الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحزان يا عرب أحزان

أحزان يا عرب أحزان
أحزان يا عرب أحزان




إيهاب كامل  يكتب:

يمكنكم أن تنظروا إلى حالتى باعتبارها «عيب خلقى»، فمنذ طفولتى، وأنا أكتفى بسماع أغنيات محددة، أدور حولها، ولا أميل إلى تقبل غيرها، وكنت أعتقد أنها حالة استثنائية خاصة، أن أطفالى، كأى أطفال آخرين من أبناء اليوم، سيسمعون أغانى المهرجانات، وينفتحون على العالم الواسع بكل ما فيه من تنوع، وقبل أيام جاءنى تليفون من البيت:
* إلحق يا بابا إسلام بيعيط ومش عارفين نسكته
- إيه اللى حصل؟
* شاف على «فيس بوك» صورة ولد مقتول فى الحرب
عادت بى عجلة الزمن سنوات طويلة، كنت فى العاشرة تقريبًا، وكنت مقربًا من خالى (الكاتب جمال الجمل)، وفى يوم سمعت أغنية كان يشغلها على جهاز الكاسيت، لم أفهم من كلماتها الكثير، لكنها جذبتنى شيئا فشيئاً، حتى انخرطت فجأة فى البكاء، وظللت لسنوات، كلما سمعتها أبكى.
الآن أستطيع أن أكتب لكم عن هذه الأغنية كتابا كاملاً، ورغم ذلك لن أستطيع أن اصف لكم شعورى الغامض بالأغنية التى حفظت كلماتها بعد ذلك:
 سأحدثكم عن أيمن
عن قمر تشتبك الأشجار على دمه المنسى
فيسقط فى النسيان
عن طفل
يركض خلف فراشته
وعن الخنجر فى أقصى الوديان
فى الأفق عصافير معادية
فى الأفق طيور سود
فى الأفق دم ورعود
امتشق الطفل فراشته البيضاء
صوب نحو الطائرة الأولى
فأصيب
صوب نحو الشمس فلم تسقط
صوب نحو البحر فلم يسقط
صوب نحو الأرض
فمات.
***
بكت الشجرات
بكت السروة فى السر
بكى النرجس فى الساحات
 كنت أسمع الاغنية التى غناها مارسيل خليفة عام 1983 بعد الاجتياح الإسرائيلى لبيروت، لم أكن اعرف من يكون أيمن، لكننى كنت أبكى بشدة لموته، وأعود لأسمع الأغنية مرة أخرى، وأبكى دون أن يرانى أحد، أبكى على على البراءة التى قتلت دون ذنب ولم تجد من يأخذها حقها، أبكى على طفلٍ ذهب ليلعب بفراشته بين الشجرات، فمات، وترك لنا العار، وتركنى أتذكر أننا سنظل نبكى جيلاً بعد جيل، ولا نتعلم من بكائنا، تنتفض مشاعرنا وتلتهب مع صور «الملائكة الصغار» وهى تموت، ولكن يظل العجز فى النهاية سيد الموقف فى حياة العرب اكشفت أن صغيرى يبكى لأنه لا يملك قسوة السياسى، ولا تبريرات المثقف، ولا الحسابات البنكية كتجار الحروب، لا تعنيه دولارات التمويل المشبوه، ولا تصريحات نشطاء حقوق الإنسان، ولا تقارير أجهزة الاستخبارات، إسلام لا يملك إلا قلب طفل، ودموع طفل حزنًا على ما وصل إليه حال اقرانه من أطفال العرب فى سوريا واليمن والعراق وليبيا، وهنا فى مصر أيضا، ولن استطيع أن ألومه على البكاء فى عالم يقتل انبل ما فينا ومن فينا.
 لذا سأحدثكم عن أيمن فى سوريا وأيمن فى اليمن وأيمن فى ليبيا وايمن فى العراق، وعن ايمن المصرى، الذى يموت على الأرصفة بلا مأوى، أو على سلالم المستشفيات، والأهل يهرولون فى برودة الليل القارسة بحثا عن حضانة أو جرعة دواء، سأحدثكم عن الأمل فى أن يجد ايمن اهتماما من الحكام مثل الذى وجدته الطفلة الروسية صوفيا شورجيا، من وزير الصحة ورئيس الحكومة، سأحدثكم عن القانون الذى يأخذ من ايمن كل شىء، ولا يعطيه أى شىء.. فهل ستسمعون حديثى أم أقف إلى جوار حنظلة وأدير ظهرى لكم وللعالم كله.