الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

طور سيناء بين الحقيقة والخيال

طور سيناء بين الحقيقة والخيال
طور سيناء بين الحقيقة والخيال




أشرف أبوالريش يحقق من سيناء

 

فى الحلقة الرابعة من سلسلة سيناء مازلت أتجول فى الصحراء الشاسعة حيث الدروب والوديان والسهول والجبال الشاهقة وكانت أرض سيناء من قديم الأزل من أهم مفارق الطرق فى العالم، فقد شق الفراعنة فى القرن السادس عشر قبل الميلاد عدة طرق باتجاه غرب سيناء وبئر سبع والقدس كما شقوا طرقًا أخرى ساحلية وطويلة كانت تربط وادى النيل ببلاد ما بين النهرين.
كما تعتبر منطقة «التيه» فى وسط شبه الجزيرة بها العديد من الجبال التى تمثل تاريخًا وحضارة مهمة لجميع الأديان، خاصة جبل موسى أهم وأعظم الجبال فى هذه المنطقة التى كلم الله فيها نبيه موسى عليه السلام، وبها منطقة دير سانت كاترين التى يأتى إليها الزوار من كل مكان فى العالم ينظرون إلى هذه البقعة المقدسة على أنها دافع روحى ومعنوى لكل أصحاب الديانات المقدسة فى اليهودية والمسيحية والإسلامية..  وفى هذه الحلقة نلقى الضوء على هذه البقعة المباركة.

وعلى الرغم من بعد المصريين  عن هذه المنطقة البعيدة عن الدلتا فإن هناك بعض الأشخاص لا يمر شهر تقريبًا إلا ويزورون منطقة سانت كاترين وجبل الطور وبعض المناطق المهمة فى التاريخ القديم، ومن هؤلاء رجلان من الذين خدموا فى القوات المسلحة على أرض هذه البقعة المقدسة وهم اللواء أحمد رجائى عطية مؤسس إحدى أهم الفرق العسكرية الخاصة بالجيش المصرى ومعه اللواء مختار الفار وهو واحد من الذين يحفظون منطقة سيناء وتحديدًا صحراء الوسط عن ظهر قلب، بالإضافة إلى أحد أبرز علماء التاريخ الإسلامى فى جامعة الأزهر الشريف وهو الدكتور عبدالمقصود باشا، حيث جمعت محبة أرض الفيروز هؤلاء الثلاثة للقيام برحلات مستمرة على مدار العام لزيارة منطقة سيناء ورصد ما يدور فى تلك المنطقة المهمة بل وتوثيق ما يحدث من بعض المتغيرات التى من الممكن أن تغير فى معالم هذه البقعة التى يطمع فيها العديد من الدول فى أنحاء العالم.

فى البداية يقول اللواء أحمد رجائى عطية: إن سيناء هى روحى التى أتنفس بها ولا يمكن أن يمر وقت دون الذهاب إلى هذه الأرض المقدسة خاصة مع ظهور عدو جديد لمصر وهو استغلال الدين فى الأعمال السياسية من خلال تيارات دينية متشددة مثل داعش والإخوان المسلمين والتيارات السلفية والجماعات الإرهابية التى استحلت الدماء واستحلت أرض الوطن.
وأضاف: إن الشعب المصرى الواعى وقف ضد هذه التيارات لأن الوطن وأرضه غالية لا تقدر بثمن ونضحى من أجلها بكل شىء، لافتًا إلى أن هناك شيئًا يحدث فى غاية الخطورة فى منطقة سيناء وتحديدًا «من بعض الرهبانى» الذى أدخل عقيدته فى السياسة فقد رأيت أن أواجه هذا الخطر من رهبان دير سانت كاترين -  وهم جميعًا من الجنسية اليونانية. قاموا خلال السنوات الماضية بمحاولة تغيير معالم منطقة جبل موسى، بل إنهم يقومون بطبع بعض الكتب التى يصدرها الدير ويوزعها بجميع اللغات على السياح تحمل بين كلماتها وحروفها شبه طمس للماضى من حقائق ووقائع، ولذلك فإن هذا المكان يعتبر  موقعًا فريدًا من نوعه إذا ما تم وضع شبكة اتصالات أعلى قمته ويوجد للأسف أعلى قمة الجبل مركز مراقبة تابع لمعهد كاليفورنيا للأبحاث، وهناك عدة دلائل تؤكد أن هذا الجبل هو جبل طور سيناء وهو يتكون من قمتين متلاصقتين علاوة على قمم لجبال محيطة وملاصقة له سميت فيما بعد بأسماء أحداث مرت بها وهى جبل المناجاة وموسى وحوريب وقد ورد ذكر الطور فى القرآن الكريم عدة مرات نحو ثمانى فى سور مختلفة، ونجد أن الله قد أقسم بجبل الطور قبل القسم بالقرآن الكريم فى قوله: (والطور وكتاب مسطور) ولو تتبعنا الجهات الأصلية سنجد أن الله حدد موقع سيدنا موسى من الجبل وهو منطقة سهل الراحة والذى يقع جزء منه فى مدينة كاترين الحالية وهو المكان الوحيد المنبسط والذى يمكن الإقامة فيه، وهذا المكان يسع العديد من الآلاف من أصحاب موسى عليه السلام حيث يأتى قوله تعالى: جانب الطور الأيمن ووادى طوى وبعد ذلك كله بما لا يدع مجالاً للشك أن جبل أبورميل وما حوله هو جبل طور سيناء وبالتالى سيكون الجانب الأيمن هو الوادى المقدس طوى وهو الوادى الوحيد الذى تصل مساحته ما يقرب من 9 كيلو مترات، كما يعتبر وادى المناجاة قصيرًا ومساحته حوالى 2 كيلو، وبذلك يعتبر جبل المناجاة هو الذى يشرف على وادى طوى ويقع به الاثنتا عشرة عينًا المذكورة فى القرآن الكريم ويحاول رهبان دير سانت كاترين حاليًا صنع جغرافيا دينية  لهذه المنطقة حتى ينفردوا بتاريخ لرسم مستقبل غير واقعى للمنطقة وإطلاق اسم كاترين على هذا الجبل ويظهر إصرار واضح من قبل الرهبان على تغيير أسماء الجبال فجبل موسى أطلقوا عليه جبل سيناء بل إنهم أطلقوا بعض أسماء للرهبان كمسميات على أماكن تاريخية فى المنطقة وهذه الأسماء ليس لها علاقة بالمكان من قريب أو بعيد.
ويؤكد اللواء أحمد رجائى عطية أن هناك عدة ملاحظات مهمة يجب أن يعرفها الجميع وهى أن الدير له حرمته لأنه مكان للعبادة والدولة والشعب مكلف بحمايته من أية مخاطر حتى ولو كان رهبانه أجانب، بخلاف ذلك فإن أى أثر سواء كان موقعًا جغرافيًا أو بناء أثرى فإنه ليس من حق رهبان الدير التدخل فى شئونه أو ادعاء ملكيته خاصة أن الدير قد تقدم لتقنين أوضاع 71 موقعًا فى سيناء كملكية للدير وهذا الأمر مخالف الأعراف، خاصة أن القانون يمنع التملك فى المحميات الطبيعية ولذلك فقد طالبت من خلال دعاوى قضائية بإزالة التعديات الواقعة على الأثر التاريخى والدينى عيون موسى الاثنتى عشرة عينًا وإجبار الدير  على إزالة هذه التعديات وعودة اسم وادى طوى نسبة إلى الوادى المقدس طوى الذى أصبح الرهبان يطلقون عليه وادى الأربعين شهيدًا وتغيير اسم محمية سانت كاترين إلى محمية طوى نسبة أيضًا إلى الوادى المقدس نظرًا لأقدميته تاريخيًا وذكره فى القرآن الكريم بالإضافة إلى أمور أخرى موجودة فى عريضة الدعوى المرفوعة ضد الدير.
ويعلق الدكتور عبدالمقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر الشريف على قضية تقييد بعض المعالم فى منطقة سانت كاترين فيقول: إن سيدنا موسى عليه السلام خرج من مصر خائفًا يترقب إلى مدين ولما تخطى الأجلين وهذه الحنين مرة أخرى لقومه فى مصر عاد بأهله عبر جنوب سيناء ليلتقى ببنى إسرائيل فى منطقة سرابيط الخادم ليستقى أخبار قومه ويأمن شر الأذى، وفى اعتقادى أن اختيار موسى لهذا الطريق كان بوحى من الله وتفكير طبيعى لشخص هرب من مكان كان معرضًا فيه للهلاك.
وفى منطقة طور سيناء حيث حددت الآية الكريمة موضعه  من الجبل وما كنت بجانب الغربى إذا قضينا إلى موسى الأجل.
ويلاحظ أن هذا التحديد الجغرافى بالجهات الأصلية لم يحدث تحديًدا مثله لأى الأماكن التى أتى ذكرها فى القرآن الكريم مع الأنبياء حيث توضح بأن الإيحاء للجانب الأيمن فى قوله تعالى: «نودى من جانب الطور الأيمن» وقوله أيضًا: «اخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى» حيث يعد ذلك القدوم الأول لموسى إلى طور سيناء.
أما القدوم الثانى فكان بعد خروجه بقومه وطبقًا للنص القرآنى أنه لجأ إلى نفس المكان الذى كلمه ربه فيه وهو الوادى المقدس طوى، حيث نزل عليهم المن والسلوى من جانب الطور الأيمن وكانت مناجاته لربه أربعين يومًا فى الجبل المطل على وادى طوى وهو جبل المناجاة وبالتالى يكون الأقرب إلى العقل والمنطق أن يكون الجبل التالى لجبل المناجاة هو الذى دك وليس جبل المناجاة نفسه ومن الطبيعى أيضًا أن تكون العيون الأثنتا عشرة فى مدخل الوادى لتكون قريبة من الأسباط الاثنى عشر حيث قرب الطعام والشراب منهم.
ويؤكد الدكتور عبدالمقصود باشا أن القرآن الكريم والسياق التاريخى والجغرافى ورسم الخرائط التى تمت فى  عهد الإنجليز مع رهبان أروام أنهم ليسوا بمصريين وهناك مغالطات تمثل جريمة فى حق مصر من خلال عدة حقائق ثابتة وهى تغيير اسم الوادى المقدس طوى إلى اسم وادى الأربعين شهيدًا، حيث يدعى رهبان الدير أن هذا المكان قتل فيه 40 ناسكا وهذا مخالف للحقائق التاريخية الثابتة من خلال المصادر التاريخية القديمة.
وأكد الباشا أن مجمع البحوث الإسلامية قد أصدر تقريرًا يؤكد فيه الحقائق الثابتة لهذه المنطقة فى سيناء من خلال القرآن الكريم، مشيرًا إلى أن دعم الغرب لهؤلاء الرهبان يثير الشك، خاصة عندما يمد الاتحاد الأوروبى مياه النيل من رأس سدر إلى منطقة كاترين بتكلفة 100 مليون دولار ونصف مليون يورو علمًا بأن الموجودين من الرهبان فى الدير يصل عددهم إلى 32 راهبًا فقط، ولذلك أطالب الجهات المسئولة بتصحيح أسماء أماكن الجبال والوديان التى تم تحريفها من سنوات طويلة، بالإضافة إلى مخاطبة وزارة الثقافة  بمراجعة أى كتيبات تصدر عن الدير وتصحيح الأخطاء التاريخية التى توضع فى تلك الكتيبات وتوزع على الزائرين بعدة لغات.
من جانبه طالب اللواء مختار الفار أحد أبطال حرب أكتوبر الذى خدم فى منطقة سيناء ما يقرب من سنوات طويلة بضرورة أن تقوم الدولة بالاهتمام بزيارة الشباب والطلاب لمنطقة أرض سيناء حتى يعرف هؤلاء الشباب حقيقة هذه الأرض المقدسة، التى دافع عنها قديمًا وحديثًا أبناء هذا الوطن من رجال القوات المسلحة وروت دماؤهم الطاهرة رمال منطقة سيناء حتى لا يحتلها أحدًا وأشار إلى أن هناك أملًا كبيرًا فى السنوات المقبلة أن تزيد عملية تعمير سيناء وتوطين الشباب المصرى فى مشروعات زراعية وتعدينية فى كل أرض سيناء التى تنعم بثروات لا حصر لها فى كل مكان من أرض الفيروز.