الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

القهوجى.. وسد النهضة

القهوجى.. وسد النهضة
القهوجى.. وسد النهضة




محمد عبدالشافى  يكتب:

توجه له ضربة عسكرية تمزقه إرباً إرباً.. لكن طريق المفاوضات هو الحل الأمثل.. الحل الفنى التكنوقراطى يضعنا على الطريق الصحيح.. بل الحل السياسى السريع ينهى الأزمة فى وقت قياسى.. جدل عقيم فى وسائل الإعلام يقوده إعلاميون مفلسون.. فى 27 مارس 2016 أنهى هيلى ماريام رئيس وزراء إثيوبيا هذا الجدل بتصريحه على التليفزيون الرسمى الإثيوبى قائلاً إن سد النهضة وصل إلى مرحلة يصعب فيها إيقاف العمل به وأن المفاوضات المصرية الإثيوبية السودانية تتناول المسائل الفنية فقط.. أحكى اليوم عن سد النهضة الإثيوبى قبل البناء على النيل الأزرق بولاية «بنيشنقول - قماذ» بالقرب من الحدود السودانية على مسافة تتراوح ما بين 20 و40 كيلومتراً وعند اكتمال بنائه عام 2017 سيصبح أكبر سد كهرمائى فى القارة الإفريقية والعاشر عالمياً إنتاجاً للكهرباء وتقدر تكلفة بنائه 4.8 مليار دولار أمريكى.
كانت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل 1902 فى أديس أبابا بين بريطانيا ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا ونصت على عدم إقامة مشروعات على النيل الأزرق وفى عام 1929 اتفاقية أخرى تضمنت إقرار دول حوض النيل بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل وأن لمصر الحق فى الاعتراض فى حالة إنشاء تلك الدول مشروعات على النهر وروافده وكانت تلك الاتفاقية بين مصر وبريطانيا التى كانت تمثل (كينيا وتنزانيا وأوغندا والسودان) وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من المياه للسودان و92.3٪ لمصر.
بدأت إثيوبيا بنقض هذه الاتفاقيات من عام 1956 - 1964 حيث قامت بمسح النيل الأزرق بواسطة إدارة الإصلاح الخارجية الأمريكية لتحديد موقع سد النهضة دون الرجوع إلى مصر وفى أكتوبر 2009 وأغسطس 2010 قامت بعملية المسح الثانية للموقع وفى نوفمبر 2010 تم الانتهاء من تصميم السد وفى 31 مارس 2011 تم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار لشركة سالينى الإيطالية لتنفيذ المشروع وفى 2 إبريل 2011 وضع رئيس الوزراء الإثيوبى السابق ميلس زيناوى حجر الأساس للسد الذى يبلغ ارتفاعه 170 مترًا وبعرض 1.800 متر وعلى جانبيه محطتان لتوليد الكهرباء ويدعمه خزان بطول 5 كيلو مترات ويسع لـ603 مليارات متر مكعب من المياه.
أعلنت الحكومة الإثيوبية عن التزامها الكامل بتمويل السد فأصدرت سندات تستهدف الإثيوبين فى الداخل والخارج بتكلفة 4.8 مليار دولار منها 1.8 مليار تمويل صينى للتوربينات والمعدات الكهربائية لمحطتى الكهرباء.. وبالطبع فإن هذا السد سيوفر الطاقة الكهربائية لإثيوبيا بل وبيعها للدول المجاورة وربما منها مصر، كما أن السد سيقلل من الفيضانات لمسافة 40 كيلو مترًا داخل إثيوبيا وبالتالى سيحمى المستوطنات من خطر الفيضانات، كما سيكون جسرًا للانتقال عبر النهر وإعادة نقل وتوطين 11.5 مليون مواطن واعطائهم تعويضات هائلة إلا أنه سيضر بالمزارعين بسبب انحسار الفيضانات فى وادى النهر وبالتالى سيحرم الحقول من المياه، كما سيؤدى إلى تغيير كبير فى مصايد الأسماك.
تأثيره على مصر والسودان.. التأثير الدقيق غير معروف حتى الآن إلاّ أن مصر تخشى من انخفاض مؤقت من تدفق المياه نظرًا لطول فترة ملء خزان السد الذى يعادل كمية التدفق السنوى لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية والتى تقدر بـ65.5 مليار متر مكعب حيث إن مقدار فقدان المياه خلال فترة ملء الخزان يقدر من 11 إلى 19 مليار متر مكعب من المياه سنويًا مما يتسبب فى خسارة مليونى مزارع دخلهم خلال تلك الفترة، كما سيؤثر على إمدادات الكهرباء إلى مصر بنسبة من 25٪ إلى 40٪، كما سيؤدى إلى خفض المياه فى بحيرة ناصر وبالتالى يقلل إنتاج الكهرباء من السد العالى.. لذلك كان لمصر مخاوف فطالبت بفحص تصميمات السد ولكن إثيوبيا رفضت ما لم تتنازل مصر عن حق الفيتو على توزيع المياه، ثم أنشأت مصر وإثيوبيا والسودان لجنة دولية من الخبراء تضم 10 أعضاء منهم 6 خبراء من الدول الثلاث و4 خبراء دوليين لمراجعة دراسات السد فعقدت اجتماعًا فى نوفمبر 2012 فى أديس أبابا وقامت بزيارة السد ثم قدمت تقريرها فقالت الحكومة الإثيوبية بأن السد لن يسبب اضرارًا للدول الثلاث فى حين أن الحكومة المصرية أكدت أن التقرير أوصى بتعديل أبعاد وحجم السد ولا تزال المفاوضات مستمرة دون الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف.
أكتب مقالى ليس للحديث عن سد النهضة فلا يفيد البكاء على اللبن المسكوب لكن أدق ناقوس الخطر لما يحدث من إهدار للمياه نتيجة سلوكيات المؤسسات والأشخاص حتى وصل نصيب الفرد إلى 600 متر مياه وهو أعلى من المستوى العالمى وأن 35٪ من المياة تهدر بسبب تسريبات المواسير إضافة لفاقد استهلاك المياة للمنازل الذى يقدر بـ24٪ بينما عالمياً جميعها لا تتعدى 10٪، كما أن الفاقد يمتد لغسيل السيارات ورش الشوارع بنسبة 20٪ حيث يقوم العمال بغسل 3 ملايين سيارة يومياً بالقاهرة فقط مستهلكين 20 متراً مكعباً فى حين أن 20٪ من المواطنين لا تصلهم المياه النقية وبالتالى يزيد الفاقد على المعدل العالمى 50٪ حيث يبلغ الانتاج السنوى 11 مليار متر مكعب بينما الفاقد اليومى 8 ملايين متر مكعب وبالتالى تصل نسبة الفاقد إلى 60٪، وتصل جملة التحصيل من فواتير المياه إلى 66٪ بينما يتهرب 34٪ من المواطنين من دفع الفواتير، كما تصل مديونيات الجهات الحكومية لشركة المياه إلى مليار و300 مليون جنيه، بسبب كل هذا يصل إجمالى خسائر مصر من المياه إلى 24 مليار جنيه.
فى النهاية أذكر مواقف لسوء استهلاك المواطنين للمياة فأنا أشاهد يومياً «سعيد القهوجى» الذى يستولى على أملاك وزارة الرى متمثلة فى حرم الترعة أمام منزله ممسكاً بخرطوم المياه المسروقة من ماسورة مياه منزله قبل العداد فيغرق أرضية المقهى ثم يغسل كراسى المقهى كل كرسى على حده ثم مناضده بالمثل ثم يغرق الشوارع والأشجار التى تحيط بمنزله ويكرر هذه العملية ثلات مرات فى اليوم مستهلكاً ما لا يقل عن 2000 لتر مياه يومياً وثانيهما، «وليد السواق» الذى يغرق سيارته بالمياه، ثم يغمر الأشجار والشوارع التى تحيط بمنزله على الجانب الآخر من الترعة ثم يترك خرطومه يهد المياه داخل الترعة ويجلس لتناول الشاى والسجائر ثم يتذكر أنه نسى الخرطوم فى الترعة مستهلكاً ما لا يقل عن 2500 لتر يومياً، وثالثهما، «أم مروى» التى تغسل ملابسها ثلاث مرات فى اليوم ولا تغلق صنبور طوال اليوم ثم تنام وتتركه ولا تقل فى استهلاكها عن السابقين، الغريب عندما ننصح هؤلاء وغيرهم يكون الرد.. «مالكش فيه.. خليك فى حالك.. أنت هتحرم علينا الميه» وقد يتجاوز الأمر ذلك مع القهوجى السواق.