الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. عودة الذاكرة

واحة الإبداع.. عودة الذاكرة
واحة الإبداع.. عودة الذاكرة




كتبها - سيد طه يوسف - بورسعيد


يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

أمامه درجتان من سُلم السنين ويطأ أعتاب المائة، ماتت زوجته منذ ردحٍ من الزمن، لديه من البنين ثلاثة؛ أكبرهم ولج العقد السابع منذ خمسة أعوام، أوسطهم أربعينى العمر، أما الأصغر - خالد - عشرينى العمر فقد مات منذ سنتين بإحدى دول الخليج إثْرَ حادث سير، يقطن  مع ولديه فى بيت العائلة، نخر الخرف ذاكرته حتى اللُب، العجيب فى الأمر أنه يتذكر أحداث طفولته جيدا؛ أما أحداث العقد الأخير كأنه لم يمر بها؛ إلا أنه على فترات تومض ذاكرته بأحداث منها، والأعجب أن رجليه وفمه لم يتأثرا بشيخوخته بتاتا، يقضى نهاره فى المندرة وليله فى صحن الدار الفسيح، ولأنه أكثر من مرة أعادوه من على حدود القرية فقد أمر ابنه الأكبر جميع من بالدار بملاحظته جيدا ومَنْعِه من مغادرة الدار، وفى ذات ضُحى ماتت زوجة أحد الجيران؛ فتجمعت الرهط انتظارا لتشييع الجنازة، ظل يخرج من الدار ويلج إليها مرارا وتكرارا يتوكأ على عصاه؛ ناظرا فى وجوه المتكئين بظهورهم على الجدران.. سأل أحدهم قائلاً: لماذا هذه الجِلسة؟ قيل له: ننتظر الجنازة، قال:جنازة مَنْ؟، قيل: جنازة الحاجة «فاطمة»، قال: «فاطمة» مَنْ؟، قيل:زوجة الحاج «حسن»، قال: «حسن» مَنْ؟، فى هذه الأثناء ظهر ابنه الأكبر- لجذب انتباهه عن الجالسين -  فهمس فى أذنه قائلاً: إنهم ينتظرون «خالد»، فراح يرحب بالجالسين قائلاً: مرحبا بأصحاب «خالد»؛ أعلم جيدا أنكم تشتاقونه أكثر مني، ظل يحدو فى الشارع وراء ظله يرفع يده مرحبا بالرهط، ولج داره فخرج وإذا بالجنازة تفصل عن الشارع، فأشهر عصاه قائلاً: لماذا انصرفتم؟ «خالد» على وصول؛ تباً للعجلة، كلهم مستعجلون، وبينما يلج الدار ومضت ذاكرته فتوقف، سَمَدَ قليلا، فررن بضع دمعات من عينيه قائلاً: يبدو أنه لم ولن يعود «خالد».. ضحك بضع ضحكات هادئة ثم ولج الدار.