الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مترجمون: «هيخلص» الاحتفال «وترجع ريمة لعادتها القديمة»








فى محاولة لإنعاش حركة الترجمة، وإعادة الاعتبار لمكانة المترجم، باعتباره مشاركا فى إنتاج العلم والأدب وليس مجرد ناقل لهما، احتفلت مصر لأول مرة بيوم المترجم، فى ظل الأزمة التى تعانى منها الترجمة فى مصر والعالم العربي، نتيجة غياب التنسيق بين الأجهزة المعنية، وضعف مستوى المترجمين وضآلة المقابل المادي.
 
يرى الدكتور محمد عنانى «عميد المترجمين العرب» ان الاحتفال بالمترجم تأخر كثيرا، ولكن الحمد لله أثبتنا وجود نشاط ثقافى مهم اسمه الترجمة، والمشكلة أن هناك تجاهلاً للترجمة من قبل شرائح كثيرة فى المجتمع، باعتبار الترجمة نشاطاً طفيلياً، والمترجم ناقل للعلم وليس عالما، وناقلا للأدب وليس أديبا، وانتبه العالم إلى مخاطر هذا التصور الخاطئ الرهيب قبل خمسين عاما مضت، فتغيرت نظرة العالم إلى المترجم.
وشدد على ضرورة أن يكون من يتصدى لترجمة العلم عالما، وإلا لن يستطيع تقديم العلم إلى قارئه بلغته لأن لغة العلم خاصة تحتاج إلى تدريب خاص يحتاج لفهمه من تربى فى كنفه، وكذلك مترجم الأدب يكون له حظ من الأدب، أى يكون ذا موهبة مهما تكن متواضعة تعينه على تقديم الأدب الأجنبى إلى قرائه أو أدب لغته إلى القراء الأجانب، والتاريخ يقول إن أعظم مترجمى العلم كانوا علماء، وأعظم مترجمى الأدب كانوا أدباء، ونحن نعرف أن أفضل من ترجم شيكسبير إلى الألمانية كان جوته، وأفضل من ترجم الكتابات النقدية عنه شيللر، وقد أزال العالم الخطوط الفاصلة بين المترجم والعالم والأديب.
ومترجم الأدب يجب أن يضع نفسه مكان المؤلف ويتقمص حالاته النفسية، وأن يتمثل تماما ما يقوله، ولا يختلف عنه إلا فى اللغة، وأنا أقول مقولتى المشهورة عندما ترجمت مسرحية هاملت لشيكسبير: لو  كان شيكسبير عربيا لكتب ما أكتب.
أما المترجم شوقى جلال فيرى أن الشعوب العربية حريصة على الشكل دون المحتوى، حيث توجد مؤسسات للترجمة فى مصر وقطر والسعودية شأنها شأن الاحتفال بعيد الطفل والمرأة، وعلى أرض الواقع هؤلاء لا وجود حقيقى لهم، مثل الاهتمام بالشكل دون الجوهر، فيما يتعلق بأمور الدين، وعندما نهتم بالفعالية والمحتوى فهذا يكلف كثيرا ونحن لا نقبل الخسارة.
وأضاف: الترجمة فى العالم العربى ليست فى أزمة، وما تعيشه هو موقف ثقافي، فنحن لا نقرأ ولا نحرص على البحث العلمي، واكتشاف المجهول وإنما نريد إجابات جاهزة فقط، لا يؤرقنا البحث عن مجهول، ونجد أن الاهتمام الحقيقى بالإبداع فى اتحاد الكتاب وغيره يتمثل فى الرواية والشعر، وهناك تهميش تام للترجمة، وكأن المنطقة العربية لا تنتج فكرا فى حين أننا نترجم عن الغرب فلسفة وفكرًا وأدبًا وشعرًا وغيره.
وأكمل: الفائز بجائزة نوبل هذا العام من الصين، ونحن لا نهتم بما يدور فى الصين أو اليابان أو كوريا وغيرها، ونترجم رواية الفائز بنوبل من باب الحفاظ على الشكل فقط، وكمتابعة لآخر صيحات الأدب فى العالم.
أما الدكتور أحمد عتمان، مقرر لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، فيرى أن الثقافة العربية كلها تعيش فى أزمة وليس الترجمة فقط، فالثقافة العربية فى حالة تراجع، والثقافة المصرية لم تعد مؤثرة فى حركة الثقافة العالمية، والمفروض أن يكون لدينا مشروع تواصل ثقافى مع جميع الثقافات العالمية، ولكن هناك قصورًا واضحًا فى مجال الترجمة يتجلى فى العشوائية حيث إن كل مترجم يترجم ما يحلو له، وهناك كتاب يترجم عدة مرات، فى حين توجد نصوص مهمة جدا لا يعرف بها أحد.
وأتساءل: أين القائمون على الترجمة فى مصر؟ فلن يحدث تقدم فى مجال الترجمة إلا إذا تمت رعاية المترجم والتركيز على أهمية الترجمة والربيع العربى لم يحدث بعد، وما حدث هو مجرد مقدمات وعندما تستقر الأمور سيأتى بثماره فنحن أسقطنا نظاما، لكن أن نعيد بناء ثقافة الناس فلن يحدث بين يوم وليلة، ويحتاج وقتا طويلا.
ومن جانبه يرى الدكتور رمسيس عوض أن الاحتفاء بالمترجم لا يخرج عن كونه مناسبة احتفالية تقام بين الحين والآخر لإشعار الناس أن هناك بالفعل حركة ترجمة، لكن الأهم من كل ذلك أن تكون لدينا خطة للترجمة، وطالما هناك عشوائية فلا أمل حقيقى فى أى إصلاح جذري، وهذه الخطة يجب أن تهدف إلى أمرين، الأول هو معرفة الترجمات التى يفتقد إليها العالم العربى لتحقيق التقدم فى المجتمعات العربية، ورغم أن هذا الجانب لابد أن يسبق حركة الترجمة، فإنه فى واقع الأمر يحتاج إلى بذل جهد شاق، لأننا نجهل فى واقع الأمر ما تمت ترجمته، وهو خطوة أولى لمعرفة ما ينبغى ترجمته، والسبب فى ذلك أنه ليس لدينا خطة علمية لنهوض بالترجمة، فأولى البديهيات أن تكون لدينا قوائم بأسماء الكتب المترجمة منذ الخمسينيات حتى يومنا هذا وهذه الفهارس ترشدنا الى ما ينقصنا.
وأكمل: من المفروض أن نوفر ترجمة هذه القوائم بعد حصرها، ولهذا فنحن بحاجة إلى لجان علمية متخصصة تتوافر على فحص ما تمت ترجمته بالفعل وابداء الرأى فى قيمة هذه الترجمات، ثم اقتراح ما يحتاجه العالم العربى من ترجمات، فى جميع المجالات، حتى نستطيع ان نلحق بالتطورات الرهيبة التى حدثت فى العالم إلى يومنا الراهن فزمن الاختيارات الشخصية للكتب المترجمة قد ولى، ولابد من العمل فى إطار مشروع.
وقد تقدمت بورقة عمل للأجهزة المعنية بالترجمة بهذا المعنى، ولكنها قوبلت كالعادة بالتجاهل.
وقال الدكتور طلعت شاهين إن مفردات حياتنا أصبحت كلها احتفالات، وما يحدث مجرد التقاط لصور، لكنه فى العمق لا يؤدى إلى شيء، كما أن أجر المترجم ضعيف جدا ولابد من توافر مؤسسة تعمل بشكل علمى حتى تضع أولويات لما يترجم بحسب احتياجات المجتمع، باستثناء سلسلة الجوائز التى تصدر عن هيئة الكتاب التى تترجم الكتب الأدبية، ونحتاج إلى جناح آخر للترجمة العلمية التى تمثل الثقافة السائدة، والمركز القومى للترجمة قام على وضع فاسد، حيث تترك الأمور لاختيارات شخص المترجم، فالمركز يتعامل مع أسماء معينة من المترجمين شأنه شأن مهرجان المسرح فى غياب المسرح.
وأضاف: بعد أن ينتهى هذا اليوم «هترجع ريمة لعادتها القديمة» والأخطر أنه لا يوجد أحد يترجم واقع مجتمعنا ليقرأها الآخر، فنحن لا نهيئ المناخ للمترجمين الأجانب للقيام بهذا الدور، ومن يدعى بوجود خطة لترجمة واقع المجتمعات العربية للآخر كاذب.
وللأسف حاول مترجمون مصريون القيام بهذا الدور، لكن ترجماتهم مكدسة فى مخازن هيئة الكتاب لأنها ترجمات رديئة، وأنا أحترم نفسى ولا أترجم من العربية للإسبانية، ولكنى أترجم عن الإسبانية للعربية.
وأشار إلى أهمية وجود ميزانية للترجمة، فالمترجمون فى اللغات الأخرى لديهم ميزانية، يدفعون أجرًا جيدًا للمترجم ويشترون عددا من النسخ التى يترجمها، وأنا أتعامل مع وزارة الثقافة الإسبانية التى ترعى هذا النوع من الترجمات، ونحن بحاجة لمترجمين ثقافيين وليس لمترجمين قواميس لأن المسألة ليست لغة وإنما أسلوب حياة.