الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بالتفاصيل أسرار التحالف بين واشنطن وتنظيم القاعدة فى ليبيا

بالتفاصيل أسرار التحالف بين واشنطن وتنظيم القاعدة فى ليبيا
بالتفاصيل أسرار التحالف بين واشنطن وتنظيم القاعدة فى ليبيا




دراسة يكتبها هانى عبدالله
فيما كانت عناصر «تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين» تواصل إعادة انتشارها داخل «ليبيا»، بالتزامن مع تصاعد أحداث ما عُرف بـ«ثورات الربيع العربى»، وفقًا لانتماءاتها الجغرافية، إذ كانت تنتمى «تلك العناصر» - بحسب الدراسة التى أعدها قسم العلوم الاجتماعية بالأكاديمية العسكرية الأمريكية فى العام 2008م (1) - إلى مناطق: «درنة» بنسبة 60.2 % ، ثم «بنغازى» بنسبة 23.9%، ثم «سرت»، و «أجدابيا»، و«مصراتة» بنسب متقاربة (!).. كان أن توسعت عمليات الانتشار تلك؛ لتسمح بتقاطر العديد من العناصر «الأجنبية» (غير الليبية) التابعة للتنظيم نفسه؛ لتمهيد الأرض من الداخل، عبر إنهاك «نظام العقيد القذافى» فيما يشبه «حرب العصابات».. قبل أن تبدأ عمليات «التدخل الدولي»؛ لتوجيه خط سير الأحداث فى «طرابلس».

فقد كانت التقديرات الاستراتيجية الأمريكية، حينئذ، تؤكد أن «النظام الليبى» لن يسقط بغير معركة (2).. والنتيجة يمكن أن تكون صراعًا مطولاً.. بل من الممكن أن يعيد «النظام» تأكيد سيطرته - مؤقتًا - على بعض المناطق التى فقدها بالفعل. وأنه - أى: القذافى - إذا كان قادرًا على البقاء فى السلطة، واستعاد السيطرة على المناطق التى خسرها مثل بنغازى، فسوف يفرض على الأرجح انتقامًا عنيفًا.. رغم ما أظهره «الجيش الليبي» من علامات عن حدوث «انهيار داخلي»، حيث انضم بعض أفراده إلى المعارضة، كما رفض آخرون الامتثال لأوامر «إطلاق النار» على المتظاهرين (!)
■ ■ ■
كانت «خيارات التدخل» الأولى - بحسب التقديرات العسكرية الأمريكية - ترى أنه بإمكان كل من «الولايات المتحدة» وحلف «الناتو» الارتكان إلى العديد من الأشكال، أولها: فرض مناطق «حظر جوى» على الطيران الليبى التابع للنظام.. فكلما اتسعت «الخيارات» بصورة أكبر؛ فمن المرجح أن يكون ذلك أكثر تأثيرًا (3).. فرغم أن النظام قد استخدم القوة الجوية على نحو ما، إلا أن قواته البرية ستكون على الأرجح هى الأهم فى تحديد المحصلة والتكلفة فيما يتعلق بالإصابات والخسائر البشرية.. وسيكون لمناطق حظر الطيران تأثير ضعيف - إن وجد أصلاً - على مسار القتال البرى.
وبينت «التقديرات الأمريكية» أنه من غير الواضح «المدى الكامل» الذى استخدم فيه النظام «طائرات مقاتلة»، و«مروحيات هجومية» أثناء الأزمة.. ومع ذلك، يمثل هذا المخطط العسكرى تهديدًا كبيرًا للمعارضة التى لها قدرة ضعيفة للدفاع عن نفسها ضد هجمات من هذا النوع.. ومن ثمّ.. فإن فرض «منطقة حظر الطيران»، تعنى: إقامة مناطق محظورة على الطائرات المقاتلة.. ومن خلال تمشيط الجو فوق شمال ليبيا سوف تقوم قوات الولايات المتحدة و«الناتو» بالحد من - إن لم يكن القضاء تمامًا على - قدرة النظام على استخدام القوة الجوية ضد «المتمردين» داخل ليبيا (!)
ومن الناحية الإجرائية؛ لابد أن تشمل مهام القيادة والتحكم الكبرى، توفير «بوابة إلكترونية» لروابط بيانات التحالف، وإزالة أى تعارض بين طائرات التحالف، ومراقبة إطلاق الصواريخ، والطائرات الليبية، وتوجيه اعتراضات للطائرات العسكرية الليبية، التى تنتهك مناطق حظر الطيران.
وأن تشمل «المهمات جو- جو»، تنفيذ دوريات جوية قتالية؛ لمواجهة أصول القوة الجوية الليبية التى تشمل: طائرات من طراز «ميراج إف-1»، و«ميكويان جيروفيتش 21/23»، و«سوخوى سو-22»، و«سوكو جى -21 إس»، ومروحيات «إم آى-24 هند» الهجومية، ومجموعة متنوعة من مروحيات النقل.
والخيار الثانى، يتعلق بقدرات «الدفاع الجوي» للنظام الليبي.. فبما أن ليبيا تمتلك قدرات صاروخية (أرض- جو)، فإن «الضربات الاستباقية» لتلك القدرات، سيكون مطلوبًا لمواجهة بطاريات صواريخ «إس أى - 2»، و«إس أى -3»، و «إس أى -6».. كما سيكون مطلوبًا – أيضًا - وجود قوة نشطة من طائرات التزود بالوقود؛ لضمان وجود القدرة لدى جميع الطائرات على تحمل التمشيط الفعال.. كما يجب أن تكون قوات استعادة الأفراد فى حالة تأهب؛ لتنفيذ مهمات الاستعادة، لو حدث أن أُسقِطت طائرة من طائرات التحالف.
وسوف تحتاج قوات الإنقاذ أن تكون عائمة إما فى البحر المتوسط أو فى مالطا لتقليل زمن الاستجابة. ويجب أن يولى الاهتمام لنشر طائرة التزود بالوقود من طراز «إتش سى-130»، حيث أنه ليست هناك قوة أساسية مساوية لـ «القوات الجوية للولايات المتحدة فى أوروبا»، وثمة عدد محدود فقط يدعم «فرقة العمل المشتركة فى القرن الإفريقى».
وأوضحت التقديرات (4)، إن القاعدة الجوية البحرية الأمريكية «سيجونيلا» الموجودة بـ«صقلية»، تقع - بشكل مركزى - فى البحر المتوسط؛ لدعم عمليات الاستقرار. وتتمتع بـ(قدرة مطار)، ولها موقعها الممتاز؛ لخدمة «نقطة الإطلاق»، والاستعادة؛ لتمشيط «الجزء الغربي» من أى منطقة من مناطق حظر الطيران.. كما أن «قاعدة خليج سودا لنشاط الدعم البحرى» فى جزيرة كريت، هى فى موقع «جيد»؛ لتوفير الوصول إلى النصف الشرقى من أى من مناطق الحظر هذه.
وتركز «الخيار الثالث» على إنشاء منطقة «حظر قيادة السيارات»؛ لمنع النظام الليبى من تعبئة ونشر القوات البرية ضد قوات المتمردين.. فإذا كان يأمل «نظام العقيد» فى استعادة السيطرة على المناطق التى فقدها، فسوف يحتاج ذلك إلى تحريك قوات كبيرة.. وبالتالى، يمكن أن تحد مناطق حظر قيادة السيارات من قدرته على القيام بذلك، خاصة بالنظر إلى التحركات «طويلة المسافة» من جانب القوات الثقيلة.
أما «الخيار الرابع»، فهو إعلان «منطقة حظر الإبحار»، إذ يُقال أن «نظام القذافى» استخدم وحدات بحرية لقصف قوات المعارضة.. ومن ثمَّ.. فإن إقامة «منطقة حظر إبحار»؛ لمنع هذا النشاط يمكن أن يتحقق عبر استخدام «القدرات الجوية للقوات الأمريكية»، أو وحدات (بحرية - برية) فى المنطقة بما فى ذلك قوات الأسطول السادس الأمريكى الموجودة فى «نابولي».. وقيادة القوات المشتركة لحلف «الناتو» فى «نابولي»، أيضًا.
■ ■ ■
يبدو من واقع التقديرات الاستراتيجية السابقة، أن قوات التحالف (الولايات المتحدة، وقوات «الناتو»)، سعت بكل قوتها؛ لمحاصرة «نظام العقيد» من كل الجوانب، بما يسمح بتمدد قوات التمرد الليبية، خاصة فى «شرق ليبيا».. وما كاد أن ينتهى شهر «فبراير» من العام 2011م، إلا وفقد «النظام الليبي» سيطرته على الشرق فعليًا، إذ سقطت مدن مثل: بنغازي، والبيضاء، وأجدابيا، ودرنة، وطبرق فى أيدى «قوات التمرد» (5).. وهو ما أدى استحواذ «قوات التمرد» (ومنها العناصر التابعة لتنظيم القاعدة) على مخازن الأسلحة بتلك المناطق، مما دفع النظام (6) إلى شن «غارات جوية» مكثفة استهدفت تدمير هذه المواقع، من دون نجاح يذكر.
.. إلا أن هذا الأمر، لم يكن – حينئذ – على القدر نفسه بالغرب الليبي، ومن ثمَّ - وفقًا لما نمتلكه من معلومات - كان على الولايات المتحدة «وحلفائها» تدشين مكتسبات «قوات التمرد الليبية» بشكل أكبر؛ للقضاء على أى أمل يذكر فى استعادة «نظام العقيد» لزمام الأمور.. وبالتالي.. كان أن تم إسقاط العديد من الأسلحة (عمدًا) لقوات التمرد (بما فى ذلك التابعة منها لتنظيم القاعدة)، عبر القوات الجوية للتحالف (!)
.. وهو ما كان «ترجمة» مباشرة لأحد تقارير الاستخبارات العسكرية الأمريكية (D.I.A)، حول أنواع التدخلات «الممكنة»؛ لتقصير أمد الصراع داخل ليبيا، وبما يُسرع من عملية «إسقاط نظام العقيد».. إذ انقسم التقرير (وفقًا للمعلومات) إلى:
■ - خيارات «منخفضة المخاطر»:
■ تزويد المعارضة بمعلومات استخباراتية عن حشود قوات النظام وتحركاتها ونشاطها الجوي، مما يسمح لها تجنب الكمائن وإعداد الدفاعات ونشر قواتها بأفضل ما يمكن.
■ تعزيز خدمات الإمداد والتجهيز والدعم لقوات المتمردين من خلال توفير الذخيرة والوقود والمساعدات الطبية للحفاظ على قدراتهم العملياتية وتعزيز روحهم المعنوية.
■ تعزيز قابلية قوات المعارضة على القيادة والسيطرة من خلال توفير أنظمة اتصالات وتدريب سريع لقادة التمرد.
■ تدريب وحدات المعارضة على أنظمة الأسلحة الرئيسية مثل المدافع والصواريخ المضادة للطائرات والأسلحة المضادة للدبابات وأنظمة المدفعية.
■ تزويد قوات التمرد بأسلحة تؤدى إلى تغيير مسار اللعبة مثل الأنظمة المتطورة المضادة للطائرات والدبابات، وذلك لزيادة استنزاف قوات النظام القتالية، وتقليل تفوقها فى إطلاق النيران.
■ – خيارات «عالية المخاطر»:
■ توفير دفاع جوى للمناطق المحررة أو لعمليات المساعدة الإنسانية فى شرق ليبيا، إما عن طريق دوريات القتال الجوية أو الدفاعات الجوية الأرضية؛ لتقليل مخاوف الهجمات الجوية بين السكان، وسيكون لها على الأرجح تأثير رادع على عمليات النظام الجوية.. كما أنها لن تكون معقدة أو محفوفة بالمخاطر مثل إنشاء منطقة حظر للطيران فوق البلاد بأكملها.
■ إنشاء مناطق حظر طيران وحظر قيادة السيارات؛ لتقليل تفوق النظام فى قوة النيران الجوية والأرضية.
■ القيام بهجمات جوية ضد الأصول الحكومية العسكرية الحاسمة (مثل: الطائرات، والقيادة والسيطرة، والقوات المدرعة ووحدات المدفعية)؛ لتقليل قدرات النظام، وتسهيل عمليات المعارضة ومناوراتها القتالية على حد سواء.. وسوف يحمل هذا الخيار أشد أنواع المخاطر، لكن سيكون له أيضًا أكبر تأثير مباشر على مجرى الحرب.
■ ■ ■
تدريجيًّا.. ومع نجاح عمليات «الإمداد اللوجيستى» لقوات التمرد فى ليبيا، كان أن شجع هذا الأمر قوات التحالف على إطلاق «عملية فجر الأوديسا»؛ لعرقلة تفوق القوات الليبية بالسبل كافة.. وبما يحفظ مزيدًا من «الروح المعنوية» المرتفعة للمتمردين الليبيين، بعد أن حققوا مزيدًا من التقدم على الأرض بفضل عمليات الإمداد تلك.
وتكريسًا لتلك الحالة (أي: الحفاظ على الروح المعنوية للمتمردين الليبيين)، كان لابد من إرسال «رسالة» على الأرض لقوات التمرد بأن «الولايات المتحدة» ستواصل دعمها لتلك القوات إلى النهاية، حتى التخلص الكامل من كل رجال القذافى (!)
ومن ثمَّ.. كانت «بنغازي» على موعد مع زيارة «غريبة فى مضمونها» خلال إبريل من العام 2011م، إذ لم يكن لدى القابعين داخل «الغرف المغلقة» بواشنطن أى مانع من إعلان تحالفهم «المرحلي» مع عدوهم المُعلن (تنظيم القاعدة) بما يحقق استراتيجية تغيير الأنظمة بمنطقة «الشرق الأوسط»، وبما يحقق – كذلك – المزيد من المصالح الأمريكية بالمنطقة ذاتها.. إذ استقبلت «بنغازي» – وقتئذ – السيناتور الجمهورى «جون ماكين» (John McCain).
وكان من بين الأهداف «المتعددة» للزيارة أن يلتقى بأحد رءوس الحربة الرئيسية فى مواجهة قوات «نظام العقيد»، ونقصد بذلك: «جماعة أنصار الشريعة» (7).
وحينها.. وصف عضو الكونجرس (أحد أهم مناصرى التدخل العسكرى فى ليبيا) قوات التمرد (التابعة للقاعدة!) التى تواجه قوات القذافى بأنهم (أبطاله!)، مثمنًا جهودهم فى الإطاحة بهذا الديكتاتور (!)
لكن.. لم يكن – إلى ذلك الحين – أن تنتهى «بانوراما» دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمقاتلى القاعدة بمنطقة الشرق الأوسط، فى سياق استراتيجية «تغيير الأنظمة».
.. ونكمل لاحقًا


هوامش

(1) AlQa’ida’s Foreign Fighters in Iraq - US Military Academy (2008).
(2)  تدخل الولايات المتحدة وحلف «الناتو» فى ليبيا: المخاطر والمنافع - «جيفرى وايت» – معهد واشنطن (24 فبراير 2011م).
(3) جيفرى وايت (مصدر سابق)
(4) جيفرى وايت (مصدر سابق)
(5)  القتال فى ليبيا: التوازن العسكرى – «جيفرى وايت» – معهد واشنطن (2 مارس 2011م).
(6) الجغرافيا الاستراتيجية للحرب الأهلية الليبية – «مايكل نايتس» – معهد واشنطن (3 مارس 2011م).
(7) John McCain praises rebels on visit to Libya – Associated Press, Friday 22 April 2011