الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نزيف الدماء والأموال

نزيف الدماء والأموال
نزيف الدماء والأموال




يكتب: أحمد عبده طرابيك

تعتبر حوادث السير من أكثر المشكلات خطورة، نظراً لما تخلفه من آثار كارثية كبيرة على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، حيث تظل آثارها السلبية مخيمة على الأسرة والمجتمع من جراء حالات الوفاة والإصابات التى تنتج عن تلك الحوادث، خاصة إذا ما كانت الإصابات خطيرة وتسبب إعاقات دائمة تلازم الإنسان بقية أيام عمره، يضاف إلى هذه الخسائر البشرية، تلك الخسائر فى الأموال سواء ما تتعرض له المركبات من تلف أو ما تتكبده شركات التأمين من خسائر نتيجة التعويضات التى تدفعها. 
تتراوح المعدلات العالمية بالنسبة لقتلى حوادث الطرق ما بين 10 و12 شخصاً لكل 10 آلاف مركبة، فى حين يصل هذا المعدل فى مصر إلى 25 شخص، أو ما بين 4 إلى 20 شخصاُ لكل 100 كيلو متر من الطرق، بينما يصل فى مصر إلى 131 قتيلا، ومن ناحية خطورة الحوادث، فإن مصر تفقد  22 مصاباً من بين كل 100 مصاب فى حوادث السير، بينما يصل المعدل العالمى إلى 3 قتلى لكل 100 مصاب، وهذه النسب ومقارنتها بالمعدلات العالمية، تعكس مدى خطورة وتكلفة حوادث الطرق البشرية والاقتصادية فى مصر سواء من حيث الكم «عدد الحوادث»، أو الكيف «خطورة الحوادث».  
تأتى مصر فى المرتبة الأولى فى منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لحوادث السير، حسب بيانات منظمة الصحة العالمية، متصدرة قائمة الدول الأسوأ عالمياً فى هذا المجال، وبحسب إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت حوادث الطرق 15 ألفًا، و578 حادثة، نتج عنها 6716 قتيلا ، و22411 مصاباً عام 2013، كان 50% من القتلى من الشباب، وكان العامل البشرى هو أهم أسباب حوادث الطرق، يليه الحالة الفنية للسيارة.      
تقدر خسائر الاقتصاد المصرى الناتجة عن حوادث السير بنحو 17 مليار جنيه سنوياً، حسب النشرة السنوية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ووفقا لبيانات البنك المركزى المصرى، فإن شركات التأمين، قامت بسداد مبالغ تجاوزت 5.5 مليار جنيه خلال السنوات الثلاث الماضية كتعويضات عن حوادث السيارات فى مصر، بينما تتوزع الخسائر الأخرى ما بين تلف فى الطرق والسيارات وأعمدة الإنارة والمنشآت والأشجار وعلاج المصابين، وخسائر العمل الناتجة عن عجز المصابين الكلى أو الجزئى فى تلك الحوادث، ومعاشات التقاعد المبكر للمصابين بالعجز الكلى وغيرها من الخسائر غير المباشرة.      
ترجع حوادث الطرق فى مصر إلى العديد من العوامل، يأتى فى مقدمتها الأخطاء البشرية، وعدم الالتزام بقواعد المرور، والخلل الموجود فى المركبات نفسها، خاصة مع زيادة عدد السيارات التى انتهى عمرها الافتراضى ومازالت تعمل على الطرق المصرية، حيث لم يتم سن قانون يحدد عمراً افتراضياً للسيارات، كسائر الدول المتقدمة فى هذا المجال، بالإضافة إلى حالة الطرق والتى لا يخضع معظمها لعمليات الصيانة الدورية، أو التى لا تتطابق مع المعايير الدولية للطرق.    
يرى الخبراء فى مجال سلامة الطرق أن معظم حوادث السير تتسبب فيها الشاحنات، ولذلك فهم يرون أنه لابد من خضوع سائقى تلك الشاحنات لاختبارات نفسية وفنية من خبراء متخصصين للتأكد من صلاحية السائق على المستوى النفسى، ومدى التزامه بالتعليمات والقواعد المرورية التى تحقق الأمن والسلامة، بالإضافة إلى تركيب جهاز فى كل شاحنة، يشبه الصندوق الأسود فى الطائرات، يرصد بكل دقة السرعة المحددة ومراقبة الأداء وما إذا كان يلتزم بالحارة المخصصة، إلى جانب تركيب كاميرات مراقبة على الطرق السريعة، وفى المناطق السوداء  المنحنيات والأماكن التى تتكرر وتكثر بها الحوادث.  
وإذا كان من المستحيل القضاء على حوادث السير، فإنه يجب العمل على تقليلها إلى أدنى حد ممكن، الأمر الذى يلزم بعدم تجاهل العوامل الأخرى التى من شأنها المساهمة فى تقليل تلك الحوادث، وفى مقدمتها تحسين جودة الطرق وإنارتها خاصة الطرق السريعة، ومعالجة الفواصل فى الجسور بشكل جيد، والارتقاء بمستوى الإسعاف الطبى وخدمات الأمن والسلامة على الطرق، وزيادة عدد الإشارات المرورية، وزيادة الرقابة المرورية على الطرق، وتطبيق قوانين المرور بكل صرامة، التى تحتاج إلى ثورة حقيقية للقضاء على ظاهرة الاستثناءات، حتى تتحقق السلامة والأمان لجميع المسافرين على الطرق، والحد من نزيف الدماء التى تسيل، والأموال التى تهدر.