الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تلوث الترع والمصارف.. الموت بالبطىء لـ«المنايفة»

تلوث الترع والمصارف.. الموت بالبطىء لـ«المنايفة»
تلوث الترع والمصارف.. الموت بالبطىء لـ«المنايفة»




المنوفية - منال حسين


خطر حقيقى يهدد صحة نحو 6 ملايين مواطن بالمنوفية بعد تفشى ظاهرة تلوث مياه الترع والمصارف بجميع مراكز وقرى المحافظة دون استثناء بشكل كبير، بسبب جهل الأهالى وقيامهم بإلقاء المخلفات الزراعية والصناعية والحيوانات النافقة، وتصريف مياه الصرف الصحى فى الترع، خاصة أنه لا توجد أماكن لإلقاء المخلفات والنفايات، علاوة على تقصير المسئولين فى تطبيق العقوبات الرادعة على المخالفين دون تحكم الوساطة والمحسوبية، والتقاعس فى خلق وإيجاد حلول بديلة، ليرحم الجميع من الإصابة بالأمراض الطفيلية.
والكارثة أن المنوفية من المحافظات الزراعية، حيث تعتمد أراضيها فى المقام الأول فى الرى على مياه الترع والمصارف، غير الصالحة بسبب تصريف مياه الصرف الصحى بها، وإلقاء المخلفات، ما يؤثر بشكل سلبى على صحة المواطنين بعد تناولهم المزروعات التى يتم جنيها بتلك المساحات، خاصة أن قطع الأراضى التى يتم ريها بمياه غير ملوثة من الترع التى تغذى محطات مياه الشرب قليل.
ورغم قيام المسئولين بمحافظة المنوفية بتشكيل أكثر من لجنة لبحث أزمة تلوث مياه الترع والمصارف بسبب تحولها إلى مقالب للقمامة، خاصة الترع المغذية لمحطات مياه الشرب حرصا على صحة المواطنين من الإصابة بالأمراض، إلا أن تلك اللجان لم تتوصل إلى حل جذرى ينهى المشكلة، لكنها دائما كانت مسكنات وقتية فقط.
يقول المهندس حسين عبدالرحمن، أحد أهالى قرية شمنديل التابعة لمركز قويسنا: إن أحد أسباب التلوث يرجع إلى عدم تكليف مسئولى الوحدات المحلية عمال النظافة بالمرور الدورى على المنازل لنقل القمامة والمخلفات أولا بأول، ناهيك أن عدم إدخال منظومة الصرف الصحى لمعظم قرى المنوفية يدفع الأهالى وأصحاب سيارات الكسح بتصريف المياه فى أقرب الترع والمصارف، بسبب غياب الثقافة وقلة وعى المواطنين.
ويلفت الحاج عبداللطيف سعفان، أحد مزارعى قرية الماى التابعة لمركز شبين الكوم، إلى أن الترع أصبحت بيئة خصبة لانتشار الحشرات، ومستنقع للأوبئة، ومصدر للأمراض الفتاكة، منوها إلى أن عددا كبيرا من الأهالى أصيب بالحساسية الصدرية المزمنة جراء انتشار الروائح التى تقلق منام المواطنين، وتزكم أنوفهم.
ويعرب أهالى قويسنا عن شدة استيائهم من تلوث أكبر مصرف بمحافظة المنوفية «مصرف الخضراوية» الذى يمر بـ25 قرية تابعة للمركز، حيث وصفه الجميع بأنه كارثة بيئية بكل المقاييس تهدد نحو 200 ألف مواطن، بسبب إلقاء مخلفات ما يتجاوز 150 مصنعا بالمنطقة الصناعية بقويسنا، خاصة بعد إقامة 25 مزرعة سمكية تعتمد على مياه المصرف.
ويحذر الدكتور صبحى رمضان، مدرس الجغرافيا البيئية بقسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة المنوفية، من خطورة تفشى مرض فيروس «سى» وبعض الأمراض الطفيلية مثل: «سرطان المثانة القولون البلهارسيا»، بين سكان المحافظة، منوها إلى أن السبب الرئيسى فى انتشار الأوبئة تلوث مياه الترع والمصارف المغذية للأراضى الزراعية ويتم رى المزروعات بها.
ويشير مدرس الجغرافيا البيئية إلى أن تلك الأزمة لم تكن وليدة اليوم، بينما منتشرة منذ عقود طويلة، مشيرة إلى أن محافظة المنوفية يغلب عليها الطابع الريفي، حيث إن هناك 315 قرية مقابل %10 مدن فقط، ما يعنى أن 20% فقط من السكان يقنطون المدن، منهم 64% متصلون بالصرف الصحى و36% غير متصلين، و80% يقطنون القري، منهم 11% متصلون بشبكات الصرف الصحي، والـ89% الأخرى محرومة من الصرف، ما يدفع سكان الريف للتخلص من مخلفات الصرف الصحى عن طريق سيارات الكسح المنزلية وتصريفها فى الترع والمصارف الموجودة.
وينوه رمضان إلى أن هناك عدة تأثيرات ناتجة عن طرح مخلفات الصرف الصحى والقمامة دون تنقية، حيث تكون هذه المخلفات السائلة محملة بتركيزات عالية من الملوثات المختلفة العضوية وغير عضوية أو الميكروبيولوجية، وتحتوى مياه الصرف الصحى على مواد عضوية تحتوى على المخلفات الآدمية والصابون والمنظفات الصناعية ومواد دهنية وشحومات ومواد غذائية ومخلفات ورقية وأملاح معدنية خاصة الفوسفور والنترات، بالإضافة إلى البكيتريا والفيروسات.
ويشدد رمضان على خطورة تصريف مياه الصرف الصناعى بالمصارف والترع لوجود العناصر السامة مثل الرصاص والنيكل والزئبق والكروم، إلى جانب، فضلا عن الكوبالت والكادميوم بتركيزات عالية فوق المعدلات المسموح بها دوليا، ما يجعل هذه العناصر تترسب فى التربة وتصل إلى النباتات ومن ثم الحيوانات والانسان.
ويضيف: وتسبب العديد من الأمراض كالبلهارسيا والأنكلستوما والإسكارس والديدان الكبدية، بالإضافة إلى وجود البويضات التى تسبب الأمراض للماشية وتنتقل للإنسان مثل التينياسوليوم والتينياساجيناتا لوجود العديد من بويضات الطفيليات الناقلة لتلك الأمراض التى تضر بصحة المواطنين.
أما المهندس جمال عبدالقادر النمر، مدير الزراعة بالمنوفية السابق، فيؤكد أن تلوث مياه الترع بمخلفات الصرف الصحى ملف شائك ينتظر التدخل، مستنكرا قلة وعى المواطنين وعدم إدراكهم بالمخاطر التى تهدد حياتهم جراء إلقاء المخلفات فى المصارف، التى قد تحول حياتهم وحياة أبنائهم إلى جحيم، مشيدا باهتمام الدولة فى الآونة الأخيرة بتنفيذ مشروعات الصرف الصحى، التى ستحد بنسبة كبيرة من التلوث بالصرف الصحي.
من جانبه قال المهندس ماهر فوزي، وكيل وزارة الرى بالمنوفية: إن هناك تلوثا صناعيا نتيجة إلقاء المصانع مخلفاتها فى الترع والمصارف، منوها إلى أن أبسط مثال: ترعة الخضراوية التابعة لمركز قويسنا، حيث إنها توجد بجوار المنطقة الصناعية ما جعلها عرضة وبشكل مستمر لإلقاء المصانع مخلفاتها بها، علاوة على أن هناك مصانع لا تلتزم بالمعالجة الثلاثية حتى نتجنب تلوث المياه.
وتابع: أيضا هناك تلوث بيئى ينتج من إلقاء المواطنين مخلفاتهم الشخصية من قمامة وحيوانات نافقة، وتم التشديد أكثر من مرة، لكن عدم الوعى والتثقيف منعدم لديهم، منوها إلى أن برنامج التطهير الذى تقوم به مديرية الرى بالمحافظة بشكل دورى يكلف الدولة ملايين الجنيهات، علاوة على أن هناك إجراءات جزائية عن طريق تحرير محاضر للمخالفين، يتم تحويلها إلى الرقابة الجنائية التابعة لمديرية الأمن طبقا للقانون 48 لسنة 1982، أو إصدار قرارات إزالة للمصانع أو المنازل المخالفة.
وشدد وكيل الرى على ضرورة تفعيل دور الوحدات المحلية فى توفير صناديق القمامة لتجنب إلقاء المخلفات البيئية بالترع والمصارف، مطالبا الإعلام بتوعية المواطنين بضرورة الحفاظ على البيئة وعدم إلقاء المخلفات فى الترع والمصارف حفاظا على أرواحهم وأرواح أبنائهم من الإصابة بالأمراض.