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب ـ الحلقة الثالثة ـ بالوثائق.. «المخابرات العسكرية الأمريكية» خططت لتأسيس «داعش».. منذ 4 سنوات!
أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب ـ الحلقة الثالثة ـ بالوثائق.. «المخابرات العسكرية الأمريكية» خططت لتأسيس «داعش».. منذ 4 سنوات!




دراسة يكتبها: هانى عبدالله

على أرض «الواقع السياسي»، تبدو – أحيانًا – الأحداث، و«تقاطعاتها الزمانية»، أكثر « دِرَامَاتيكيّة» فى مضمونها من الأحداث السينِمَائيّة(!)
ففيما كانت شاشات «هوليوود» تستعد مع بداية العام الجارى (2016م)؛ لعرض أحدث أفلامها: «ثلاث عشرة ساعة: الجنود السِّرّيون فى بنغازي» (13 Hours: The Secret Soldiers of Benghazi)، لمخرج أفلام الحركة «مايكل باي» (Michael Bay)؛ كان ثمة «مأزق» جديد يلقى بظلاله على «إدارة أوباما» حول الـ«13 ساعة» نفسها (!)
فالفيلم.. يحكى قصة مصرع السفير الأمريكى «كريستوفر ستيفنز» بمقر القنصلية الأمريكية، بمدينة «بنغازي» (ليبيا)، وثلاثة من موظفيه، على خلفية اقتحام عدد من العناصر «المسلحة» لمبنى القنصلية فى 11 سبتمبر من العام 2012م.


كما عرضت أحداث الفيلم، الذى أدى خلاله، الممثل الأمريكى «جون كراسينسكي» (John Krasinski)، شخصية «جاك سيلفا» (Jack Silva) – وهو أحد عناصر «قوات النخبة»، الناجين من عملية الهجوم تلك -  كيفية تصدى «سيلفا»، و5 آخرين من المنتمين للقوات نفسها - من تلقاء أنفسهم - لعملية الاقتحام، بعد أن انفلتت الأمور، ولم تعد المواقف «تحت السيطرة»، بأى حال من الأحول (!).. فقد كانت مهمة تلك القوات، «المُستأجرة» من قبل «وكالة الاستخبارات المركزية» (C.I.A) – فى المقام الأول – هى تأمين «عناصر الوكالة» العاملين بـ«ليبيا»، بشكل شخصي، أو تلك «البؤر» التى تعمل بها تلك العناصر، بشكل أكثر تحديدًا(!)
ومع ذلك، كانت الوقائع السياسية، فى بُعدها «الدِرَامَاتيكيّ»، الأكثر «سخونة» من أحداث الفيلم «الهوليوودي» تدّخر لنا شيئًا آخر.. فبالتزامن مع وضع القائمين على الفيلم للمساته النهائية؛ استعدادًا لعرضه.. كانت «إدارة أوباما» على موعد مع «أزمة سياسية» جديدة،لم يدخر خلالها «الجمهوريون» شيئًا من قواهم؛ للإجهاز خلالها على خصومهم «الديمقراطيين»، فى خضم «الماراثون الانتخابي» نحو البيت الأبيض.
إذ كشفت «الرقابة القضائية» (Judicial Watch)، قبل عرض الفيلم بأيامٍ قليلة عن «رسالة» (1) صادرة من أحد مسئولى «وزارة الدفاع الأمريكية» للفريق المعاون لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلارى كلينتون»، أثناء عملية الهجوم من قِبل «العناصر الإرهابية المسلحة» على مقر القنصلية.. وتفيدهم بأن «وزارة الدفاع» عينت الوحدات (القوات) اللازمة لعملية التدخل؛ من أجل التصدى لعملية اقتحام «قنصلية بنغازي».. وطالبت «الرسالة» وزارة الخارجية بسرعة إفادتهم بالحصول على موافقة «الدولة المضيفة» على نشر تلك القوات.
إلا أن الرد لم يصل فى حينه.. وهو ما أدى – وفقًا لترجيحات «الرقابة القضائية» – لإزهاق مزيدٍ من الأرواح(!)
■ ■ ■
كان صاحب الرسالة، هو «جيريمى باش» (Jeremy Bash)، إذ كان الوحيد من بين أعضاء «إدارة أوباما»، وقتئذ، الذى خدم كقيادى بارز (Chief of Staff) بوكالتين «مختلفتين» يتعلق نشاطهما بـ«الأمن القومى» الأمريكي: الأولى؛ «وكالة الاستخبارات المركزية»، والثانية؛ «وزارة الدفاع».. فى حين كان المتلقون للرسالة، هم: «جاكوب سوليفان» (Jacob Sullivan) نائب مدير الفريق التابع لـ«هيلارى كلينتون».. و«ويندى شيرمان» (Wendy Sherman) مساعدة وزيرة الخارجية للشئون السياسية.. و«توماس نايدز» (Thomas Nides) نائب وزيرة الخارجية للشئون الإدارية والموارد.
وكان نص الرسالة (وفقًا للبرقية المفرج عنها):
(الزملاء بالخارجية: حاولت الاتصال بكم كثيرًا عبر الهاتف، لكنكم – جميعًا -  كنتم مع ( S) [إشارة لوزيرة الخارجية هيلارى كلينتون] .. بعد التشاور مع «الجنرال ديمبسي»، و»الجنرال هام»، وهيئة الأركان المشتركة، حددنا القوات التى يمكن أن تتحرك إلى بنغازى. وهم يستعدون ونحن نتكلم. وهى تشمل: [تم حجب التفاصيل الخاصة بالقوات] .. بافتراض الموافقة على نشر هذه العناصر، سنحتاج من الوزارة طلب موافقة «الدولة المضيفة» .. أفيدوني: كيف ستنقلون لنا تلك الموافقة [حُذف باقى الكلام] .. توقيع: جيريمى).
ومن ثمّ.. كان الكشف عن محتوى تلك «الرسالة»، التى سعت «إدارة أوباما» لإخفائها، هى «نقطة الارتكاز» التى وجه من خلالها «الجمهوريون» العديد من الاتهامات لخصومهم، عبر التجريح فى الشهادة التى أدلى بها وزير الدفاع الأمريكى «ليون بانيتا» حينئذ، أمام الكونجرس.. وقال خلالها: إن ضيق الوقت، هو ما لم يسمح للإدارة الديمقراطية بالتدخل فى الموقف (!)
■ ■ ■
لكن.. لم يكن ما وجهه «الجمهوريون» من اتهامات لـ«أوباما»، وإدارته – منذ نهاية ديسمبر الماضي، وبداية العام الجارى – بالمسئولية عن مقتل السفير الأمريكى، وثلاثة من موظفيه بقنصلية بنغازي، هو كل ما فى الأمر.. إذ تطورت «التحقيقات القانونية» حول تلك القضية؛ للكشف عن «وثيقة» أخرى لا تقل فى أهميتها (بالنسبة للشرق الأوسط) فى مضمونها عن أهمية رسالة «جيريمى باش» (بالنسبة للمواطنين الأمريكيين).
فمع بداية الفترة الثانية لولاية أوباما بالعام 2012م، كان ثمة «توصية أمنية»، عرفت طريقها للبيت الأبيض عبر تقرير مثّل – فى مجمله – خلاصة العديد من تقارير أجهزة المعلومات الأمريكية، يوصى بسرعة «إسقاط النظام السوري» فى أقرب وقت.. إذ ذكر التقرير صراحةً (2): «علينا العمل على إسقاط نظام بشار الأسد فى أقرب وقت ممكن لفرض «هزيمة استراتيجية» على إيران، وفصل المحور الذى يربط بين (طهران – دمشق – حزب الله) فى بيروت».
أما كيف كان سيتم العمل على إسقاط «نظام بشار الأسد» فى أقرب وقت؟! .. فهذا ما رسمه أمامنا بوضوح أحد التقارير الصادرة عن وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية (D.I.A) بالعام نفسه (أي: بالعام 2012م).. وهو تقرير كان من بين التقارير التى كشفت عنها مؤخرًا «الرقابة القانونية» (Judicial Watch)، فى سياق بحثها عن مسئولية «إدارة أوباما» فيما شهدته «قنصلية بنغازي» من أحداث مآساوية(!)
.. وهو تقرير  خاص بالموقف على كلٍ من أرض «العراق»، و«سوريا»، إذ تطرق، من بين ما تطرق له، إلى حقيقة الأوضاع داخل «المنطقة الحدودية» المنحصرة بين البلدين.. وما يُمكن أن تسفر عنه الأحداث على ذلك «الشريط الحدودي» مستقبلاً.
وكان من بين ما نص عليه «التقرير»:
■ تراجعت «قوات الحدود» التابعة للنظام السوري.. فيما تقدمت قوات المعارضة (الجيش السورى الحر) إلى المناطق «المُخلاة» تلك، ورفعت علمها.
■ قوات المعارضة السورية (الجيش الحر)، سوف تحاول استخدام جانبًا من الأراضى العراقية المتآخمة للحدود السورية، كامتداد آمن لعناصرها.. والاستفادة من تعاطف السكان «المحليين» على الحدود العراقية، خلال تجنيدها للمزيد من المقاتلين، وتدريبهم على تلك الأرض.. بالإضافة إلى إيواء عدد من اللاجئين «السوريين» بها.
(ج) -  إذا لم يحل الموقف.. هناك «إمكانية» لتأسيس – بشكل «معلن» أو «غير معلن» – (إمارة سلفية) فى شرق سوريا (بمنطقتي: الحسكة، ودير الزور).. وسيدعم هذا، بالضبط، ما تريده «قوات المعارضة»؛ من أجل عزل النظام السورى، بعيدًا عن «العمق الاستراتيجيّ» للتمدد الشيعى (العراق، وإيران).
■ ■ ■
تبدو التوصية الأخيرة (التوصية: ج) الملحقة بتقرير «وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية» (D.I.A) بالعام 2012م، واضحة فى مضمونها، ودلالتها.. إذ إن «الولايات المتحدة الأمريكية»، هى التى غضت الطرف – إن لم تكن شاركت، بالفعل فى «صناعة» الموقف، من حيث الأصل -  عن تأسيس ما يُعرف – حاليًّا – باسم تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا (داعش)؛ لفرض عزلة على «النظام السوري» (المراد إسقاطه، بكل السبل)، بعيدًا عن امتداداته الاستراتيجية فى كل من: «العراق»، و»إيران».. وهى الامتدادات التى أسهمت – بشكل رئيس – فى تشكيل «لواء أبى الفضل العباس» بالعام نفسه، الذى كُتب خلاله التقرير الاستخباراتى الأمريكى (أى بالعام: 2012م).
وكما يبدو – أيضًا – من واقع النقاط الأخرى التى شملها التقرير؛ فإن غض الطرف عن تأسيس تلك الإمارة، من حيث الأصل - كحل «أمريكي» جديد (!) -  كان هو الخيار  «الأخير» أمام القابعين بـ»البيت الأبيض»، بعد أن فشلت الجهود المتعابقة لـ»إدارة أوباما» فى إسقاط «نظام بشار الأسد»، ابتداءً من العام 2011م، عبر التسليح المباشر لـ»قوى المعارضة السورية».
.. وهو تسليح، مر  بالعديد من المراحل المختلفة، إذ كان أبرزها؛ عبر التعاون الأمني، و«الاستخباراتى» مع «النظام التركى».
أما ما قصة عملية التسليح تلك (؟!).. فهى «قصة» سوف تعيدنا – حتمًا – إلى «ليبيا» من جديد، قبل أن نكمل دورة الأحداث عبر الحدود (السورية – التركية)، قافلين نحو «داعش» مرة أخرى (!)
.. وهو ما سيكون لنا معه وقفة تالية.