الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد إغلاق بار «روح»: رحلة للبحث عن الذات بدفوف الزار فى «الإنسان الطيب»!

بعد إغلاق بار «روح»:  رحلة للبحث عن الذات بدفوف الزار فى «الإنسان الطيب»!
بعد إغلاق بار «روح»: رحلة للبحث عن الذات بدفوف الزار فى «الإنسان الطيب»!




بعد النجاح الكبير الذى حققه عرض «روح» للمخرج باسم قناوى، بقاعة صلاح عبد الصبور، كان التحدى لأى مخرج أن يختار تقديم تجربته المسرحية الجديدة، بنفس المكان، خاصة بعد أن ارتبط الجمهور بحالة وأجواء بار «روح» لفترة طويلة، لكن لم يخش سعيد سليمان مخرج ومؤلف «الإنسان الطيب»، من الإقدام وخوض التجربة.
اعتمد سليمان فى تجربته، على الخروج عن النص، بالتجرد من الحدث والزمان والمكان، فلم يحمل العرض أى صراع أوعقدة درامية تذكر، بل هو مجرد دعوة للفكر والتأمل والتعمق داخل النفس الإنسانية، وعلى غرار قول جلال الدين الرومى «من بين كل طرق الله اخترت العشق»، من بين طرق المسرح اختار سعيد سليمان الطريقة الصوفية، وجمع فيها توليفة متميزة، بين الغناء والشعر الصوفى والحركة والتمثيل والموسيقى بالعزف الحى، وتعمد أن يجرد العرض من الدراما، لتدور أحداثه من البداية إلى النهاية، فى رحاب الفكر الصوفى، الذى أساسه التجرد من الذات، وتجاوز النظرة المحدودة للأمور، جاء كل هذا على لسان الممثلة نجلاء يونس، فهى ممثلة للإنسان الطيب، الذى يرى العالم بنور قلبه، ونقاء روحه، داعيا للمحبة والثورة على الحقد والكراهية.
انتقل سعيد سليمان، بالجمهور داخل هذه القاعة الصغيرة إلى ثلاث حالات مختلفة، بدأت بصراع الإنسان الطيب مع الشياطين التى تطارده، وتثير الهلاوس بداخله، لتحول بينه وبين نقاء روحه، ففى البداية تظهر البطلة محاولة التعبير، عن أفكارها، ثم تطاردها مجموعة، من العفاريت أو الشياطين، التى تحوم حولها، لإخراجها من لذة التصالح مع ذاتها، وكأنها مست مس شيطانى، وبدأت تدق طبول الزار داخل المكان، فى محاولة لطرد هؤلاء الأشباح، وكانت هذه هى المرحلة الأولى، التى اعتمدت على العزف على الدفوف، وممارسة طقوس الزار، بترديد عبارات وحركات راقصة سريعة، بالأداء الغنائى الجماعى، ثم تحولت القاعة فجأة إلى إحدى حلقات الذكر الصوفى، وهدأت أجواء الزار، وتغيرت ستائر المكان لتسدل ستائر بيضاء، وتغيرت ملابس الجميع السوداء إلى ملابس بيضاء، وانتقل الجمهور من قمة الإزعاج الشديد، إلى قمة السكينة والهدوء، بعد حالة الصخب الذى تعرض له، وهنا ترجع مهارة الممثلين، والمخرج فى نقل أجواء المكان من حال إلى حال، بالعزف الموسيقى والغناء، وكما استمتع الجمهور بأداء الممثلين الجماعى المميز، استمتع أيضا بالألحان التى وضعها هانى عبد الناصر، أحد أبطال العمل، والذى نجح فى صنع موسيقى ساحرة، انتقلت بالجمهور من حال إلى حال، وبأجواء العرض من مستوى إلى آخر مغاير لما سبقه، ومعبرا عن كل حالة تعرض لها الإنسان الطيب، فى رحلة بحثه عن الحب والذات، ثم وضعت باقات الورود والزهور وإشعال المباخر، أما الحالة الثالثة والأخيرة، وبعد أن توصل الإنسان الطيب، إلى ما تطمح إليه نفسه، من رضا وطمأنينية، ينتقل بنا العرض إلى الواقع الإنسانى المؤلم، ومن ثم اصطدام هذا الإنسان مع الواقع، سواء من خلال تردى حالة الفرد الاقتصادية أو البطالة أو الرشوة والنفاق، وغيرها من المشاكل التى يعانى منها المجتمع، وعادة ما تحول هذه الأزمات الشائعة، بين الإنسان وبين وصوله إلى مشاعر الرضا وراحة البال، لذلك عانت أو عانى الإنسان الطيب، عند اصطدامه بواقع المجتمع، وانعدمت لغة التواصل بينه وبين من حوله من المطحونين، لأنهم لم يروا منطق فيما يدعو إليه، محاولين صده والتخلص منه، ما لم يستجب بالاندماج فى هذه المنظومة الاجتماعية المشوهة.
كل هذه الصراعات الإنسانية قدمها الممثلون، بأداء جماعى مبهر وقوى، سواء عن طريق الحركة أو الغناء أو التمثيل، وإن كانت تحتاج نجلاء يونس، إلى التشبع أكثر بالحالة الصوفية، فبرغم أن أداءها لم يكن سيئا، إلا أنه أضعف من ثقل الشخصية الروحانية التى تقدمها، فعادة ما تحتاج هذه الشخصيات، إلى حساسية أكبر وعمق أكثر، فكما تدعو للتجرد، من الذات كان عليها أن تتجرد من شخصياتها كممثلة، لأن هذه النوعية من العروض، لا تحتاج بذل جهد فى التمثيل، بقدر احتياجها إلى إحساس بالكلمة المنطوقة، ومهارة فى توصيل المعنى، أكثر من المهارة التمثيلية، لكن هنا انشغلت يونس، بالأداء الخارجى للشخصية، ولم تنشغل بتوضيح، وإبراز معنى الكلام والأشعار التى أدتها بالغناء، والتى تحتاج إلى احتراف الممثل لمهارة الإلقاء، قبل التمثيل، خصوصا أن الكاتب تعمد تجريد الشخصيات من رسم ملامح واضحة لها، فكل ما تقوم به هو أداء أشعار صوفية بالغناء والحركة.
لم تكن أيضا السينوغرافيا، بنفس مستوى الكتابة وفكرة العمل، فالعرض داخل قاعة صغيرة، وبالتالى يكون الجمهور أكثر حساسية فى معايشة أجوائه، من خلال الإضاءة والديكور لأنه يجلس بين الممثلين، وكأنه جزء من اللعبة المسرحية، فكان من المهم أن يصمم عنصرى الإضاءة والديكور، بأقوى مما جاءا عليه، وبما يتوافق مع صدق هذه الحالة، وإن كانت الإضاءة لا بأس بها فى بعض الأحيان، لكن فيما يتعلق بالديكور، كان هو العنصر الأضعف دائما، ولم يكن على مستوى الحالة الفنية، التى أراد أن يصنعها المخرج، من خلال النص والممثلين، ففى النهاية العمل أقرب لحالة صوفية، من كونه عرضا مسرحيا تقليديا، وبالتالى كان على مصمم الديكور صبحى عبد الجواد، عدم الاستسهال وحل المشكلة، بمجموعة من الستائر، الأولى تضمنت أشباحا فى مشهد الزار، والثانية ستائر بيضاء، كى تناسب الحالة الصوفية، التى انتقل لها الممثلون، واتضح أنه لم يبذل جهدا فى تشكيل صورة مسرحية وحالة مختلفة، تناسب فلسفة العرض الفنية.
شارك فى بطولة «الإنسان الطيب» هنا هانى، وفاطمة الزناتى ومريم سعيد، ومجموعة العازفات المصاحبات للبطلة، فى معظم مشاهد العرض، وتميزن الثلاث بحضور فنى أثناء عزفهن على الالآت، وساهموا فى إضفاء حالة من البراءة والطهر النفسى بالعزف الموسيقى الحى، أمام الجمهور، كما كانت نور الهدى من أكثر المجاميع حضورا بالعرض، ونجحت بأدائها المميز والبسيط فى ظهورها، بأكثر من شخصية، وكذلك كان جميع المشاركين بالعمل، والذين تمتعوا بأداء جماعى متلاحم وقوى، فى مشاهد العرض الثلاث، وكان على رأسهم حسام حمدى، وهانى عبد الناصر، ثم آية جمال، ميما أحمد، زياد سمير، مصطفى الزيات، عمر ميتشو، مارى جرجس، شروق القناوى، أحمد كاسبر، ومحمد عبد الفتاح.