السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أُسس للأسلوب «الصاروخانى» فى الثلاثينيات .. ومدرسته مستمرة حتى اليوم




تهل هذه الأيام ذكرى ميلاد مؤسس ورائد فن الكاريكاتير السياسى بمصر والعالم العربى ألكسندر صاروخان، الذى ولد فى أكتوبر عام 1898 بقرية أردانوش بالقوقاز من أصل أرمني، لينتقل إلى الإسكندرية عام 1924 ليرسم فى مجموعة من المجلات الأرمينية وعمل مدرسا للرسم وأصدر مجلة «السينما الأرمينية» المهتمة بالجالية الأرمينية وبعد فترة تعرف إلى محمد التابعى رئيس تحرير روزاليوسف آنذاك الذى وجد فى صاروخان ضالته نظرا لميل المجلة إلى حزب الوفد المتوافق مع موقف المجلة.
 

 
بدأت رحلة صاروخان مع العدد 128 من مجلة روزاليوسف، وهنا بدأ الأسلوب «الصاروخاني» يظهر فى ثلاثينيات القرن الماضي، الذى جمع بين سانتيز الكلاسيكى الشيك وريستى حيث حرية الآداء والحركة والألوان الرائعة، بعدها انتقل مع التابعى إلى مجلة «آخر ساعة» وكانت الفترتان تتميزان بأنها فترة النضج الصاروخاني، فكان قد تطبع أكثر بمصر وثقافتها، وابتكر صاروخان شخصية المصرى أفندى فى مارس 1933 وهى شخصية كانت تصدر فى مجلة الديلى إكسبريس الإنجليزية وتم تمصيرها، وكانت الناس تراها شخصية طبقية نظرا لأنه يرتدى البدلة وليس الجلباب المصري، فيما بعد تم بيع مجلة «آخر ساعة» لمؤسسة الأخبار، تجدر الإشارة إلى أنه فى ذلك الوقت كانت هناك مدرستان للكاريكاتير هما «الفنان المفكر» فى روزاليوسف ومدرسة «ديسك الكاريكاتير» بالأخبار التى استمر بها صاروخان.
 
فى عام 1945 أصدر صاروخان كتابه «هذه هى المعركة» فى مجال الكاريكاتير السياسي، وخلال رحلته رسم العديد من الشخصيات منها كوكب الشرق والرئيس الأسبق محمد نجيب الذى منحه الجنسية المصرية عام 1955 لأنه كان أول رسام كاريكاتير يرسمه.
 
لكن لماذا صاروخان الأرمينى الأصل هو رائد فن الكاريكاتير فى مصر؟ ... كان لرسام الكاريكاتير والباحث أحمد عبد النعيم الرد قائلا: قبل صاروخان كان هناك مجلة «أبونظارة» وكان يرسم فيها يعقوب صنوع مايسمى بالكاريكاتير الديالوجى وهى رسومات بسيطة جدا مع حوارات، تلا ذلك مجلة «الأستاذ» لعبدالله النديم ثم مجلة «ابوزيد» ثم بدأت مجلة مهمة جدا هى «اللطائف» المصورة التى استعانت برسامين أجانب لتمصير رسومات أجنبية، كان ذلك شكل الكاريكاتير لحين صدور مجلة «الكشكول» عام 1921 والتى صدرت بهدف تحطيم حزب الوفد حيث استعانت برسام كاريكاتير أسبانى هو خوان سانتيز الذى كان يتميز بالكلاسيكية، بعد ثلاث سنوات تنبه الوفد لهذه المكيدة وأصدر مجلة «خيال الظل» التى استعانت بالرسام التركى ريستى وكان اسلوبه يميل للكلاسيكية مع قليل من الحرية فى الآداء، ثم جاء صاروخان لمصر 1924 ليبدأ رحلته التى تبلور فيها أسلوبه فى الثلاثينيات الذى جمع فيها ما بين سانتيز وريستى.
 

 
«أسلوب صاروخان مر بثلاث مراحل.. الأولى حينما كان بالنمسا وقدم إلى مصر حاملا 42 اسكتشًا من اسكتشاته منفذة بالقلم الرصاص شديدة الكلاسيكية» مازال الحديث لعبدالنعيم: ثم المرحلة التجريبية له وهى مجلة «السينما الأرمينية» ثم مرحلة النضج الحقيقى وإصداره كتاب «هذه هى المعركة» عام 1945 التى جسدت قدرته الرهيبة على رسم البورتريه وصناعة الفكرة والألوان المبهرة والخلفية الكلاسيكية وتميزه فى التكوين ورسم الجموع، فكل شخصية يرسمها صاروخان تكون واضحة الملامح تماما.
 
ونفى عبدالنعيم أن يكون هناك امتداد حقيقى لمدرسة صاروخان.. مؤكدا ذلك من خلال مرور الكاريكاتير المصرى بثلاث مراحل مهمة وهى مرحلة ما قبل الثورة وهى جيل الرواد حيث الكاريكاتير السياسى والاجتماعى فيها صاروخان ورخا ثم المرحلة الثانية وهى مرحلة روزاليوسف وصباح الخير وهى تأصيل لمدرسة الكاريكاتير التى تطورت فيها كلاسيكية الكاريكاتير على يد صلاح جاهين وجورج البهجوري، المرحلة الثالثة وهى الجيل الجديد الذى طور عن جيل جاهين وبهجورى وغيرهما، لفت عبدالنعيم إلى بعد إنسانى خاص بصاروخان وهو عشقه الشديد للرسم وللكاريكاتير قائلا : يكفى أن صاروخان ظل يرسم حتى آخر لحظات حياته فلقد توفى فى 31 ديسمبر 1977 ونشرت له آخر رسوماته فى 1يناير 1978!
 
 
 



ذكريات
 


مصطفى حسين «المراية»
 
ضحك الفنان مصطفى حسين وقال «المراية» حينما سألته عن ذكرياته مع صاروخان فى «أخبار اليوم» ثم أردف: أشياء طريفة ... حينما بدأت فى أخبار اليوم كان صاروخان ذا شهرة كبيرة وقتها، لكن بتواضعه الشديد كان يتبادل معى مكتبه لأنه لم يكن لى مكتب خاص فى ذاك الوقت، فكنت أصل الجريدة فى تمام الثانية ظهرا لأجده يستعد للرحيل، كنت أتأمل أعماله باستمرار فأرى خطوطه «بتتنطط» على الورق مفعمة بالحيوية وشخصياته تدب فيها الروح على الورق، فكان يحب الرسم بالقلم الريشة ذو السنون الإنجليزية ودواية الحبر أمامه مما يمنحه حرية أكثر فى التحكم فى سمك الخط..كنت أجد فى مكتبه أقلام الريشة ودوايات الحبر وأقلام الرصاص ومرآة ! .... وهو ما كان يدهشنى جدا وجود هذه المرآة.. فسألته ذات مرة عن سرها، أجابني: أحيانا أحتاج إلى رسم تعبير معين فأنظر إلى نفسى فى المرآة وأنا أجسده لأرسمه!.. كانت هذه هى أبرز ما تعلمته من صاروخان.
 
يتشابه فكر حسين مع صاروخان فى ابتكار شخصية كاريكاتيرية، أشهر شخصية ابتكرها صاروخان هى شخصية «المصرى أفندي» وحسين من أشهر شخصياته «عبده مشتاق» و«فلاح كفر الهنادوة» فسألته إن كان قد تأثر بفكر صاروخان فقال: ربما يكون لى أسلوب مختلف...ربما لم أستطع تقليد صاروخان لكنى كنت معجبا جدا بأسلوبه الحيوي، إنما الرسام الراحل عبدالسميع هو من أكثر من تأثروا به.
 
طوغان «الكاريكاتير السياسي»
 
أما الفنان أحمد طوغان أو طوغان كما اشتهر يتذكر صاروخان ويقول: عملت مع صاروخان ورخا فى أخبار اليوم.. صاروخان كان إنسانا رائعا وفنانا حقيقيا جدا.. عاشقا لمصر وكان دقيقا جدا فى مواعيده وهو أكثر ما تعلمته منه.. يرسم طوال الوقت.. قليل الكلام.. تعلمت منه كل شىء أهمها الاهتمام بالعمل وقيمة فن الكاريكاتير، الحقيقة أن رخا وصاروخان كان لهما أثرا كبيرا علي.. كذلك اهتمامى بالكاريكاتير السياسى كصاروخان والكاريكاتير الاجتماعى فالأحداث السياسية كانت تفرض نفسها آنذاك.
 
لمسة وفاء
 
أما الفنان جمعة فرحات، الذى بدأ رحلته فى عام 1966 ولم يتعامل مباشرة مع صاروخان، أكد أن صاروخان قيمة كبيرة جدا فجميع من أتوا بعده تأثروا به سواء رخا أو زهدى وخاصة عبد السميع.. مشيرا إلى أن صاروخان هو أول رسام كاريكاتير يعمل فى مصر بعد رسامين كانوا يرسمون أقرب للأسلوب التوضيحى illustration وليس الكاريكاتير.
 
فنان الكاريكاتير الشاب سمير عبدالغنى يرى أن صاروخان هو إحدى العلامات المهمة والكبيرة جدا فى فن الكاركاتير، حيث استطاع أن ينقل الكاريكاتير نقلة مهمة وأن يطور الفن فى مصر، وقال: لقد استفدت منه كثيرا، وتعلم منه رخا شيخ الفنانين فهو فنان شامل وكبير واستطاع أن يستوعب الشخصية المصرية جيدا.