الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مفكر لبنانى: حسن البنا «المؤسس الأول» للتكفير المعاصر

مفكر لبنانى: حسن البنا «المؤسس الأول» للتكفير المعاصر
مفكر لبنانى: حسن البنا «المؤسس الأول» للتكفير المعاصر




تحقيق-محمد شعبان

ثمة مفارقة لافتة –لا تخطئها العين- تبرز بقوة فى فضاء فكرنا العربى والإسلامى المعاصر مفادها: غياب مشروع فكرى متكامل يستلهم التراث السنى لمواجهة ومجابهة تيارات الإسلام السياسى لكشف زيفها وكذبها وإدعائها إنها تمثل صحيح الإسلام. المفارقة هنا تأتى من جانبين.. أولهما: ان أى مطلع على تراث أهل السنة والجماعة يعلم تمام العلم أن تعبير «مبتدعة» – أهل البدع-هو الوصف والتوصيف «السنى» الدقيق لحسن البنا والمودودى وسيد قطب ومن سار سيرهم ونهج نهجهم من دعاة الإسلام السياسي
ثانيا: هذه التيارات باعت وهمًا للجماهير خلاصته أنها امتداد لحضارة الإسلام الوسطية فى عصورها الزاهرة فى حين إن هذه الحركات هى امتداد لتيارات التكفير وسفك الدماء ابتداء بالخوارج ومرورًا بالروافض والباطنية.
ومن ثم فوجود مشرع فكرى يحيى التراث السنى كفيل بالقضاء على هذه البدعة «العصرية» –بدعة الإسلام السياسى- فضلًا عن ضرورته المنهجية والدينية.


من هنا تبرز القيمة المعرفية والمنهجية لمشروع المفكر اللبنانى رضوان السيد والذى يعكف عليه منذ سبعينيات القرن الماضى ابداعًا ومراجعة وتأليفًا وتحقيقًا محاولًا استعادة «سكينة الإسلام» فى مواجهة عنف وتطرف «التيار الإحيائى»- وهذا هو الاسم الذى يستخدمه لوصف تيار الإسلام السياسى- معتمدًا على التراث الفقهى والكلامى السنيين فضلا عن تتبع مسيرة السلطة فى الإسلام منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى العصور الحديثة.
لعل نشأة وتكوين ومسار هذا المفكر الإسلامى الجسور هى السبب فى تميز مشروعه الفكرى الذى يعد «المناقض» و«النقيض» للاسلام السياسى فالرجل درس وتعلم فى معقل الإسلام السنى «الأزهر» بل هو خريج قسم عقيدة وفلسفة بكلية اصول الدين ذلك الحصن الاشعرى الحصين-حصل على العالمية عام 1970م- ثم بعد ذلك اكمل دراسته فى المانيا كلية «توبنغن» حيث حصل على دكتوراة الفلسفة عام 1977م  ومن ثم فنحن أمام مشروع يجمع صاحبه  بين الثقافة التراثية السنية العميقة وأحدث المناهج المعرفية والعلمية.
نقطة اخرى ينبغى ملاحظتها –لدلالتها ومغزاها-عند الحديث عن مشروع رضوان السيد الفكرى وهى أننا بصدد «رؤية أشعرية معاصرة» أو «إحياء للفكرة الاشعرية» فى ثوب عصرى فاذا كان مشروع الإمام أبى الحسن الاشعرى- عاش فى القرن الثالث الهجرى- بزغ كرد فعل ليواجه تنامى تيارات التكفير وتسييس الإسلام أمثال الخوارج والروافض والمعتزلة فان مشروع مفكرنا الأزهرى هو استعادة وبعث لتلك اللحظة الاشعرية لمواجهة تيارات التكفير وتسييس الإسلام المعاصرة ممثلة فى «حركات الإسلام السياسى»
الإمامة والأمة
قبل الخوض فى تفاصيل هذا المشروع يمكن اجماله فى النقاط التالية:
أولًا: ترى حركات الإسلام السياسى ان صحيح الإسلام يقوم وفق الترتيب الهرمى التالى: السلطة أو السياسة ثم الأمة فلا إسلام بدون سلطة وسياسة فى حين يرى «المفكر الأزهرى» مثل بقية فقهاء وعلماء أهل السنة أن الإسلام يقوم بالأساس على الأمة وسواد الناس فالأمة هى حاضنة الإسلام وراعيته ومهمة السلطة أو الدولة ادارة الشأن العام وان تراعى ما استقرت عليه الأمة من عقائد
ثانيًا: وفق تصور دعاة الإسلام السياسى الإمامة أو السياسة أو الحكومة ركن من اركان الإسلام كما قال حسن البنا : إن الإسلام الذى يؤمن به «الإخوان المسلمون» يجعل الحكومة ركنًا من أركانه»....فى حين يتفق جميع أهل السنة على ان الإمامة أو السياسة ليست ركنا من أركان الإسلام ولا أصلًا من أصوله بل من الشئون المصلحية والتدبيرية القائمة على الخطأ والصواب وليست الايمان والكفر.
ويجب الانتباه إلى ان الجملة السابقة التى قالها البنا تجعله وفق المنظر السنى مبتدع ومخالف لنهج أهل السنة وعلى منهج الروافض أو الخوارج.
ثالثا: تعادى تيارات الإسلام السياسى منذ ظهورها «المؤسسات الدينية التقليدية» فى محاولة لاسقاط شرعيتها حتى يخلو الجو لدعاتها فى حين يركز رضوان السيد على ضرورة استعادة المؤسسة الدينية التقليدية دورها لمواجهة الإسلام السياسى وبنص كلامه: لابد من التصدى لعملیات تحویل المفاهیم مثل الشریعة والجهاد والجماعة والدولة، فمهمة الدولة إدارة الشأن العام، هذه المهمة التصحیحیة والتحریریة واجب المؤسسات الدینیة، التى ینبغى أن تنهض من طریق النقد الذاتي، ومراجعة تجربتها الحدیثة، والاتجاه لفتوى أخرى، وتعلیم دینى آخَر واحياء ثوابت الدين فى حرمة الدم والسكن والكرامة، وفى استعادة أخلاق التماسك والوداعة والثقة بین الناس، والتربية المختلفة».
أزمنة التغيير
فى كتابه «ازمنة التغيير...الدين والدولة والإسلام السياسى» الصادر عن مكتبة الأسرة يقدم رضوان السيد رؤية مكثفة  لمشروعه الفكرى الممتد من سبعينيات فى نقض الإسلام السياسى.
تقوم الفكرة المحورية للكتاب على التمييز بين ثلاث فئات الأولى: المؤسسة الدينية التقليدية والتى يمثلها على سبيل المثال الأزهر فى مصر...الثانية: التيار النهضوى ويمثله رفاعة الطهطاوى وخير الدين التونسى وجمال الدينى الأفغانى ومحمد عبده وآخرون....الثالثة: التيار الاحيائى ويقصد به تيارات الإسلام السياسى.
فاذا كان هم المؤسسات التقليدية تثبيت الأوضاع القائمة ونشر المذاهب الفقهية التقليدية «الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية» مع قيم صوفية ومفاهيم الإسلام الشعبى فإن هدف التيار النهضوى كان مكافحة التقليد وفتح باب الاجتهاد الفقهى مرتكزين على نظرية مقاصد الشريعة التى صاغها الإمام الشاطبى فى كتابه «الموافقات» ويلخص المؤلف ملامح التيار النهضوى فى النقاط التالية:
أولا: علاقة أوروبا بالمسلمين قائمة على الغلبة وعلة الغلبة التقدم.
ثانيًا: السبيل لتعديل الموازين فى الصراع مع أوروبا هو التعلم منهم ومنافستهم.
ثالثًا: لا تناقض بين الإسلام والتقدم بل إن ذلك هو مقتضى الإسلام والمقصد العام لشريعته.
رابعًا: الفقيه المسلم والمفكر مسئولان للوصول إلى التقدم ومكافحة التقليد والجمود.
يرى المؤلف أن هذا التصور النهضوى امتد من القرن الـ19 وحتى العقدين الثانى والثالث فى القرن العشرين حيث بزغ «التيار الاحيائى»-الإسلام السياسى- وذلك بتمهيد من رشيد رضا.
الإسلام السياسى
يعلل الكتاب ظهور أو بزوغ فكر الإسلام السياسى فى هذه الفترة بعدة اسباب ابرزها سقوط الدولة العثمانية وظهور الدولة الوطنية فى تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك بمنظور معادى للإسلام فضلًا عن بروز كتابات ورؤى ثقافية معادية للإسلام كدين وأبرز تنظيمات الإسلام السياسى التى يرصدها المؤلف فى هذا السياق هى: الشبان المسلمون 1927 م والإخوان المسلمون «1928م» وأنصار السنة 1923م والجمعية الشرعية 1912م وكل هذه الجمعيات فى مصر أما الشام فظهر اتحاد الشبيبة 1933م.
ويلخص الكتاب ملامح فكر تيارات الإسلام السياسى كما يلى:
أولًا: ترى هذه التيارات أنه بمجرد سقوط الخلافة العثمانية انتهت دار الإسلام ولابد من السعى إلى إقامة الدولة الإسلامية.
ثانيًا: رفض كافة القوانين القائمة فى البلدان لانها قوانين وضعية تخل بالحاكمية الإلهية.
ثالثًا: رفض للاقتصاد الحديث لأن الإسلام لديه نظام اقتصادى شامل ومتكامل لكل المسائل الاقتصادية.
رابعًا: الجهاد لم يعد مقصودا به العدو الخارجى فقط بل وجب جهاد الداخل الذى لم يعد اسلاميا اما بسبب نظام الحكم أو بسبب القوانين الوضعية السائدة المناقضة للشريعة.
خامسًا: رفض الفقه التقليدى ومحاولة هدم المؤسسات الدينية التقليدية على غرار حركة الإصلاح البروتساتنية التى هدمت الكنيسة الكاثوليكية.
سادسا: الشريعة وليست الأمة هى أساس المشروعية فى الدولة والمجتمع والدولة ضرورية لحفظ الدين ومهمتها الأساسية تطبيق الشريعة.
حسن البنا
تتبع المؤلف جماعة الإخوان - باعتبارها الممثل الابرز للفكرة الاحيائية- فكريا وسوسيولوجيا ليرسم تصورا عاما لها يمكن ابرازه فى النقاط التالية:
أولًا: لمواجهة الدولة الوطنية الحديثة اختار حسن البنا مصطلح «جماعة» ويوضح رضوان خطورة اختطاف هذا المصطلح من قبل الإخوان قائلًا: الجماعة مصطلح سنى عريق يعنى الإجماع ويعنى السلطة الدينية والسياسية الشائعة فى المجتمعات والتى تهبها اسلامها المكتمل ومشروعيتها الواثقة من شتى النواحى» ويضيف: «تسمية حسن البنا جمعيته أو تنظيمه جماعة يعنى أن الشرعية تركزت فيه.. وانتفت عن الدولة والمجتمع «»
خطورة هذا الكلام انه يعنى ان البنا هو أول من أصل ومهد لفكرة تكفير الدولة والمجتمع نتيجة قصره وحصره للشقين الدينى والسياسى فى التنظيم الذى اختار له مصطلح «الجماعة».
لذا كان طبيعيا أن يرى المؤلف أن استخدام تعبير «الجاهلية» و«المجتمع الجاهلى» لدى المودودى وسيد قطب هو استكمال أمين لفكرة البنا بنزع الدين عن المجتمع والسلطة.
ثانيًا: اقتضى منطق تركيز الدين داخل «تنظيم الإخوان» اعتماد البنا على عناصر شابة فى سن الفتوة لتتمكن من الدفاع ونشر فكرة عقائدية دينية هى الإسلام الضائع بين شراسة أعدائه وتخاذل أو غفلة أبناءه.
ثالثا: علل الكتاب بروز فكرة تكفير المجتمع ووصمه بالجأهلية-بوضوح تام- لدى «الإخوان» وانشقاق تيارات جهادية تحارب الدولة والمجتمع فى حقبة الخمسينيات والستينيات تحديدا 1954م –علل ذلك- نتيجة قوة دولة الضباط الأحرار وسيطرتها على المشهد بصورة كاملة مما جعل التوسل والاعتماد على النمط التبشيرى كما كان يفعل البنا أمرًا غير عملى وليس هناك مفر من الصدام مع الدولة وإعلان جأهلية المجتمع لتحقيق فكرة الجماعة باستخدام العنف للوصول إلى السلطة.
رابعا: فى مقدمة هذه الدراسة اشرنا إلى ان حسن البنا بـ«تسيس الإسلام» يعد امتدادا فكريا لتيارات الخوارج والروافض خارجا ومخالفا بذلك المدرسة السنية لذلك يتوقف «المفكر الأشعرى» عند هذه النقطة شارحا وموضحًا التوازى والتداخل بين موقف البنا وولاية الفقيه لدى الشيعة.
يرى الفكر الشيعى الإمامى أن الإمامة منحصرة فى الإمام على كرم الله وجهه والإمام الحسين وأبنائه وأى سلطة لم يتولها أى احد غير هؤلاء فلست شرعية وهنا يتلاقى المشروعان الإخوانى والشيعى حيث يرى الطرفان أن السلطات القائمة فى العالم الإسلامى غير «مسلمة» الاختلاف جاء من تصور الحل حيث رأى البنا «ولاية المرشد هى الحل» لأزمة الشرعية وغياب الإسلامية وذلك بوصول «التنظيم» للسلطة فى حين رأى الشيعة «ولاية الفقيه هى الحل» من خلال وصول نائب الإمام الغائب إلى السلطة كما حدث فى إيران عام 1979م.
وينقل المؤلف ما قاله الخمينى لأحد أعضاء التنظيم الدولى للاخوان بباريس عام  1979م حيث أعلنها صريحة: مشروع الدولة الإسلامية مشروعنا فى الأصل وقد انصرف تلامذتى فى الستينيات لترجمة كتب سيد قطب وما سميت نفسى مرشدا الا تبركا بالشيخ حسن البنا» هكذا قال الخمينى.
الفارق الشكلى الذى يبرزه المؤلف بين الإخوان والشيعة هو إحدى الفكرتين ثيوقراطية- دينية- والأخرى نوموقراطية-قانونية-: دولة الولى الفقيه ثيوقراطية لأنها قائمة على شخص الولى الفقيه باعتباره نائبا عن الإمام الغائب.. أما دولة الإخوان نوموقراطية لانها قائمة على الشريعة أو القانون الالهى أو النوموس بالتعبير الإغريقى ولا فرق بينهما فى المال بسبب الإرادة المصممة على الاستيلاء على السلطة وإقامة دولة الدين».
العلاقة بين الدين والأمة والسلطة
يكمن تميز مشروع رضوان السيد فى تقديمه صورة عصرية متماسكة للعلاقة بين السلطة والأمة والإسلام معتمدًا على ما قدمه الفكر السنى وخصوصا الجناح الاشعرى ويمكن تلخيص هذه الرؤية فى النقاط التالية:
أولًا: لا تدخل للدولة فى الشأن الدينى ومهمة «الإمامة-الدولة» كما قال الإمام الماوردى «توفى 450هجرية»: سياسة الدنيا وإدارة الشأن العام وحراسة الدين بمعنى صون الحريات الدينية فى العقيدة والعبادة.
ثانيًا: أساس الشرعية هو الأمة التى يرشح أهل الحل والعقد فيها من يصلح أو من يصلحون لها.
ثالثًا: ليست هناك قدسية للإمامة والدولة وفق التصور السنى القديم مصلحية تدبيرية اجتهادية وليست من التعبديات أو الاعتقادات.
رابعًا: الأمة وليست السلطة هى حامية الدين وحاضنته.
خامسًا: وضع الدين بيد السلطة أو الدولة يجعل من الشريعة سلطة قامعة باسم الله فيسىء إلى الدين وقيمه الأخلاقية ويحول الدين إلى سوط بيد السلطة وتصبح الشريعة أيديولوجية سلطوية تعطى السلطان السياسى سلطات ومهام دينية ويصبح المعارض للنظام السياسى كافرا ومعاديا للشريعة.
سادسًا: تتبع مسار التاريخ الإسلامى يخبرنا بأن هناك تمييزًا شبه واضح بين الشأنين الدينى والسياسى وهذا التمييز لا يؤدى إلى الفصل بين الشأنين بل إلى تشابك سواء فى عمل المؤسسات أم فى صلاحياتها حيث تبلورت قسمة للعمل بين «أرباب السيوف»-السياسة- و«أرباب الأقلام» -أهل الشأن الدينى- ورغم هذه القسمة بقيت هناك مجالات مشتركة للتعاون بين الطرفين مثل أداء الزكاة وولاية الحسبة وولاية الاوقاف وقضاء البغاة.. الخ
الخلاص من الإسلام السياسى
كيف يمكن أن نتخلص من الإسلام السياسى فى بلداننا العربية؟ يقدم المؤلف «روشتة» عملية للقضاء على هذا «الورم الخبيث» فى عدة نقاط هى:
أولًا: نجاح الدولة الوطنية المدنية فى اقامة حكم صالح من خلال القيام بإصلاح سياسى شامل وإصلاح الشأن العام وخلق مناخ ديمقراطى تحتضن الدولة الجماهير وترعى صالحها خاصة الاقتصادية لأن تخلى الدولة عن هذا الدور جعل الجماهير فريسة لحركات الإسلام السياسى التى أوهمت البسطاء بأنها ستقيم لهم جنة الله فى أرضه.
ثانيا: بجانب الإصلاح السياسى لابد من إصلاح دينى يمكن تحقيقه من خلال صورتين.. الأولى: إصلاح نهضوى بدأ منذ أيام الطهطاوى وعلى مبارك ومحمد عبده ينطلق من تصور مفاده أن نصوص الإسلام وقيمه لا تتعارض مع قيم التقدم والحداثة الأوروبية وقيام دولة عصرية تعددية ديقراطية قائمة على المواطنة وهذا التصور تبناه شيخ الأزهر من خلال ما عرف بوثيقة الأزهر .....الثانية: إصلاح تنويرى يعتمد على قيام نخبة من المفكرين والعلماء الذين ينطلقون من الثقة بالدين وبوعى المجتمع وادراكه وهؤلاء يقولون ان العرب والمسلمين لا يشكون خوفا على الدين بل يعتبرون أن ما يراد إصلاحه إنما هو إدارة الشأن العام وما عدا ذلك فهو إدخال للدين فى بطن الدولة أو الزعم أن الدين غير مطبق الآن وإنما ينبغى الاستيلاء على الدولة وتطبيق الشريعة بواسطتها وكل ذلك فيه خطر على الدين أكثر من خطره على الدولة فالدين فى حضن المجتمع وأساس منظومة قيم التماسك وأخلاقياته.
ملاحظات نقدية
رغم عمق وتماسك الفكرة التى قدمها المؤلف إلا أنه يمكن تسجيل عدة ملاحظات وردت فى الكتاب وتحتاج إلى مراجعة وهى:
أولا:يقول المؤلف : لا نمتلك وثيقة توضح موقف المؤسسة التقليدية خاصة الأزهر من الدساتير والقوانين القائمة فى البلدان العربية والإسلامية والحقيقة فيما يخص مصر هناك نص كتبه الشيخ الأزهرى مخلوف المنياوى بعنوان «المقارنات التشريعية» فى ثلاثينيات القرن الماضى أكد فيه مطابقة الدستور المصرى للشريعة الإسلامية وليس كما تزعم تيارات الإسلام السياسى أن هذا الدستور غير إسلامى.
ثانيا: نسب المؤلف للإمام الشافعى قوله إن المسلمين أجمعوا على وحدة دار الإسلام وأن الإمام يجب ان يكون واحدا ومن ثم تصبح الدعوة إلى عودة الخلافة واجبة كما يرى تيار الإسلام السياسى و هذا كلام غير دقيق فالشافعى لم يتحدث عن دار واحدة للإسلام بل قال إن المسلمين أجمعوا على إمام واحد وكان يشير بذلك إلى تجربة الخلافة الراشدة التى شملت ابابكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن ابى طالب أما بعد ذلك فأجازوا تعدد ديار الإسلام بدليل ان الشافعى ذاته عاش فى فترة وجد فيها دار عن للإسلام هما الخلافة العباسية فى بغداد والدولة الاموية فى الأندلس ولم يؤثر عنه إنه طالب بتوحيد دار الإسلام.
ثالثا: نسب المؤلف كذلك إلى مالك قوله بوحدة دار الإسلام وهذا غير صحيح لان مالك أدرك مثل الشافعى دولتين هما العباسية والاموية  بل إن مالك أثنى على عدل الامويين فى الاندلس مما دفع ولاة الامر هناك لجعل مذهب مالك هو المذهب الفقهى الرسمى كذلك تحالف مالك مع العباسيين وهادنهم لدرجة ان الإمام احمد بن حنبل كان ينتقد مهادنة مالك وكان يفضل محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن ابى ذئب على مالك لأنه كان معارضا للعباسيين مما يعنى ان مالك عمليا اجاز تعدد ديار الإسلام وتحالف معهم ولم يدع إلى خلافة واحدة.
رابعا: قول المؤلف ان الشيعة اخذوا فكرة حسن البنا فى الإمامة غير دقيق لان البنا هو اول من نقل فكرة الإمامة من التراث الشيعى  والدليل على هذا الكلام ما نقله ابراهيم البيومى غانم فى كتابه «الفكر السياسى للإمام حسن البنا» حيث كشف أنه دخل المكتبة الخاصة للبنا ووجد أن الرجل نقل فكرة تأسيس الهيكل التنظيمى للجماعة من الميلشيات الشيعية التى شاعت فى أواخر الدولة العباسية واشار غانم إلى النصوص التى وضع البنا تحتها خطًا من كتب التراث والتى تكشف كيفية تكوين تنظيم سرى كما فعل الشيعة الاوائل.