الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. قصة قصيرة ـ كانَ هناك يوماً

واحة  الإبداع.. قصة  قصيرة ـ  كانَ هناك يوماً
واحة الإبداع.. قصة قصيرة ـ كانَ هناك يوماً




كتبها – المستشار/علاء الدين إبراهيم محمود

اللوحات بريشة الفنانة فاطمة عبد الرحمن


يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]


ثمة طفلة تلهو عند البحيرة الكائنة بجوار الحديقة التى اعتاد الجلوس بها كل يوم، لم يكن أمراً عجيباً أن تخطف الأنظار إليها، فهى قطعة من حسن كل النساء، لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقة واحدة حتى هب الجميع لنجدتها بعد أن أوشكت على الغرق.
نجت من موت محقق هكذا أخبرهم المختص بالإنقاذ، سأل عن أهلها، لم ينطق أى شخص من المحيطين بها .
قال المنقذ: سأذهب إذن بها لقسم الشرطة لتحرير محضر بذلك، وقبل أن يفعل أخبره أحدهم أنه جدها .لمْ يدرِ حينها لِمَ فعلَ ذلك لكن شيئاً ما دفعه للقيام بالأمرِ.
- سألها المنقذ : أهو جدك حقًا؟
- قالت ببراءتها المذهلة: نعم.
احتضنها بشدة و انطلقا يبحثان عن مأوى يلملم ضعفهما الطاغي، و بينما هما كذلك سألها بحنوٍ: أين تقيمين يا طفلتى الصغيرة؟
- أقيم فى منزل أمى .
- و أين منزل أمك؟
- يبعد عن البحيرة بمسافة كبيرة جداً.
- و كيف قطعت وحدكِ كل تلك المسافة؟
- أتيت معك صباحاً يا جدى العزيز.
- جد !!
- أى جدٍ يا طفلتى الحبيبة؟
- أنت.
- أما تذكر ذلك  يا جدى الحبيب؟!
ضحكَ كثيراً عندما تمسكت به كجدٍ فهو لم يشعر بسعادة مماثلة قبل أن تنبس بتلك الكلمة الساحرة
«جدي»، صرخت فجأةً و هما يسيران بالشوارع كالمجانين: إنه منزلنا، إنه منزلنا .سُرَّ الرجل بذلك أيما سرور قائلاً: أين هو يا حبيبتي؟، «فى تلك العمارة الكبيرة»، وأشارت بإصبعها الصغير إلى عمارة متعددة الطوابق فى نهاية الشارع، ذهب معها مسرعاً، لم يصدق للوهلة الأولى أن الصغيرة بمثل هذه الفطنة لتتعرف إلى منزلها بكل هذه السهولة، لكن شيئاً غريباً قفزَ إلى ذهنه فجأةً، لا جرمَ أن هذه الطفلة تتوهم أن هذا هو منزلها كما توهمت أنه جدها.
سألها عن رقم الشقة فأخبرته أن يسير خلفها فقط و أنها ستتكفل بأمر العثور عليها .قالت: من فضلك يا جدى اضغط على زر الجرس، ففعل، فإذا بشابة فى الثلاثين من عمرها تقريباً تصرخ بعنفٍ فى وجه الصغيرة :- من أين جئت بهذا الأشيبِ؟، قالت الطفلة : إنه جدى يا أمى .
- جدك مات؛ ألا تفهمين؟!!!
- لا لم يمت إنه أمامى الآن. جذبتها من أمامه ونظرت إليّه باستعلاء كبير وأغلقت الباب فى وجهه بكلِ عنفٍ.
لم يأبه كثيراً بالأمر لولا أن رجلاً عجوزاً ربت على كتفه وهو يكفكف بعض دموع هلعه على الصغيرة، وقال: لا تحزن.
- ممَّ أحزن؟
- لقد قاطعنا ابنتك بعد أن قامت بفعلتها الشنعاء .
- أى ابنة؟!!
- تلك التى أغلقت الباب بوجهك لتوها.
- أنا لا أذكر ذلك .
انصرف العجوز وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله  لقد ضاع عقل الرجل لا بد أنه الزهايمر. ترك البنايةَ لتوه دون أن يدرى سبب مجيئه إليها، بيد أن شعوراً خفياً أوحى إليه بحنين أخَّاذٍ نبَّاذٍ لبيدائه التى استوطنتها الأوابدُ.