الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«هيكل» يطالب بتطهير الصحافة!

«هيكل» يطالب بتطهير الصحافة!
«هيكل» يطالب بتطهير الصحافة!




رشاد كامل يكتب:
لو أمد الله فى عمر الأستاذ والجرنالجى «محمد حسنين هيكل» حتى رأى الأزمة الأخيرة لنقابة الصحفيين وأحوال الصحافة وسئل عن رأيه بصراحة وموضوعية، أظن أنه كان سيعود إلى أرشيفه الثمين ويستخرج منه ما كتبه قبل 64 سنة على صفحات مجلة «آخر ساعة» التى كان يرأس تحريرها!
فى تلك الأيام - أغسطس 1952 - وبعد أيام قليلة من قيام ثورة يوليو 1952 انطلقت عشرات ومئات المقالات الساخنة التى تطالب بالتطهير، تطهير كل شىء من الأحزاب إلى الجامعات ومن الفن والغناء والمسرح إلى الأدب والقصة والشعر!
فى هذا الجو السياسى الذى ركبه عفريت التطهير الذى تزعمه نجوم وكتاب كانوا من نخبة العصر الملكى ثم انضموا بعد الثورة وركبهم عفريت التطهير! خرج علينا الأستاذ «هيكل» بواحد من أهم وأخطر وأعمق مقالاته والذى جلب عليه سخط الجماعة الصحفية وعلى رأسها نقابة الصحفيين نفسها والتى وصل حد سخطها وغضبها عليه أن طالبت بتقديمه إلى «محاكمة تأديب» لعقابه على ما كتبه.
على صفحات آخر ساعة (13 أغسطس 1952) كتب الأستاذ «هيكل» يقول بالحرف الواحد:
«صاحبة الجلالة الصحافة وأفراد بلاطها السعيد» يقومون هذه الأيام بدور غريب عجيب!
بعض أفراد هذا البلاط السعيد! استباحوا لأنفسهم مقعد النائب العمومى وجلسوا يوجهون الاتهام ذات اليمين وذات اليسار، ويحددون من الذى تعلق رقبته فى حبل المشنقة ومن الذى يكتفى بوضعه وراء القضبان!
إننى أعتقد - وأنا واحد من أفراد البلاط السعيد لصاحبة الجلالة - إننا نحن - أفراد هذا البلاط جميعا آخر من يحق لنا أن نصنع هذا!
آخر من يحق لهم أن يستبيحوا لأنفسهم مقعد النائب العمومى موزع الاتهام!
آخر من يحق لهم شىء من هذا لسبب واحد هو أننا نحن أيضا فى حاجة إلى تطهير!
ومن سوء الحظ - إننا - أفراد بلاط صاحبة الجلالة نملك قوة هائلة نحاسب بها الناس ولكن تمنع الناس من أن يحاسبونا!
ومن سوء الحظ - إننا - أفراد بلاط صاحبة الجلالة - نملك أن ننتقد الآخرين ولكننا لا نسمح لأحد أن ينتقدنا، لأننا نحن الذين نسيطر على ما يجب أن ينشر وما ينبغى ألا تراه عيون القراء!
ويمضى الأستاذ «هيكل» قائلا فى مقاله:
إنى أقولها بصراحة - وأنا أعتقد أنها ستجلب لى متاعب الدنيا والآخرة، إن علينا مسئولية كبرى فى كل هذا الذى صارت إليه الأحوال!
ولقد بدأت مصر كلها تنادى بالتطهير وعلينا نحن أيضا أن ننادى مع مصر بالتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين».
انتهى كلام الأستاذ «هيكل» وعلى ما يبدو فقد انشغل الجميع عما كتبه عن تطهير الصحافة وراحوا يطالبون بتطهير أشياء أخرى، وبعد عدة شهور كانت مصر قد شهدت انعقاد أول مؤتمر للصحفيين العرب دعت إليه نقابة الصحفيين المصرية، وكان موضوع المؤتمر «حرية الصحافة».
وفجأة خرج الأستاذ «هيكل» بمقال عنوانه «حديث صريح عن صحافة مصر» (15 إبريل 1953) وبعد مقدمة طويلة اعترف فيها أنه لم يحضر هذا المؤتمر لأسباب شرحها إلى أن يقول:
لقد كنت أتمنى لو أن الصحافة العربية فى مؤتمرها الأول وجدت الشجاعة لتواجه نفسها بالحقيقة فى أمر نفسها، ولسوف أقصر كلامى على الصحافة المصرية وحدها فليس من شأنى أن أتدخل فى مشكلات الآخرين.
والحقيقة فى أمر الصحافة المصرية لم تتعود أبدا أن تطل برأسها بين سطور الصحافة المصرية، وذلك لأننا نحن الصحفيين نملك الزر الذى نضغط عليه مرة فتتجه الحقائق بمنتهى البساطة لتنام فى سلال المهملات، أو نضغط عليه مرة أخرى فتجرى الأكاذيب بمنتهى الجرأة لتصبح سطورا سوداء على الورق الأبيض!
والنتيجة أن هوة عريضة عميقة من الشكوك بدأت تفصل بين الرأى العام وبين صحافته، ولقد قال لى واحد من المسئولين منذ أسبوع وأنا أصدقه إلى حد بعيد: هل تظن أن الصحافة المصرية تعبر فى الغالب عن الرأى العام؟! أنا أعتقد أنها فى الغالب الأعم تعبر عن الرأى الخاص لأصحابها ومحرريها!
ولم يكن ذلك هو كل ما كتبه الأستاذ «هيكل» فإلى الأسبوع المقبل!