الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سعاد العنزى: الرواية العربية بحاجة إلى اشتغالات معرفية وإنسانية للوصول للعالمية

سعاد العنزى: الرواية العربية بحاجة إلى اشتغالات معرفية وإنسانية للوصول للعالمية
سعاد العنزى: الرواية العربية بحاجة إلى اشتغالات معرفية وإنسانية للوصول للعالمية




حوار- خالد بيومي


تسعى الدكتورة سعاد العنزى أستاذ النقد الأدبى الحديث بجامعة الكويت فى كتاباتها وأطروحاتها النقدية إلى إنتاج وعى بالنص انطلاقاً من بنيته الداخلية التى تعيش التجول باستمرار، حتى يتم تحرير الشكل المألوف للنص ودفعه للانفتاح على أشكال متعددة ومختلفة، وهى تفكر فيما قاله النص وما لم يقله، صدر لها : العنف السياسى فى الرواية الجزائرية المعاصرة، ورواية المرأة الكويتية فى الألفية الثالثة.
هنا حوار معها.
º كيف تقدمين نفسك للقارئ العربى؟
- إذا افترضنا إن ما يجمع بينى وبين القارئ العربى المفترض هو المجال المعرفى بشكل عام والأدبى بشكل خاص، فأستطيع القول أنى ناقدة دخلت مجال الكتابة النقدية الصحفية بالصدفة المحضة التى خطط لها القدر وحده، بعد دراستى للماجستير فى جامعة الكويت، مما يعنى دخولى المجال بزوادة نقدية تأهلنى لطرح الأسئلة النقدية وقتما توافرت الظروف الثقافية والإنسانية لطرحها. وقد حصلت على درجة الدكتوراه فى المملكة المتحدة فى تخصص النقد الأدبى. أما على الصعيد الشخصى، فهويتى الشخصية مرتبطة جدا بهمومى وانشغالاتى الفكرية والمعرفية بشكل كبير، ولكن بتصورات أكثر مرونة للحياة الإنسانية، وأقل تعقيدا بكثير مما يحاول الإنسان العربى عرضه للآخرين كملامح خاصة لهويته الإنسانية.
º حدثينا عن ملامح منهجك النقدي؟
- لا أستطيع أن أجزم أننى أستخدم منهجًا نقديًا واحدًا لأننى بالنهاية محكومة بما تدلنى به النصوص التى اقرأها، فمن خلال تجربتى الشخصية مع النصوص أنا أحاول عبر الملاحظة الدقيقة تفحص الصورة العامة للنص وبأى المناهج النقدية والمعطيات النظرية المعرفية أستطيع قراءته، واتجه لها مع الإشارة لبعض المناهج الأخرى لأن النص الأدبى تتقاطع فيه العديد من الرؤى الإنسانية، والتقنيات التى تدعونا لقراءته بأكثر من منهج. لكن أستطيع أن أكون أكثر مباشرة، وأقول لك بدأت بمرحلة الدراسات العليا، ومقالاتى النقدية بعدها بنيوية، أركز على علاقة الدال بالمدلول فى قراءة داخلية للنص، وبعد رحلتى المعرفية فى فترة دراستى للماجستير والدكتوراه فى المملكة المتحدة بدأت أبحث فى المدلولات، من دون إقصاء لما يقول الدال، الثقافية والمعرفية من منظور ما بعد حداثى وما بعد استعمارى والنقد الثقافى إضافة إلى النزعة الإنسانية التى توجه ذاتى نحو قضايا المجتمع ونصوص الأدب والحياة حيث أراه ضرورة ملحة ومنطقة غير مفكر فيها بشكل واسع، ومعمق فى الوطن العربي.
º «رواية المرأة الكويتية فى الألفية الثالثة» أحدث كتبك.. ما الآليات التى استخدمتها الكاتبة الكويتية؟ وما طبيعة القضايا التى تطرحها؟
- كتابى هذا بالأصل كان ورقة مقدمة لمؤتمر أدب المرأة العربية فى الألفية الثالثة، ولأننى أكتب بنفس طويل فتجاوز عدد الصفحات الحد المطلوب بكثير مما دعا لنشره فى كتيب صغير. فى منهجه أخلص فيه لمنهجى فى فترة دراستى فى الكويت، مساءلات لتقنيات فنية محددة: العنونة، والصوت السردى والتناص، وفى مجال المضمون أقرأ النصوص قراءات موضوعاتية، أى ما تطرحه النصوص السردية الكويتية من ثيمات وإشكاليات ثقافية هامة حاولت مساءلة صورة المرأة لذاتها قدر ما تتيحه هذه النصوص من تصوير للمرأة لأنى فى مواطن كثيرة وجدتها تقارب الكون من منظور اجتماعى عام غير مصبوغ بهويتها الثقافية بمجتمعات ذكورية، لأسباب عدة يضيق المجال عن ذكرها، أهمها: افتقادها للجرأة فى مواجهة المجتمع الذكوري، أو عدم وعيها الحاد لإشكاليات المرأة، وبالتالى عدم التزامها بها.
º برأيك.. هل الرواية العربية عاجزة عن طرق أبواب العالمية؟
- العالمية لا تتحقق من فراغ، وهذا الموضوع يجعلنى أفكر برؤيتين داخلية وخارجية، الخارجية هى موضوع علاقات العرب بالعالم الخارجى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل الأمة العربية استطاعت أن تتغلغل للعالم الخارجى وتقوى وشائج المحبة بينها وبين شعوب العالم، لا اعتقد بذلك ليس لسوء العرب، ولكن لضعف علاقاتنا الثقافية بالعالم ولعدم إيصال صورة جيدة للعرب عند الإنسان العادى البرىء من وسن التصورات الأيديولوجية الآثمة للشرق، بالإضافة إلى الهيمنة السياسية الغربية على العالم، التى تقصى الشرق الإنسانى والحضارى من اللاوعى العالمى وتبرز فكرة العربى الإرهابى على الوعى الثقافى العام، وتؤسس لهذه النظرة بشكل منظم ومؤدلج. أما من ناحية داخلية، فالرواية العربية بحاجة إلى اشتغالات معرفية وإنسانية وأخلاقية جادة كالصدق والالتزام الأخلاقى وأن تنطق بلسان حال شعوبها. فعلى مستوى الحديث عن المسكوت عنه تم استهلاك مناطق المسكوت عنه التقليدية ولم تلتفت إلى مجالات أخرى مغايرة للمسكوت عنه والمقصى والمغيب أو تحفر بعمق فى واقع المجتمعات العربية والموضوعات المطروحة. أما على مستوى الشكل والمضمون، فمن النادر جدا أن نجد رواية عربية متميزة فى مضمونها وفى شكلها، فما يحدث هو إجادة أحد طرفى المعادلة الإبداعية. باختصار، وأتمنى أن تكون نظرتى هذه مجانبة للصواب، أن ما وصل للغات الأخرى يكتسب مفهوم الأدب المترجم ولا يرقى لكى يكون عالميا لأنه يقرأ فى أقسام الدراسات الشرق أوسطية، بين أكاديميين عرب ومستشرقين وطلبة فى غالبيتهم عرب، ومستشرقين يتساءلون عن الشرق السياسى والدينى والاجتماعى فى نصوص أكاديمية معزولة عن شرائح القراء المتعددة.
º ما سؤال النقد اليوم؟
- من الصعب جدا أن أنطق بلسان حال النقاد العرب اليوم على تعدد توجهاتهم النقدية وأفترض أنهم يفكرون بسؤال نقدى محدد، ولكنى استشعر بما ينتشر بالإعلام الرسمى والشعبى وهو ضيق النقاد من ضمور واضح فى الإبداع العربي، ونكوص فى أقاليم مشهود لها إبداعيا، أو بدايات مشوهة فى دول طارئة على خارطة الثقافة العربية. ولكن دعنى أتحدث عن سؤال النقد من وجهة نظرى الشخصية وبعد ممارسة من الكتابة والاشتغال المعرفى تقارب عقد من الزمان، هو ضرورة قراءة النص من الداخل والخارج، وبتفكير فيما يقوله النص وما لم يقله، والحمولات الأيديولوجية المودعة بسلام وطمأنينة تامة فى النصوص، بجرأة وشجاعة والابتعاد عن المصالح الضيقة التى ترمى بظلالها على الممارسات النقدية فتشوه حقيقة النصوص. كما علينا أن نقرأ النصوص بأفق ونظرات نقدية متعددة، بمناهج ما بعد حداثية متقدمة وبجرعات مكثفة من الشك باليقين والمطلق والسائد والمهيمن. قراءة بمنظور الفلسفة ومناهج علم النفس وعلم الاجتماع وغيرها لقدرتها الرصينة على التحليل المنطقى للعالم من حولنا بدلا من التفسيرات الانطباعية الأولية والذى يعتبر النص صورة تعبيرية وتمثيلية له. وأخيرا التفكير بتجديد قراءتنا لآليات اللغة الأدبية المختلفة بدلا من شعرية أدبية للشعرية المحضة تقرأ كل مرة بأسلوب متماثل تكون شعرية تعبيرية وبلاغية خاصة بحالة إنسانية متفردة.
º أصدرت كتاباً عن العنف .. كيف يستطيع الأدب مواجهة العنف؟
- عبر دعم المؤسسات الإعلامية والتربوية والاجتماعية له وتفعيل دور الأدب بالمجتمع كى يصبح الأدب طريق وعى المجتمعات، وبابا لبناء الإدراك المجتمعى، بدلا من الرموز الإعلامية ذات الوعى المسطح غير المجدية إلا بنشر تفاصيل التفاهة فى المجتمعات العربية الغارقة فى وحل الجهل والتجهيل المتعمد.
º ما تفسيرك لقلة عدد الناقدات مقارنة بالنقاد الرجال؟
- علينا أولا أن نحدد هل نحن فى سياق الحديث عن وجود الناقدات بالأساس، أم عن قضية الانتشار الإعلامى للناقدات بالتلفزة والصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي. إذا كنا نتحدث عن النوع الأول فأنا لا أعتقد بقلتهن بل هن متواجدات فى الدرس الأكاديمى والجامعات، ففى الكويت كما فى بقية الوطن العربى عدد كبير من الأسماء لناقدات لهن نشاطهن الأكاديمى فى دوائر العالم الأكاديمي. أما إذا كنت تسأل عن الانتشار الإعلامى لهن فهذا مرتبط بقضايا تخص وضعية المرأة فى الوطن العربى من مثل تقديرها الشخصى للوضع الثقافى العام للثقافة الذكورية مما يجعلها تحاول الاكتفاء بعملها فى حدود الدائرة الثقافية. أما السبب الآخر هو خاص بالهيمنة الذكورية على وسائل الإعلام، وعدم قدرة المرأة على إيصال صوتها وفكرها بسبب هيمنة بعض الممارسات المسكوت عنها من قبل الناشرين فى الصحف أو حتى دور النشر إذ يتم تغييب حضورها لصالح حضور الرجل إلا إذا كانت مرضى عنها أو قادرة على المجاملة بدون حدود، بالطبع مع وجود بعض الاستثناءات من الممارسات النزيهة لبعض المؤسسات الثقافية التى لا أستطيع إنكارها.
º ما تفسيرك لتنامى ظاهرة العنوسة بالكويت؟
- لو نظرنا لنسبة عدد الذكور بالنسبة للإناث، سنجد أن الاختلاف طفيف جدا، مما يعنى أن السبب لا يخص انقراض وندرة النوع الذكوري، بل يكمن فى الممارسات الثقافية فى المجتمع الكويتى. من مثل: تقاليد المجتمع الرافضة لعلاقة التصاهر والتناسب مع أى عائلة كويتية أخرى، إلا إذا كانت من نفس العائلة أو من ذات المستوى الاجتماعى والطبقة الاجتماعية، فنحن لدينا فى الكويت بعض الأنساب المحظور اجتماعيا وعرفيا الزواج منها، مما يحيل حقيقة إلى نظرة للهوية الثابتة والجامدة وإلى إشكالية قبول وتعايش مع الآخرين المختلفين مرتبطة بنظرات تقليدية متوارثة محافظة على تماسكها فى التمثيل،،متهالكة ومفككة عند نقدها وخلخلتها.