الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الساخرون

الساخرون
الساخرون




عاطف بشاي  يكتب:


السخرية هى حزب الأغلبية المقهورة التى تسعى إلى التعبير عن واقعها المعاش باحباطاته وعذاباته بالنكتة اللاذعة التى تمثل تعويضا عن مشاكلها الاجتماعية اليومية.. والمصريون من تلك الأغلبية المقهورة لا يسخرون فقط من مشاكلهم الاجتماعية.. ولكنهم أيضا يسخرون من الأوضاع السياسية التى يعاصرونها.
لكن من الواضح أن السخرية فى عصرنا الراهن.. خاصة السنوات الأخيرة.. وتحديدا منذ اندلاع ثورة (25) يناير أن دائرتها اتسعت لتشمل شرائح اجتماعية مختلفة.. ومنهم أبناء الطبقة البرجوازية الذين لا يعانون من شظف العيش.. أو انعدام العدالة الاجتماعية.. أو الإحساس بالكرامة الإنسانية المهدرة.. أو مشاكل اتساع الهوة بين طبقات المجتمع المختلفة.. أو ضآلة الحد الأدنى للأجور والمتابع لما يكتب من خلال «الفيس بوك» وفعاليات التواصل الاجتماعى من نكت وتعليقات ساخرة تتصل بالواقع السياسى «يلاحظ ذلك بوضوح.. فكمية النكات التى تتهكم على مبارك وعصره كثيرة وتعبر عنها أعداد ضخمة من شباب ينتمى إلى طبقات مختلفة.. وكذلك الحال فإن كمية الأضاحيك التى تتهكم من مرسى والإخوان لا تعد ولا تحصى وتصدر عن بشر يمثلون كل الأطياف.
ومع ذلك يبقى الأدب الساخر شحيحا.. والأدباء الساخرون قلة.. رغم أن الأدب العربى كان زاخرا بالكثير من الظرفاء من الأدباء والشعراء منهم «حافظ إبراهيم» الشاعر الكبير.. «وحفنى ناصف» وعبدالعزيز البشرى» و«عبد الحميد الديب» بالإضافة إلى «النديم» و«بيرم التونسى» وفكرى أباظه» وباستثناء الراحلين أحمد رجب ومحمود السعدنى.
يقول «عبد العزيز البشرى» عن «حافظ إبراهيم» كان حاضر البديهة.. رائع النكتة. شديد الفطنة.. إلا يكاد يعرض لسمعة أو لبصره شىء ألا وجه عليه رأيا طريفا يصوغه فى نكتة عجيبة قد تستقر على سطوح الأشياء أو تتغلغل إلى الصميم..
لم تعجب «حافظ» مرة قصيدة لشوقى فقال فيها مستخدما التورية: «يقولون إن الشوق نار ولوعة/ فما بال «شوقى» أصبح اليوم باردا»؟!.. فرد عليه شوقى على الفور:
أودعت إنسانا وكلبا أمانة/ فضيعهما الإنسان والكلب حافظ»..
ومع ذلك فقد ظلا صديقين حميمين.. وتقدم «حافظ» وفود الشعر التى جاءت من كل البلاد لمبايعة «شوقي» بإمارة الشعر..
وكان كل من «حافظ» و«خليل مطران» يباهى صاحبه بأنه أجمل منه مع قلة حظهما من الجمال والوسامة.. وقد أختلفا فى ذلك يوما فاتفقا على أن يوقع كل منهما على عريضة من أعيان القاهرة نشهد بأنه أجمل من صاحبه.. وذهب «مطران» إلى «عبد الحميد البنان» ليوقع شهادة بذلك فرفض فما زال لح به حتى أقر بما يريد وكتب له فى النهاية.. المقر بما فيه.. رغم أنفه.. وفى هذا إشارة إلى «أنف» «مطران» الشوهاء.
وقد قصد «حافظ» «قصر عابدين» مرة لمقابلة الخديوى «عباس» الذى دعاه للبقاء للغذاء.. واستقبل «حافظ» الدعوة بابتهاج.. ولكنه فؤجئ بطعام عادى لا يتناسب مطلقا مع فخامة وعظمة السلطان.. وبعد الغذاء عاد إلى الخديوى لاستكمال الحديث حسب طلبه منه.. فسأله الخديوى لعلك انبسطت «ياحافظ» فقال «حافظ» على الفور : الحقيقة يا أفندينا كأننى كنت أتغدى فى بيتنا.
وذات يوم كان «حافظ» يجلس إلى جانبه الشاعر الصعلوك «إمام العبد» الأسود اللون.. وأخرج قلمه يكتب به فسقطت نقطة حبر أسود على الورق فبادره «حافظ مرددا» : إلحق يا «إمام».. جفف عرقك.
وفى كتاب «الكتاب الكبار يضحكون أيضا» يتناول مؤلفه الكاتب الكبير «أنيس منصور» جوانب كثيرة من حياة كبار الأدباء ومواقفهم الشخصية المختلفة التى تعكس روحهم المرحة وتركيباتهم النفسية الغريبة.. فها هو مثلا «توفيق الحكيم» يسأله:
هل اتغديت عند «العقاد»؟!..
لا..
ولا اتعشيت؟!..
لا..
ولا عند «طه حسين»
لا..
الله!.. أمال ما حدش بيقول عليهم إنهم بخلاء ليه؟! طيب.. إيه رأيك إن فيه ناس كتير اتغدوا عندى؟! منهم «كامل الشناوى» ومحمد عبد الوهاب» و«أنور أحمد».
فسأل «أنيس منصور» «الثلاثة فقالوا: الحكيم وعدنا.. ولكن لم يحدث.. فعاد إلى «الحكيم» ليقول له: إنك وعدتهم بالغداء ولكن أحدا لم يدخل بيتك..
فأجاب «الحكيم» طيب هل وعدك «العقاد»؟!
لا..
هل وعدك طه حسين؟!
لا..
قال الحكيم «أنا وعدت.. وهذه مرحلة.. والمرحلة القادمة سيكون الغداء.. ولم تأت بعد هذه المرحلة..
إن توفيق الحكيم «يرى أنه أفضل للمرء أن يكون بخيلا على أن يمد يده إلى البخلاء» وهو يتمثل بذلك جملة جاءت فى كتاب البخلاء للجاحظ عن رجل بخيل إذا أكل بيضة واحدة فى السنة يقول: هذه فرخة بلا عظام.