الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد سمير سعد: الشللية والقوالب النمطية الساكنة أحد أمراض الوسط الثقافى

أحمد سمير سعد: الشللية والقوالب النمطية الساكنة أحد أمراض الوسط الثقافى
أحمد سمير سعد: الشللية والقوالب النمطية الساكنة أحد أمراض الوسط الثقافى




حوار - رانيا هلال

«شواش» هى الرواية الثانية للكاتب أحمد سمير سعد، ونظرية الشواش التى هى من أحدث النظريات الرياضية الفيزيائية وتعرف أيضا بنظرية الفوضى وتقرر أنَّ بعض الأمور التى نراها مُختلطة وغير مترابطة قد تكون مُنظمة، وتسير حسب نَسَق مُحدد بعكس ما تبدو عليه وقد أجاد الكتب فى حث القارئ على البحث والتنقيب حول مفردات ومعالم روايته المشوقة ومعه رصدنا بعض من ملامح هذه الرواية.
■ هل الرواية محاولة لإعادة الاعتبار للفوضى.. أم لمحاكمتها؟
أعتقد أن القيمة الأساسية كانت فى الرصد والصعوبة الأكبر كانت فى جعل هذا الرصد فنيا، معظم الأساطير القديمة والميثولوجيا تجمع على أن العالم كان عبارة عن فوضى قبل أن تأتى الآلهة لتنظمه وكأن الفوضى هى كل الشر بينما كل الخير فى النظام.
لكن العلم الحديث عاد ليتساءل هل فعلا العالم منظم لهذه الدرجة... هل هو كالآلة التى متى علمت منها نقطة بداية حركة كل ترس، ستعرف كل شىء عن المستقبل والماضى. الرواية محاولة لمساءلة هذه الفرضيات الأولى ربما عبر رصد واقعى أو فانتازى علمى وعبر تشعبات عدة اجتماعية وسياسية.
■ كيف يمكن الربط بين قوانين الفيزياء ذات الطبيعة السببية وقوانين بناء الرواية المؤسسة على البناء الدرامى؟
- حقيقة أنا مهموم بكل ما هو إنسانى واعتقادى الشخصى أن قوانين الفيزياء حتى وإن بدت ذات طبيعة سببية وكذلك البناء الروائى هى كلها أنساق إنسانية، فى البداية كان الإنسان وظواهر الكون ولأن المخ البشرى اختزالى فقد حاول طوال الوقت اختزال هذه الظواهر فى معادلات وقوانين، ومع تطور المشاهدات وقدرة الرصد تطورت المعادلات والتى شكلت فيما بعد ما يعرف بالنماذج التفسيرية، على سبيل المثال نموذج نيوتن أو نموذج أينشتاين وأخيرا نموذج الكم وغيرها.
حقيقة الظاهرة وسببها رغم كل ذلك بقت عصية على التفسير، كمثال ظاهرة الجاذبية، نجد أن نيوتن يحدثنا عن أنها قوى تبذلها الكتل على بعضها البعض، بينما يشير أينشتاين إلى أن كل كتلة تسبب حيود فى الزمان والمكان وإحساس الحركة المصاحب ما هو إلا نتيجة لذلك الشعور، نحن كركاب أسانسير بينما الجاذبية هى تسارع هذا الأسانسير، فى الواقع نحن نسقط فى حيود الزمان والمكان ولا تبذل علينا الكتل أى قوة... بينما تقول نظرية الكم مثلا أن مرجع الجاذبية لتأثير جسيمات متناهية الصغر تسمى الجرافتونات. فهذه هى نماذج العلم فى الحقيقة مجرد فرضيات بعضها له قدرات تفسيرية أعلى لكن حقيقة السبب والنتيجة غير أكيدة وهى حقيقة بشرية تماما. والقوانين ما هى إلا محاولات اختزالية بشرية مسكينة. دراما العلم ثرية جدا وهو ما تنبه له مؤخرا فلاسفة العلم ومؤرخيه واعتقادى الشخصى أنها لا تقل إثارة وخيالا عن الدراما الروائية.
■ ما الذى يدفع الإنسان إلى محاولة صياغة المستقبل؟
- المجهول هو السؤال البشرى الأكبر وكل المنجزات الإنسانية هى محاولات للكشف والمعرفة... المستقبل هو أصعب هذه المجهولات وأعقدها وأكبر المخاوف. الإنسان ظل الإله على الأرض بوصفه الكائن الأعقل يحاول طوال الوقت أن يبدو مسيطرا، قادرا على قراءة كواليس العالم والخلوص لبراهين ونتائج وبناء الأرض التى يريد والكون الذى سيسير طوع بنانه. مأساة بطل الرواية فى رأيى أنه رأى وعرف لكنه اكتشف وهنه وضعفه فبات عارفا بلا حيلة.
■ لكن هل عرف فعلا؟ أم شبه له؟ أيضا.. الشخصية الجموحة لمحمود نصار والشخصية النمطية لحسين هل يمثلان وجهين لنفس العملة؟
- بطل الرواية كقاسم مشترك بين كل الشخصيات فكر فى ذلك.. لم يفكر فى محمود نصار وحسين كوجهين لذات العملة ولكنه فكر فى كل منهما على حدا كصورة أخرى له فى أزمنة وأماكن أخرى. يبدو الموضوع أقرب لفكرة الأكوان المتوازية. الفيزياء تحدثنا أنه وربما عند كل فعل أو حدث فى الكون ينقسم هذا الكون إلى كونين متوازيين وهكذا، فماذا لو كانت هذه هى سمة البشر مع كل اختيار. رأى بطل العمل فى محمود نصار صورة منه ولكنها صورة رفضت مركزية العلم ومركزية أفكاره فخاضت حرب الهامش بأريحية شديدة.. رأى فى حسين كذلك صورة منه.. صورة ذلك الكائن شديد النمطية وبلا أى فعل، فقط يسير مع السائرين وبأقل قدر من الطموح أو الرغبة فى إحداث فارق، وهكذا الإنسان ربما يتشكل مع كل اختيار، كلها اختيارات مدفوعة الثمن، لكن تبدو المأساة والملهاة فى النهاية التى شملتهم والتى وإن اختلفت ظرفًا فلم تختلف معنًا.
■ يقترب بطل الرواية من الموت فى مناسبات عديدة لكنه يعود إلى الاستجابة للمشاعر. هل أعاده الموت إلى الحياة وهل تسبب فى إمراضه ذلك الإيقاع الرتيب لحياته فى السابقة؟
- نحن لا نشعر بالحركة الانسيابية المنتظمة نحن لا نشعر بحركة الأرض وهى تدور حول الشمس لأننا نتحرك معها بذات السرعة المنتظمة. نحن فقط نشعر بالتسارع أو التباطؤ.
لو استيقظت فى سيارة تتحرك بشكل منتظم ستظنها واقفة ولكن مع تغير هذه السرعة ستبدأ فى إدراك حركتها. هكذا كان الموت أو التهديد به بالنسبة للبطل، تسارع أو تباطؤ دفعه للسؤال والفعل. سؤال على مستواه الشخصى ومحيطه الاجتماعى الضيق وكذلك سؤال إنسانى ضخم على مستوى كل البشر. بالمناسبة يعرف العلماء الحياة على أنها مقاومة للانتروبيا (الحركة النمطية التى تنتهى للتوازن) فربما بالفعل كان الموت هو طارق الحياة الذى دفعه للفعل.. أما عن كون الإيقاع الرتيب هو السبب فى مرضه فهو سؤال عسير جدا فى عالم فقد قواعد المنطق الأولية البسيطة وعجزت قدراتنا الاختزالية عن تبسيطه فى معادلة أو قانون.
■ لمن الغلبة فى محاولة لملمة العالم ومقاومة الفوضى.. هل للسحر والثقافة الشعبية المرتبطة بالخرافة.. أم بالعلم رغم أنه بعيد نسبيا عن نمط حياة شخوص الرواية؟
العلم أكثر وعيا بالمشكلة بكل تأكيد لكنه ما زال يقف موقف العارف العاجز. نعم يحقق فتوح تجريبية ولكنه لا يستطيع تفسير العالم بعد، صحيح أنه زاد من وعينا بالأشياء وغير كثيرا من قدرتنا على الرؤية والوعى لكنه ما زال عاجزا عجز الفلسفة عن الوصول لخلاص. ما يميز العلم عن الخرافة أن العلم دائما يشك بينما الخرافة يقينية وبالتالى فالعلم يملك القدرة الدائمة على التنقيح وربما التقدم، لكن هذا لا يمنع أن كثير من نماذج تفسيره لا تزال غير يقينية، صحيح هى أقرب للمنطق والوعى لكنها عاجزة عجز البشر ومحدودة بحدودهم.
■ مالت الرواية إلى الاهتمام بالسرد وترتيب الأفكار.. بينما توارت قليلا الصور الشعرية التى تميزت بها أعمالك السابقة.. كيف ترى ذلك؟
- لا أنكر أن سؤال اللغة والأسلوب والتقنية هى واحدة من أكثر الأشياء التى أرقتنى وبخاصة أنى ولحد كبير مؤمن أن الأفكار الجيدة على قارعة الطريق، بالتأكيد بعضها أكثر بريقا من بعضها لكنها تبقى على قارعة الطريق كذلك.. الفن الحقيقى فى الصياغة والتشكيل. اللغة والأسلوب والتقنية هى أدوات هذه الصياغة، لكننى مؤخرا بت أؤمن فى أن العمل الفنى دفقة واحدة، يأتى وقد اختار قالبه ولغته وفكرته وأسلوبه وكلما كان العمل جيدا كلما كانت هذه السبيكة ممزوجة جيدا..
■ كيف ترى تناول الأعمال الأدبية الحالية للموضوعات العلمية؟
- هذا السؤال يذكرنى بأمسية بعيدة، كنت أجلس مع مجموعة من الأصدقاء وكنت منتشيا بشرح واحدة من فرضيات العلم الحديث، عندما واجهنى أحد الأصدقاء بسؤاله، ما دمت مهتما بالعلوم هكذا لم لا تكتب عملاً أدبيًا مبنيًا على فكرة علمية؟ شعرت وقتها بالعجز.. كيف وفى بلدنا النامى مصر أستطيع أن أقنع قارئًا ببناء مسرع جسيمات فى صحرائنا الغربية أو برحلة للفضاء تنطلق من قاعدة فى سيناء، أو حتى روبوت شديد التطور نهض فى الإسكندرية..
حتى كانت فكرة هذه الرواية... فالعلوم ليست فقط ذلك الخيال العلمى الذى يمطرنا الغرب به لأنه يملك تقنيته بينما نقف للأسف بعيدا وحتى اللحظة عن منجزه وتقنياته، لكن العلم هو مساءلة للكون والإنسان والرب وإعادة لصياغة مفاهيم الحياة وهذا هو ما حاولته فى هذه الرواية..
■ هل هناك علاقة بين عملك كطبيب تخدير وبين قدرتك على النفاذ إلى عقول شخصياتك فى تلك الحالة نصف الواعية.؟
- كم كنت أتمنى هذه القدرة على الشفافية والنفاذ...
الطب عموما يجعلنا أقرب لسؤال الحياة والإنسان فهو سؤال يطرح بغزارة أمامنا كل يوم..
أما بالنسبة للحالة نصف الواعية تلك والتى تحدث تحت تأثير التخدير، فأطمئن الجميع هى فى الأغلب أقرب لخرافة مدنية منها لحقيقة ملموسة بالإضافة إلى أن الأدوية الحديثة تقصر جدا من فترات غياب الوعى التى تلى أى عملية وعلى الأغلب فمتعاطى التخدير لن يلفظ بعبارات أكثر سرية من تلك التى سيلفظ بها وهم يحاولون إيقاظه من نوم عادى فى فراشه..
■ كيف ترى الواقع الثقافى المصرى وحركة النقد؟
الحالة الثقافية المصرية لا تختلف عن كل حالات الشأن المصرى العام فى هذا الظرف التاريخى الذى نعيشه. هناك مرض مستشرى وجسد هزيل يحاول الكفاح ونقاط ضوء على قلتها لكنها تحمل بعض الأمل. النقد عندنا مأزوم جدا لأسباب عدة... منها غزارة الإنتاج وعدم القدرة على الملاحقة مع اختلاط الغث بالسمين. هناك كتب جيدة جدا لا يعلم أحد بها، ربما عليك ككاتب أن تحمل أسفارك وتدور بما تكتبه على الجميع... بالإضافة إلى أن أحد أمراض الوسط الثقافى الأفتك هى الشللية والقوالب النمطية الساكنة وإن كان هذا لا ينفى أن هناك وطوال الوقت محاولة لتنشق هواء ونسمات جديدة.