السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«خلطة سحرية» جديدة للدالى على الهناجر

«خلطة سحرية» جديدة للدالى على الهناجر
«خلطة سحرية» جديدة للدالى على الهناجر




كتبت - هند سلامة

تصوير - روبرت الأمير

خارج المنظومة المسرحية التقليدية، وخارج سياق ما اعتاد تقديمه، من أعمال خلال الفترة الماضية، يعزف المخرج والمؤلف المسرحى شادى الدالى لحنا جديدا على مسرح الهناجر، فى «الخلطة السحرية للسعادة»، فالبرغم من أن العمل يحمل نفس منطقه، فى نقد الواقع وتعرية المجتمع، والتلاحم مع الجمهور، وهو نفس الإطار الذى جمع عروضه السابقة «حلم بلاسيتك»، «ضحك السنين»، و«أوبريت الدرافيل»، إلا أن الدالى قرر هذه المرة، التعبير عن أفكاره، فى قالب درامى مختلف، وبخلطة فنية مبتكرة، أقرب لعروض المسرح التجريبى الأوربية.

«تعرف تنط زى الضفدعة؟، تعرف تجرى زى النعامة؟، «تعرف تغطس زى السمكة؟، تعرف تطلع شجرة زى القرد ؟... مبروك انت سعيد الحظ ..!!»، هكذا بدأ العرض بهذه الأسئلة المباغتة والاستفسارية، التى يطرحها المؤلف على الجمهور، وهى اسئلة تبدو كوميدية، وتحمل جزءًا من الفانتازيا، لكنها فى نفس الوقت صادمة وجاذبة، ونجحت فى السيطرة على عقلك، ومن ثم أخذك لعالم هذا البرنامج، الذى قرر أن يضع لك صناعه، وصفة سحرية للسعادة، من خلال الحكيم، ومساعدته، ثم يبدأ هذا الحكيم، فى مقابلة المشاركين بالبرنامج، الذين قرروا الذهاب، كى يتجردوا من أنفسهم بالحكى أمامه، ظنا منهم أنه سيساعدهم، على التخلص من كل المشاكل، التى يعانونها، فهناك من يعانى من أزمات، ومشاكل فى عمله لكونه موظفًا بسيطًا، وأخرى باحثة عن الحب، الذى افتقدته مع حبيبها، وهناك من أرادت الانتقام بسبب الخيانة، وهناك من تحب نفسها، وتشعر دائما بالدونية بين الآخرين، وأدت بها هذه المشاعر، إلى محاولة إيذاء صديقاتها، كنوع من التعويض بالاستحواذ، ومنح الدالى اسما يصف به كل حالة، من هذه الحالات، فالأخيرة أطلق عليها لقب «السيدة التى فعلت كل شىء»، ولعبت هذه الشخصية الفنانة فاطمة محمد علي، واسماء أبو اليزيد «الفتاة الدبدوب»، التى تريد الانتقام من حبيبها بتقشير جلده، ورحمة أحمد «هى»، أميرة رضا السكرتيرة، ومحمد حفظى «الحكيم العاقل»، وفهد إبراهيم «المكسور»، كل شخص من هؤلاء، يحمل عقده النفسية الخاصة به، التى حالت بينه وبين الشعور بالسعادة، لذلك قرر الجميع الذهاب لهذا الحكيم العاقل، كى ينجو من آلام نفسه، أملا فى أن يصبح سعيدا بعد سماع نصائحه، الذى سنكتشف فى النهاية أنه عاجزا عن تحقيق السعادة لنفسه وللآخرين، لأنه لا يملك شيئا سوى الكلام المرسل فقط، وينتهى العرض بتحول هؤلاء التعساء، إلى أشباح تطارده فى خيالاته، ومنامه وتجتمع حوله محاولة الانتقام منه، بعد أن ثبت فشله فى انقاذهم.
يحمل العرض قدرًا كبيرًا من الألم النفسى والأوجاع التى تطالنا جميعا، فاثناء مشاهدتك، ستجد نفسك ضمن حكاية من هذه الحكايات، فهو مزج حقيقى وصادق فى التعبير، عن كل المشاعر الإنسانية المتضاربة، التى يعانى منها المجتمع، مثل الحب، الغدر، الخيانة، الكراهية، الشعور الزائف بالذات، الغرور، الانتقام، كل هذه المشاعر المتضاربة، وأهمهم وهم الإيحاء بالسعادة، والذى جاء على لسان الحكيم محمد حفظي، فهو يوهم الناس من خلال برنامجه، أنه قادر على منحهم وصفة سحرية، لتحقيق السعادة، وبرغم كل هذا الكم من الإحباط واليأس، والمشاعر المؤلمة، التى تناولها العرض، إلا أنك بالفعل تخرج منه شاعرا بهذه السعادة المفقودة، تغمرك حالة من الاغتسال والتطهير النفسى، لأن المخرج والمؤلف شادى الدالي، كما سبق وذكرنا، حرص على وضع خلطة مسرحية مختلفة، جمع فيها كل فنون الأداء المسرحى، مثل الغناء والحركة والحكى والتمثيل والكوميديا، ووظف كل فن على حدى توظيفا غير تقليدى، فعلى طريقة لعب «التيكى تاكا» فى كرة القدم الأوروبية، جاء أداء الممثلين الجماعى، وانتقالهم برشاقة من إذاعة إعلان البرنامج، ثم االإنتقال إلى الحكى والحركة، ومنها إلى الغناء والتمثيل، وبدلا من أن يخرج الجمهور، من قاعة العرض محملا بطاقة سلبية وناقما، على حياته، خرج بطاقة إيجابية مبتسما ومقبلا، على الحياة، ربما يرجع هذا إلى أسلوب التناول، فكل صاحب مشكلة، تمتع بأسلوبه الخاص، فى الرواية والحكى والتمثيل، فلم يكتف شادى بتغيير، وتطوير أسلوب إخراجه، وكتابته المسرحية، التى اعتمدت بشكل كبير، على الإنتقال السريع والمدروس بين الحكايات والأحداث، بل غير أيضا جلد ممثليه،  فجميعهم بلا استثناء،  تمتعوا برشاقة وحضور على خشبة المسرح، وكأنك تشاهدهم فى أحد مسلسلات الست كوم، وبالتالى حمل هذا العرض خصوصية، فى توظيف، واكتشاف طاقات هؤلاء الممثلين، فلا يمكن مقارنتهم بأحد أو حتى بأنفسهم، فى عروض سابقة، تأتى على رأسهم فاطمة محمد علي، والتى ظهرت هنا فى شكل جديد عليها تماما، وانتقلت من الشخصية القاتمة الكئيبة، التى سبق وأن قدمتها، فى عرض «روح» للمخرج باسم قناوي، إلى كوميديانة صارخة، لديها اضطرابات نفسية عديدة، جعلتها تكره كل من حولها وتدبر المكائد، كى تحقق أغراضها الكريهه، واستطاعت بالغناء، والحكي، والتمثيل انتزاع الضحك من الجمهور، فكانت مفاجأة واكتشاف لكل من شاهدها، فى هذه الخطلة الفنية السعيدة، وكان أيضا من أهم طاقات العرض التمثيلية، محمد سعداوى «المنحنى» الذى تمتع بخفة ظل، وأداء تمثيلى وحركى متميز، وكذلك أسماء أبو اليزيد «الفتاة الدبدوب»، والتى كانت لافتة بأدائها الكوميدى الهادئ البسيط، ورشاقة حركتها على المسرح، والسكرتيرة أميرة رضا التى تمتعت ببساطة ورشاقة، فى لحظات ظهورها واختفائها بمشاهد العرض المختلفة وأضفت حيوية، على العمل منذ بدايته وحتى نهايته، وكذلك رحمة أحمد وفهد إبراهيم، فلم يخذل أى من هؤلاء، الدالى فى صنع خلطته لإسعاد الجمهور، فاستطاعت هذه الشخصيات، بكل ما تحمله من كآبة، فى إيلام الجمهور ألم ممتع، دون اللجوء إلى لغة خطابية أو نصائح البرامج التعليمية، كما اعتدنا بالنهايات التقليدية للعروض الساذجة، فهنا نجح الدالي، فى أن يجعلك سعيدا لمجرد حضورك هذا العرض، ومنحك طاقة إيجابية، من حكايات وروايات سلبية، لأنه إهتم بصناعة عمل مسرحى متكامل يحمل مفردات فنية، ساهمت فى إخراجك متفائلا، من قاعة مسرح، أغلقت عليك جدرانها ساعة كاملة، بين مجموعة من المعقدين والتعساء، لم يصدروا لك سوى اليأس من حل مشاكلهم، لكن كانت الفكرة، فى كيفية تقديم هذه الوجبة، بطريقة بسيطة ومبهجة، وكذلك ساهم عنصرى الإضاءة والديكور تصميم عمرو الأشرف ببسساطته وهدؤه فى وضع الجمهور، فى حالة من السكينة النفسية والحميمية مع الممثلين، فالديكور عبارة عن مجموعة، من الستائر الليكرا، التى أغلق بها الدالى المسرح الواسع على ممثليه، حتى تضيق عليهم رقعته، ليزداد الشعور بالقرب بينهم، بجانب الإضاءة الخافتة والهادئة، والتى نجحت فى ادخال الجمهور بأجواء العرض، وكأنك على موعد فى عيادة دكتور نفسي، لممارسة فعل التطهير الذاتي، كى تتجاوز وتتغلب على حرصك وأطماعك الشخصية، فإذا أردت أن تشعر بالسعادة.. «دوس نجمة وروح مسرح الهناجر»..!!
يعتبر عرض «الخلطة السحرية للسعادة»، هو العرض الثالث لإنتاج مسرح الهناجر المتميز والغزير، لهذا العام، فى عهد مديره الحالى محمد دسوقي، حيث سبقته بالنجاح، عروض «الشمال إجباري» إخراج محمد حبيب، «الزومبى والخطايا العشر» إخراج طارق الدويري، ويستعد المسرح حاليا لاستقبال عرض «الرمادي» للمخرجة عبير على عن رواية 1984، ثم «الجلسة» إخراج عمر المعتز بالله ومناضل عنتر، وبذلك يعود الهناجر وبقوة لفلسفة، تقديم عروض تجربيبة متميزة، أعادته من كبوته الكبرى، التى أصابته طوال الأعوام الماضية.