الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قاسم أمين يهاجم صحافتنا الآن!

قاسم أمين يهاجم صحافتنا الآن!
قاسم أمين يهاجم صحافتنا الآن!




رشاد كامل  يكتب:

للأسف الشديد يبدو أن «حزب الجهل» ينتصر دائمًا على حزب «المعرفة» وفى أى مناقشة ينتصر حزب الجهل لأنه الأكثر زعيقًا وصراخًا وجهل لا حدود له، بل هو جهل نشيط كما اسماه أستاذنا الكبير «أحمد بهاء الدين».
حزب الجهل يكره المعرفة والثقافة والوثيقة وشهادات أصحاب الشأن والخبرة فى أى قضية وسلاحهم الوحيد فى المناقشة والكتابة وابداء الرأى - ده لو كان رأيًا - هو ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها الــ «فيس بوك».
وعلى هذه المواقع تتحول الهلاوس إلى حقائق، والافتكاسات إلى وثائق، والسخافات إلى تحليلات استراتيجية!
وكما اختلط الحابل بالنابل فقد اختلط الحلو بالحادق، والمهلبية بالطعمية، وامتلأت الصحافة بأطنان من مقالات الرأى التى لا هى رأى ولا حاجة - والأصح أن غالبيتها العظمى سطور تفيض جهلًا وسفاهة، يتباهى أصحابها بهذا الجهل وتلك السفاهة!
وإذا حدث وقرأت هذا الكم من الجهل وقررت أن ترد عليه بسلاح المعرفة والثقافة والمعلومات فما أبسط أن تنهال عليك أبشع الاتهامات، بداية من الشتائم وصولًا إلى التخوين والتكفير، فلا صوت يعلو على صوت الجهل!
أما المأساة الأكبر عندما يأتى المساء وتبدأ برامج الفضائيات فى بث هذا الجهل المقروء والمحدود الانتشار إلى جهل واسع سريع الانتشار وعلى الهواء مباشرة! والجهل الذى قرأه المئات، أصبح متاحًا ومباحًا للملايين.
إن المشاهد البسيط ومن قبله القارئ يتلقى هذا «الجهل» من كاتبه أو قائله على أنه «كلام مهم لرجل مهم» ولن يفكر بطبيعة الحال فى العودة لأى مصدر محترم للتأكد من صحة ما قرأه أو سمعه! وهذا المعنى هو بالضبط ما عبر عنه الأستاذ «قاسم أمين» صاحب كتابى «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» حيث يقول فى كتيبه الشهير كلمات (صدر عام 1908):
يفعل الكلام المطبوع فى نفس الجاهل فعل السحر فيستولى على عقله فإذا روى عن كتاب قال لنفى كل شبهة هذا مدون فى الكتب! وإذا نقل عن جريدة قال هذا مذكور فى الجرنال فإذا اعترضت عليه بأن الخبر لا يحتمل الصدق، وأن الخطأ جائز على صاحب الكتاب أو الجرنال! أجابك بنعم، ولكن لا بد أن يكون الكاتب تحرى عن الحقيقة قبل النشر لأن صناعته تقضى عليه بذلك!
ومن حديثه أيضًا: «كل مباحثه - مناقشة - مفيدة إذا كان الغرض منها إظهار الحقيقة، ولكنك لا تجد إلا شخصًا يريد أن يعلمك ما ليس له به من علم! ولا يصغى إلى شيء مما تقوله لأنه ليس مشتغلًا إلا بما يقوله».
لقد صدمتنى سطور قاسم أمين التى كتبها قبل 98 سنة وكأنه يصف بها احوال صحافتنا هذه الأيام فقد كتب يقول:
إذا قرأت الجرائد تجدها جميعًا متحدة فى موضوعاتها، متشابهة فى تحريرها بحيث لا تكاد تشعر باختلاف بين إحداها والأخري، وإذا اجتمعت فى اليوم بعشرين رجلًا من معارفك تسمع من التسعة عشر الآخرين ما سمعته من الأول ولا تجد فى الجريدة التى تقرأها أو تسمع من الصاحب الذى تقابله فكرة غريبة أو تعبيرًا جديدًا أو أسلوباً مبتدعًا، لا تجد النابغة الذى يدهشك ويجذبك بعجائب جنونه».
صدقت يا أستاذنا الجليل، ولو العمر بك لكتبت وصفًا أكثر دقة وترحمت على صحافة زمانك!