الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التلوث وأمراض العصر

التلوث وأمراض العصر
التلوث وأمراض العصر




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

يعتبر التلوث وحوادث السير والتدخين الثالوث المدمر للأفراد والمجتمعات على حد سواء، من الناحيتين البشرية والاقتصادية، ونظرا لأهمية الموضوعات الثلاثة، فسوف نخصص لكل منها مقالة منفردة لعلها تسهم فى التخفيف من حدة تلك المشكلات المدمرة، التى تستنزف من المجتمع موارده الاقتصادية والبشرية، والتى من المفترض توجيها للتنمية والبناء.
يعانى المجتمع المصرى بالكثير من الأضرار الناتجة عن التلوث البيئى الذى تزيد معدلاته فى البلاد أكثر من ثلاثة أضعاف المعدلات الطبيعية العالمية، ويأتى فى مقدمة تلك الأضرار، تفشى الأمراض الناتجة عن تلوث المياه والتربة والهواء، وتكلفة علاج تلك الأمراض، والخسائر الناتجة عن انخفاض القدرة الانتاجية للمرضى، بالإضافة إلى تدهور واستنزاف الثروات الطبيعية، وإهدار الموارد وفى مقدمتها أهم مورد للحياة وهو المياه، إلى جانب ارتفاع نسبة الملوحة فى تربة الأراضى الزراعية، واتساع رقعة التصحر، والاحتباس الحرارى الذى يهدد بإغراق منطقة الدلتا، وتآكل الشواطئ.
يقدر عدد المركبات فى القاهرة وحدها بنحو 4.5 مليون مركبة، ونحو 400 ألف دراجة بخارية، ونحو 13 ألف منشأة صناعية، ينبعث منها سنويا حوالى 250 ألف طن من العوادم والملوّثات، تتكون من غبار ودخان عبارة عن خليط من مكونات مواد الطلاء والمواد المعطرة، وغاز ثانى أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، وتعتبر وسائل النقل مسئولة عن حوالى 35٪ من تلوث الهواء فى القاهرة الكبرى وحدها.
 تشير العديد من الدراسات والإحصاءات المصرية والدولية إلى أن التلوث بكل أنواعه يتسبب فى انتشار 42 مرضا، منها أمراض القلب والكلى والتهابات العين والجهاز العصبى خاصة عند الأطفال، والأجنة فى طور التكوين، بالإضافة إلى الأضرار التى تصيب النبات والحيوان، وما ينتج عن التلوث من تآكل المواد المستخدمة فى المبانى.
تلوث الموارد المائية هو أخطر أنواع التلوث، لأن المياه تدخل فى كل أشكال الحياة للإنسان، ولذلك ليس من الغريب أن يتسبب تلوث المياه فى خسائر تقدر بنحو 1.9٪ من الدخل القومى، تتمثل تلك الخسائر فى علاج الأمراض الناتجة عن تلوث المياه، وتكلفة محطات التنقية والتعقيم، وتزاد تلك الخسائر إذا ما أضيف إليها الخسائر الناتجة عن تدهور الإنتاجية الزراعية والسمكية، ويتلاشى العجب إذا علم أن معظم القرى المصرية فى الدلتا والوادى تلقى الصرف الصحى فى المجارى المائية.
 يوجد العديد من القوانين التى تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ عليها، مثل قانون البيئة الصادر عام 1994، والذى يلزم جهاز شئون البيئة بإصدار تقرير سنوى عن حالة البيئة، بالإضافة العديد من الجهات الأخرى المتخصصة فى حماية البيئة كالهيئة العامة للنظافة والتجميل، وغيرها، إلا أنها لم تستطع توفير الحد الأدنى من الحماية المطلوبة للبيئة التى نعيش فيها.
القوانين والتشريعات ووجود وزارة للبيئة وأجهزة متعددة سواء تابعة للوزارة أو تابعة للأجهزة المحلية، لن تكون كافية لحماية البيئة من وباء التلوث الشرس، فالحفاظ على البيئة، وتوفير الحد الأدنى على الأقل من النظافة المطلوبة لتوفير حياة كريمة للإنسان، وتحويل الطاقات والامكانات المخصصة للنظافة إلى مجالات التنمية التى تسهم فى تحسين ظروف الانسان المعيشية، يتطلب تضافر كل الجهود، والاستفادة من تجارب الدول التى حققت نجاحا فى هذا المجال، فلابد من إيجاد طرق أكثر فعالية للتخلص من القمامة ومخلفات المصانع والورش والمطاعم وغيرها، ومعالجة جذور المشكلة وليس نتائجها، فعلى سبيل المثال تلوث الهواء ينتج معظمه من السيارات القديمة المتهالكة، ومن ثم أصبحت الحاجة ملحة لسن قوانين تحدد عمر المركبات التى تسير فى الشارع، وإيجاد بدائل عملية لذلك، وتلوث المياه يتطلب علاج أسبابه المتمثلة فى إلقاء الصرف الصحى ومخلفات المصانع علاجا عمليا.
الأهم فى كل تلك المنظومة لمكافحة التلوث، لابد من تعاون الجميع وخاصة وزارة التربية والتعليم والصحافة والإعلام، والجامعات، للتوعية وتربية النشئ على فضيلة النظافة، والاهتمام بزراعة الأشجار وزيادة المساحات الخضراء داخل المدن، وإقامة أحزمة من الغابات الشجرية حولها، فكل مكان وكل مرفق هو نظيف بطبيعته قبل أن تمتد إليه يد الإنسان لتلوثه، ومن هنا لابد من توعية هذا الانسان حتى يتعود على عدم إلقاء أو صنع أى شىء يسهم فى التلوث، فالوقاية خير دائما من العلاج.