الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب - الحلقة الرابعة - بالتفاصيل.. أمريكا خططت للاستحواذ على 40 مليار برميل من «النفط الليبى».. بعد إسقاط «القذافى»!

أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب - الحلقة الرابعة - بالتفاصيل..  أمريكا خططت للاستحواذ على 40 مليار برميل من «النفط الليبى».. بعد إسقاط «القذافى»!
أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب - الحلقة الرابعة - بالتفاصيل.. أمريكا خططت للاستحواذ على 40 مليار برميل من «النفط الليبى».. بعد إسقاط «القذافى»!




دراسة يكتبها: هانى عبدالله

قبل أن تزداد أحداث «الشرق الأوسط» سخونة، خلال ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربي»، بشهور قليلة.. كان ثمة العديد من المؤشرات، حول أن «الولايات المتحدة الأمريكية» سوف تعاود نشاطها من جديد – بشكل أكثر تركيزًا – داخل منطقة «الشمال الإفريقي»، فى سياق البحث عن بدائل «تنفيذية» لـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا» (M.E.N.A).. وهو «المشروع» الذى وضِعت بذرته الرئيسية خلال العام 2004م (أي: خلال رئاسة «بوش» الابن للولايات المتحدة الأمريكية).
إذ كان يستهدف «المشروع» – بصورة رئيسية – إحداث عمليات «تغيير» جذرية فى بنية «الأنظمة الحاكمة» داخل ذلك الامتداد الجغرافي، بما يحقق – فى المقام الأول – خلق مناطق ارتكاز جديدة لـ«واشنطن» داخل حدود الدول التى لطالما اعتبرتها «الولايات المتحدة» فناءً خلفيًّا للنفوذ الأوروبي.. ومن ثمَّ.. كان على «واشنطن»، فى سياق ترسيخ «مصالحها الاستراتيجية» بمنطقة «الشمال الإفريقي» أن تبحث عن آليات جديدة لتنسيق جهودها مع دول «الاتحاد الأوروبي»، التى أبدت نوعًا من التحفظ على مشروع «الشرق الأوسط الكبير» فى بداية طرحه (!)


.. وهى آليات، يمكننا رصد جانب «مهم» منها خلال الورقة التى أصدرها «صندوق مارشال الألمانى للولايات المتحدة» (The German Marshall Fund of the United States)، أو (GMF) بالعام 2010م، تحت عنوان: «سباق ضد الزمن: الإصلاح فى شمال إفريقيا، واستراتيجيات عبر الأطلسي» (Racing Against Time: Reform in North Africa and Transatlantic Strategies).. وهو «صندوق» يستهدف(1)، فى المقام الأول، تعظيم مساحات التفاهم، والتعاون بين أمريكا الشمالية، وأوروبا.
إذ كان من بين التوصيات التى ساقتها الورقة – بعد استعراض الموقف فى 4 دول، هي: ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب – أنه يجب على «الولايات المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبي» بذل المزيد من الجهد؛ لتحفيز جانب الطلب فى معادلة الإصلاح، من خلال العمل معًا على تعزيز مبدأ إمكانية حصول «المنظمات غير الحكومية» (بمنطقة شمال إفريقيا) على «تمويل أجنبي».
وأوضحت «الورقة البحثية» أن هناك تقريرًا، صدر مؤخرًا (أي: بالعام 2010م) من قبل المفتش العام لـ«الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» حول تقديم المساعدة الديمقراطية إلى مصر، يشير إلى «النجاح النسبي» لتلك المنح مقارنة بالعقود الضخمة التى يتم توجيهها من خلال مقاولين يعملون مع المنظمات الحكومية وشبه الحكومية.
وأضافت: فى حين أنه من غير الواقعى توقع قيام «الولايات المتحدة» بتخصيص موارد هائلة؛ لمعالجة التحديات فى شمال إفريقيا، إلا أن إدخال تعديلات بيروقراطية متواضعة مصحوبة بأدوات برامجية وسياسية يمكن أن يؤدى إلى نتائج ملموسة.. كما تجب زيادة التمويل لمشاريع «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية» (M.E.P.I) الخاصة بالجزائر وليبيا وتونس (!).. مشيرة إلى أن الدول الغنية (المنتجة للنفط) ليست مرشحة للحصول على المساعدات الاقتصادية، لكن هناك جوانب إصلاح رئيسية مهمة للحوكمة (مثل الإصلاح القضائى والإعلام المستقل... إلخ) لا تتطلب مبالغ تمويل كبيرة، لكنها تُعتبر حيوية لتنمية الدول التى تستجيب بصورة أكبر».
■ ■ ■
لكن.. لم يكن – فى الواقع – ذلك التوصيف، الذى بدا عارضًا، فى «ورقة صندوق مارشال» عما وصفوه بـ«جوانب الإصلاح» داخل الدول الغنية (ونقصد: توصيف «الدول المنتجة للنفط»)، عفويًّا بأى حال من الأحوال.. إذ كان ذلك التوصيف – إلى حدٍّ بعيد – هو «مربط الفرس» فى البحث عن «موطئ قدم» (أعمق) للولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشمال الإفريقي، بعد العمل على إقناع «شركاء واشنطن» الأوروبيين، بضرورة ذلك التعاون.
.. وهو ما يُمكننا رصده – بشكلٍ أعمق – بين سطور «فقرات كاملة» من «الورقةالبحثية» نفسها، إذ نصّت فى «مقدمتها» التمهيدية، على أنه:
«بالنسبة لمعظم «صانعى السياسات» (الأمريكيين والأوروبيين)، تمثل: المغرب، وتونس، والجزائر، وليبيا - بصورة جماعية - نصف الكوب الممتلئ، الذى يدعو إلى التفاؤل.
وعند مقارنتها بالتحديات الكبيرة التى تواجه المجتمع الدولى فى العراق وأفغانستان وفلسطين وباكستان واليمن، على سبيل المثال لا الحصر، فإن التحديات التى تواجه شمال إفريقيا (الجزائر وليبيا والمغرب وتونس) تكاد لا تُذكر.. فلدى الجزائر وليبيا (معًا) احتياطيات مؤكدة من النفط تعادل 4.6 % من الإجمالى العالمي، أو نحو 61.5 مليار برميل، تحوز منها ليبيا وحدها على نسبة «الثلثين» (أى نحو: 40 مليار برميل).. ولا تزال الجزائر أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعى بقدراتها الاستيعابية غير المعروفة.
ومن ثمَّ.. فإن انفتاح هاتين الدولتين، مؤخرًا، تجاه شركات النفط العالمية؛ يُبشِّر بأن هذا الوضع يساعد أوروبا على تنويع إمداداتها من الطاقة بعيدًا عن اعتمادها الحالى على روسيا، مع توفيرها - فى الوقت نفسه - موارد هائلة للاستثمار فى رأس المال البشري».
وتتابع «الورقة البحثية»: شهدت البلدان الأربعة جميعًا، خلال السنوات الأخيرة، نموًا اقتصاديًا متواضعًا ولكن قويًا، إذ تجاوز متوسط معدلات النمو 5.6 % فى الفترة من 2003م إلى 2008م.. كما كانت التجارة عاملاً مهمًا مُحفزًا لحدوث النمو، إذ تُشكل البلدان الأربعة (مجتمعة) سوقًا محتملة لنحو 82 مليون شخص، مع إمكانية الوصول إلى الأسواق فى كل من الغرب وإفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى).
■ ■ ■
بشكل أكثر تحديدًا.. كانت «طرابلس» (ليبيا) – على وجه التحديد – من بين الدول الأربع، نقطة ارتكاز «محورية» خلال رسم سياسات «واشنطن» الجديدة بالمنطقة.. فتحت عنوان: (ليبيا: الدولة الانتقالية)، ذكرت ورقة «صندوق مارشال» أن «ليبيا» نجحت فى بدء عملية تنويع اقتصادها (بعيدًا عن الاعتماد على النفط).. ولا تزال الإيرادات «المحققة» من النفط والغاز تشكّل نحو 60% من «الناتج المحلى الإجمالي» فى ليبيا.. ورغم أن نمو القطاع «غير النفطي» لا يزال قويًا، فإن صادرات «هذا القطاع» لا تزال صغيرة جدًا على نحو يثير الشفقة مقارنة بصادرات النفط، إذ شكّلت 2 % فقط من الصادرات بالعام 2008م.
وطالما بقيت أسعار النفط قوية نسبيًا، فإن احتمالات ليبيا المتوسطة الأجل فيما يتعلق بالاستقرار الاقتصادى المستمر تظل قوية.. ومنذ العام 2005م، بلغ متوسط معدلات النمو 6.5 % سنويًا، ورغم الركود العالمى كان من المتوقع أن تشهد ليبيا نموًا بالعام 2009م (!).. وفضلاً عن ذلك، يعمل فائضها المالى القوى (بواقع 25 % من «الناتج المحلى الإجمالي») على طمأنة النظام بأن بوسعه مواصلة الوفاء بالاحتياجات الأساسية لشعبه.. فى حين أن تدفق «التكنولوجيا الغربية»؛ لتحديث، وزيادة «إنتاج النفط» سوف يضمن الإيرادات خلال العام المقبل (أي: العام 2011م).
■ ■ ■
فى ظل «المرتكزات النفطية» التى نبهت إليها «ورقة صندوق مارشال»؛ لم يكن لـ«واشنطن» أن تغامر – فى سياق مستهدفاتها الرامية؛ لخلق موطئ قدم داخل السوق البترولية الليبية إلى جوار شركائها الأوروبيين -  للارتباط و«نظام معمر القذافي» بأى حال من الأحوال.
ومن ثمَّ.. كانت العديد من دوائر المعلومات الأمريكية، فى نهاية العام 2010م، تدرس بجدية شديدة (بالتزامن مع احتمالات تغيير معادلات الأنظمة فى منطقة الشرق الأوسط)، كيف يُمكن لـ«واشنطن» أن تتعامل مستقبلاً فى «مرحلة ما بعد القذافى» (!)
إذ انتهت تلك الدوائر – وفقًا لما نمتلكه من معلومات – إلى أن سنوات التعامل مع «نظام القذافى» والولايات المتحدة الأمريكية، منذ العام 2003م – أي: منذ التحرك الفعلى لفتح صفحة جديدة مع واشنطن – لم تسفر عن أى تغيرات «ملحوظة» فى توجهات «نظام العقيد»، على أرض الواقع(2).
وأرجعت تلك «التقديرات» هذا الأمر، إلى أن مرتكزات «الخطاب السياسي» للعقيد القذافي، تم بناؤها – بشكلٍ رئيس – على معاداة «الهيمنة الغربية» (الإمبريالية).. وهو توجه يحظى برواج كبير بين الأطياف السياسية الداعمة لنظامه، فى الداخل الليبي.. ومن ثمّ فإن حاجته الأساسية لطمأنة تلك القطاعات (تم وصفها بـ«القطاعات المتشددة»!)، لن تسمح له فى القريب بتغيير ذلك الخطاب «الشعبوي»؛ لترسيخ صورته كقائد مستقل.. وهو ما أسفر – فى الأغلب – عن سياسات ليبية مناهضة للمصالح الأمريكية بالمنطقة.
وأوضحت «التقديرات الأمريكية»؛ أنه  نظرًا لطبيعة ليبيا الفريدة، يتحتم على «واشنطن» إعادة تقييم «العلاقات الثنائية» بين البلدين بوصف «طرابلس» (ليبيا) إحدى الدول التى تنطبق عليها استراتيجيات التعامل مع «الدول المارقة».. إذ اضطرت «ليبيا» لتغيير بعض سلوكياتها السياسية، على خلفية فرض عقوبات دولية عليها فى ظل الأزمة التى أعقبت إسقاط الطائرة «بان أمريكان 103» فوق لوكربى بـ«اسكتلندا».
ويلاحظ أن هذا التغير فى سياسات «طرابلس» كان قبل -  وليس بعد -  الاتصالات الدبلوماسية المباشرة مع الولايات المتحدة.. وهنا؛ تبرز «التجربة الليبية» أهمية العقوبات «الفعالة» (متعددة الأطراف) فى تشجيع تغير السلوك (!)
ونبهت «دوائر المعلومات الأمريكية» إلى أن «التغير فى السلوك» يكون محدودًا، عندما لا يكون هناك (تغير فى النظام).. وعلى الرغم من أن «ليبيا» قد غيرت من طبيعة علاقاتها مع «الولايات المتحدة»، كما غيرت الكثير من سياستها الخارجية، لم تكن سياسة «التعامل الثنائي» هى الدواء الناجع، ما دام «هيكل النظام» لم يتغير بشكل كبير(!)
وفى سياق «المعطيات» السابقة، أوصت «دوائر واشنطن الاستخبارية» بأن إصلاح الأوضاع بما يحفظ «مصالح واشنطن» فى المنطقة، يتطلب - على الأقل -  تغييرًا فى الأفراد (!)
.. فعندما تركت «واشنطن» الهياكل السياسية، ومصالح النظام فى ليبيا على ما هى من دون مساس، أو «تغيير» فى أعقاب التوصل إلى «اتفاق ثنائي» بين البلدين، كانت النتيجة: أن العديد من الأشخاص - أنفسهم – ممن حكموا البلاد منذ عقود مضت، يواصلون حكمها الآن (!).. وفى هذا الصدد؛ لن تكون «ليبيا» (بعد القذافي) مختلفة على الأرجح، إذا ما بقت عناصر النظام «المتشددة» فى مواقفها تجاه واشنطن جزءًا من «هيكل الحكم» الليبى (!)
■ ■ ■
فى أعقاب اشتعال الأحداث داخل ليبيا، كان العديد من الدوائر البحثية الأمريكية (وهى دوائر ليست بعيدة عن توجيه الأجهزة الاستخبارية فى واشنطن) تدفع بكل قوتها نحو ضرورة «التدخل العسكري»؛ لإسقاط «نظام العقيد»(3) .. رغم ما بدا فى حينه، من أن الساحة سوف تكون «خالية» أمام العديد من التنظيمات الجهادية المرتبطة عقائديًّا بتنظيم «القاعدة» .. وأنه إذا ما استمرت «الأزمة الليبية» على وضعها(4)، يمكن أن تستفيد منها «الحركة الإسلامية» التى طالما قُمعت فى البلاد، إذ تتمتع الحركة التى تقودها «الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية» بتاريخ لافت من دعم القضايا الجهادية، إذ عملت مع تنظيم «القاعدة» لفترة زادت على عقد.. ومنذ العام 2003م، كانت ليبيا المصدر الثانى (بعد المملكة العربية) كدولة يأتى منها المتمردون الداخلون إلى العراق عن طريق سوريا.. وليس من قبيل المصادفة أن يتقاطر أكثر هؤلاء الجهاديين من «درنة»، بؤرة التمرد(5).. وهو ما بدا واضحًا فى الإعلان عن تأسيس «الخلافة الإسلامية» من قبل السكان المحليين فى قرية البيضاء -- التى لا تبعد كثيراً عن درنة -- بعد تحريرها (!)
.. ونواصل لاحقًا


هوامش

(1) Racing Against Time: Reform in North Africa and Transatlantic Strategies -The German Marshall Fund of the United States – (Mediterranean Paper Series 2010), Washington Institute for Near East Policy.
(2) كُتبت تلك التوصيات فى أغسطس من العام 2010م (!)
(3)  راجع على سبيل المثال:
U.S.-NATO Intervention in Libya: Risks and Benefits, BY: Jason Hanover and Jeffrey White, (February 24, 2011)- Washington Institute.
OR,
«The Last Bullet»: Qadhafi and the Future of Libya , BY: Simon Henderson and David Schenker , (February 22, 2011) - Washington Institute.
(4) «The Last Bullet» (مصدر سابق).
(5) تؤكد الفقرة السابقة «دقة» ما ذهبنا إليه بالحلقتين: (الأولى، والثانية) من الدراسة، عن أن «الولايات المتحدة الأمريكية» غضت الطرف فى سياق سعيها لإحداث عمليات تغيير جذرى فى «الأنظمة العربية» عن نمو، وانتشار  عناصر تنظيم القاعدة (خاصة المتمركزين منهم داخل العراق) داخل دول المنطقة «المستهدفة» بعملية التغيير.. فضلاً عن «دقة» ما ذهبنا إليه من المناطق التى بدأ فيها حمل السلاح ضد النظم القائمة وقتئذ (خاصة النظامين: الليبي، والسوري)، هى نفسها المناطق التى أتت منها العناصر  الأجنبية التى كانت تقاتل بين صفوف «القاعدة» فى العراق.