الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هيام الفرشيشى: المفكر «الصنم» لا يقل تطرفاً عن السياسى

هيام الفرشيشى: المفكر «الصنم» لا يقل تطرفاً عن السياسى
هيام الفرشيشى: المفكر «الصنم» لا يقل تطرفاً عن السياسى




حوار – خالد بيومى


قاصة وكاتبة صحفية من تونس تعالج فى قصصها مشكلات الواقع معالجة درامية مثل التطرف بكل أشكاله وأنماطه والعنف الاجتماعى والسياسى الذاكرة لها حضور قوى فى كتابتها وتستخدم لغة شعرية فى كتابتها وتتسم أعمالها القصصية بهيكلة محكمة البناء، وتصميم دقيق لعناصرها وبموجب هذا التصميم يتحقق الانسجام والاتساق والتلاحم بين مفاصل النص القصصى من أبرز أعمالها مجموعة «المشهد والظل»، وصدر لها مؤخراً مجموعة «دلالات أوشام سرية» .. عن أعمالها ورؤاها الثقافية كان حوارنا معها.


■ حدثينا عن إصدارك الأخير «دلالات أوشام سرية»؟
- «أوشام سرية» هى صور منحوتة فى الذاكرة الفردية وفى اللاوعى، لها دلالتها الرمزية وهى تشير إلى خطوط الواقع وأشكاله المعقدة.
نفذت من خلالها إلى معالجة واقع الروح وواقع المجتمع معالجة درامية، واضعة القلم على موطن الكبت والانحرافات والشروخات التى عرفها المجتمع التونسى بعد الثورة وظهور نماذج مرضية سادية ومازوشية وقع الاشتغال عليها كخميرة متعفنة من أجل تلويث المجتمع ودفعه نحو العنف، حاولت أن أشير من خلالها إلى تجليات الكبت والقهر فى مجتمع ثار على نظام دكتاتورى متسلط، ليباغت بأشكال أخرى للتطرف والقمع، فالمفكر الذى يريد ان يبقى صنما فهو لا يقل تطرفا عن السياسى. فعوض أن يفكك المفكر والمبدع أشكال القمع فقد بقى ضمن جوقة السياسى ورهن قلمه كعادته وهذا ما استنفر قلمى وعالجته فى قصص مثل «الخنفساء الهرمة» و «البحث عن المعنى المفقود».
الاعتماد فى بعض هذه القصص على أقنعة حيوانية.
الحيوان شكل مادة خصبة للأساطير والخرافات وبعض الأعمال الأدبية القديمة والحديثة، وشخصيا  عدت إليه فى قصصى لأننى اكتشفت أن ردود فعل الإنسان بعد الثورة صارت تشبه سلوك بعض الحيوانات، ففى قصة «أرملة العنكبوت» تحدثت عن المرأة التى مسخت وتحولت إلى عنكبوت بعدما كانت تصرفاتها تشبه العنكبوت وهى تنسج شباكها للعابرين، وظفت شبكة العنكبوت للحديث عن نسج الصوف وعن فتل وبرم خيوط الحكاية وعدت إلى صور الحياة التلقائية التى تعقدت فى واقع متأزم، فى «عرس الذيب» ونظرا لما عرفه المجتمع من ذئبية واضحة للعيان انفرد فيها المرتزقة بقلب الثورة وتركوا الجيفة للشعب، وظفت شخصية شبه أسطورية للرجل الذى يعرف كيف تصطاد فريسة تتلذذ بذلك، أما «الخنفساء الهرمة «فهى صورة مسخ لمبدعة تحولت إلى خنفساء تقتات من مطابخ الساسة المتعفنة وتمد يدها لمال بلدان لها أجندات واضحة فى بلدنا، وتحدثت عن قذارة المبدع وهو يدعى الثورية ويخدم أجندات مشبوهة، كل هذا من خلال قصص متخيلة تشير إلى الواقع ولكن تنسج عوالمها الفنية عبر الاعتماد على لغة شعرية مشفرة وعبر عرض فنى قصصى محبوك.
■  كيف استعنت بذكرياتك ومخزونك البصرى والعاطفى فى قصصك؟
- حضرت الذاكرة فى العديد من قصص «اوشام سرية» وخاصة ذاكرة الأمكنة التى اخترقتها شخصيات أمومية فى القرية والمدينة، حيث كنت ابحث عن مرجعيات نستند إليها فى مجتمع عرف تحولات خطيرة ومحاولة استهداف الذاكرة الحضارية والوطنية، فكان على أن استحضر الأمكنة التى رحل عنها الأجداد وسكنتها كائنات غريبة، فتتحول الأمكنة إلى فضاءات لقصص من وحى ذاكرة المكان وإدراجه وجماليته وجمالية الصور والشخصيات التى نحن إليها. تلك الأمكنة ليست ساكنة بل هى مشحونة بالخرافات والأساطير والتصورات الميثولوجية التى تفتح آفاق الخيال وتشحن النص القصصى بالرموز والصور.
■  لماذا لجأت لاستخدام اللغة الشعرية فى «أوشام سرية»؟
- حين تدفقت لغتى شعرية فى «اوشام سرية»، مع الحفاظ على خيوط القص فلأنها مرتبطة بالإيقاع النفسى والحركى والتخيلى، ولم تكن مجرد وعاء لقصص مشفرة فحسب بل ساهمت فى بناء نصوصى القصصية عبر سلسلة من الصور الرمزية، القابلة لإمكانات تأويل متعددة وهى تنفتح على فضاءات الذاكرة والحلم فى تنافذ العوالم الحسية والذهنية واندماجها مع المتخيل، حيث تتسع القصص إلى فضاءات الدهشة والومضات التأملية، ففضاء القص فى قصصها لم يعد فضاء موضوعيا للزمان والمكان، بصوره المشهدية فى تناغمها مع اللامرئى.
■  تناولت فى كتاباتك تصورات قاتمة للواقع فى فضاءات مضيئة.. لماذا؟  
- التصقت «أوشام سرية» بالواقع وهى تعيد تصويره كوشم شاهد على فترة قاسية من تاريخ تونس، ورغم سواد اللحظات التى مررنا بها فهى مختلفة عن مجموعتى الأولى «المشهد والظل»، التى وظفت فيها الظل للتعبير عن الاختناق والأركان المعتمة والقلق المتزايد، فالشخصيات القلقة فى الاوشام تنفث قلقها فى الموسيقى والرقص والتخيل ومواجهة الأوهام والخرافات وتتحرك فى فضاءات مفتوحة وعالية، فتبدو أكثر حركية وامتلاء بعناصر الوجود.
فى لحظة ما شعرت بكابوس الموت يكشر عن وجهه فى واقع تضخم فيه التشدد والتطرف يمينا ويسارا، ولكننى استيقظت بسرعة من الكابوس، فنحن لا نعيش فى لحظة عبث مسكوبة على وعينا إلى الدرجة التى تحجب عنا الشعور بالجدوى، ربما بدا الأمر فى صورة موجة أفلام رعب لا يجب أن تجثم على أنفاس القلم فى رغبته الدائمة فى التحرر والانعتاق، من الصعب أن يتملكنى أو أن يتملك المجتمع اليأس والتشاؤم فى مجتمع ثار على حكم قمعى، ومن الصعب أن يساير الفن والإبداع هذا الواقع المظلم، فالكتابة هى حياة وتوق للحرية والبحث عن الجمال.
■  كيف نسجتى الشخصيات النسائية فى نسيج قصصك؟
 - تبرز بصورة مختلفة عن المرأة المقموعة الباحثة عن تلبية رغباتها الأنثى الجريحة لن تجد سريرا تنام عليه فى قصصى ولن يتعاطف معها قلمى، فهى المرأة التى عرفت كيف تنتقم لمقتل والدها وتتحول إلى عنكبوت ضخمة فى «أرملة العنكبوت» تنسج الشباك للإرهابيين وقطاع الطرق، وهى الصحفية التى تقسو على ابنها لكى يحرر قواه التخييلية من خلال اكتساب حصانة بدنية ونفسية لكى لا يكتب شعرا أجوفا ويتحول إلى مجرد خنفساء تبيض على الورق وتقتات من مطابخ الساسة، والنساء هن من أوقعن الرجل الذئب فى الأسر فى قصة «عرس الذيب»، فى «الصخرة والموج» لا تستسلم الشاعرة لرغبات الشاب الذى أحبت والذى لم يكن يؤمن بالإبداع بل بالغريزة، فتعرف كيف توقعه وتنجو بنفسها،  فى «البحث عن المعنى المفقود»  يمر الصحفى بكوابيس  وردود فعل قاسية كلما اقترب من عوالم المرأة فى صورة زوجة الأب أو الفنانة ليجد فى الهذيان ما ينعتق فيه عن الواقع، فى كل قصص المجموعة المرأة تقتحم الأماكن المظلمة والخالية والمسكونة بالأوهام لتكنس كل الخرافات وكل الخوف، تتمرد، تتحدى، تواجه الصعاب، حتى الجدة الريفية فهى امرأة تعالج العقم وتتنقل كثيرا نهارا وليلا عندما يطلب منها توليد امرأة حل بها المخاض فى قرية جبلية لا يوجد بها مستشفى، ونجحت فى رسم صورة امرأة حازمة. شخصيا أرى أن رسم المرأة ككائن ضعيف أو كسلعة فعل ممجوج و يسقط فى فخ التعبير عن مجتمع ذكوري، بينما المرأة التونسية  منحدرة من أصول حضارية وتاريخية ترسخ حزمها وقدرتها للدفاع عن نفسها ومكتسباتها.