الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مخرجة «إيزيس وأزوريس»: من يبوح بسر العرائس المائية فى فيتنام يقتل ثلاثة من أبنائه!!

مخرجة «إيزيس وأزوريس»: من يبوح بسر العرائس المائية فى فيتنام يقتل ثلاثة من أبنائه!!
مخرجة «إيزيس وأزوريس»: من يبوح بسر العرائس المائية فى فيتنام يقتل ثلاثة من أبنائه!!




«ليس كل ما يتمناه المرء يدركه».. لكن بالإصرار والتحدى قد يدرك المرء أكثر مما يتمنى، فلم تستسلم المخرجة ومصممة العرائس المائية مى مهاب، لهذه المقولة الشائعة، بل انطلقت فى البحث والسعى بجد واجتهاد وراء حلمها الصغير الذى ولد منذ ثمانى سنوات إلى أن أصبح اليوم حقيقة واقعة، وبرغم صعوبة تحقيقه إلا أنها استطاعت، بدأب أن تتجاوز كل المعوقات الداخلية والخارجية حتى وصلت إلى حلمها، وهو تنفيذ وصناعة أول عرض للعرائس المائية بالشرق الأوسط، «إيزيس وأزوريس» والذى جاء افتتاحه مؤخرا بمركز شباب الجزيرة، لمدة ثلاثة أيام، وبالطبع شهدت التجربة الأولى بعض العيوب والأخطاء، خاصة فيما يتعلق بسوء التنظيم بالمكان الذى لم يكن مؤهلا لاستضافة العرض على الإطلاق، بجانب عيوب العمل نفسه مثل عدم وجود حوار يذكر واعتمادها على الموسيقى فقط، وبعض الكلمات المقتضبة التى نفذت بأداء صوتى بسيط، فلم تنشغل بشرح القصة المقدمة خصوصا والعرض كان يحضره عدد كبير من الأطفال من أعمار مختلفة، كان من المشاكل أيضا، والتى تعتبر عيبا جوهريا بالعرض، خروج محركى العرائس والكشف عن أنفسهم مبكرا للجمهور، فى منتصف العرض مما كسر حاجز الخيال والمعايشة، ففى عروض العرائس عادة ما تكون المهارة واللعب على فكرة وضع الجمهور فى حالة من التلاحم والخيال مع العروسة حتى يشعر وكأنها كائن حى يخاطبه، ويندمج معها ومع حركتها، وبما أن موهاب حرصت على تقديم تجربة جديدة ومختلفة فى فن العرائس، كان من الأولى الاحتفاظ بغموض أصحاب هذه التجربة والكشف عنهم فى نهاية العرض.
لكن فى المقابل هى تجربة جديدة ومهمة وتعتبر نقلة فى فن العرائس بمصر، وقد تضع صاحبتها فى المقدمة والمنافسة مع أصحاب هذا الفن بالخارج، ويشهد لها بالفضل الكبير فى السعى وإدخال هذا الفن النادر لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها خاصة وأن الفيتناميين كانوا لا يسمحون بتداوله مع أى دولة أجنبية أخرى، لكن مهاب كسرت كل الحواجز وتجاوزت الخطوط الفيتنامية الحمراء.. وهنا تروى قصتها عن رحلتها مع العرائس المائية بين مصر وفيتنام.
بداية الحلم
بدأ الحلم عام 2008، عندما سافر أعضاء مسرح العرائس لحضور مهرجان دولى بفيتنام، وبعد عودتهم فوجئت مهاب بوجود ما يسمى بفن العرائس المائية وتقول عن ولادة حلمها..» تخرجت فى كلية الفنون الجميلة 2007، وبدأت فى التمهيدى ماجيستير 2008، والتحقت للعمل بمسرح العرائس فى نفس التوقيت، لذلك كنت وقتها أتمنى أن يكون موضوع بحثى له علاقة بمسرح العرائس، بجانب أن مشروع تخرجى كان عرض «حمار شهاب الدين» وهو مسرح عرائس، وحصلت فيه على درجة الامتياز، وكنت ابحث عن موضوع مختلف لتقديمه فى رسالة الماجستير، لأن كل الموضوعات قتلت بحثا فى مجال العرائس، وكان التحدى فى فكرة البحث عن مجال جديد يصلح للتناول فى الرسالة، ولأن مسرح العرائس عادة يسافر كثيرا، كانت لديهم مشاركة فى مهرجان فيتنام الدولي، وحتى هذا التوقيت كنت لا أعلم شيئا عن مسرح العرائس المائية، وقبل السفر طلبت من أحد زملائى أن يأتى لى ببعض الكتيبات عن مسرح العرائس بفيتنام بشكل عام، وكانت المفاجأة فى أننى وجدت عروضا للعرائس على سطح الماء..»!!
مرحلة البحث والحيرة
لم تكتف مهاب بالإطلاع على هذه الكتيبات، بل ظلت تبحث عن الفكرة وهذا النوع من المسرح فترات طويلة، ثم جاءت مرحلة عرضها لفكرة البحث بكلية الفنون الجميلة، والتى عارضها فيها بشدة الكثير من الأستاذة، لكنها لم تستسلم للرفض وقالت.. «بحثت على شبكة الإنترنت عن هذا النوع من المسرح، كى أحصل على أى تفاصيل، لكن لم أجد مادة علمية وافية تستحق، عمل رسالة حولها، بعدها ذهبت للسفارة، ووجهتنى لبعض الطلبة الفيتناميين الذين يدرسون اللغة العربية فى مصر، قابلت فتاة هناك ساعدتنى كثيرا، ومن خلال بحثي، كنت قد حصلت على كتابين فقط، فى هذا المجال، موجودين فى فيتنام وأمريكا، وهى من ساعدتنى على شرائهما من فيتنام، وكان الكتابين بداية طريقى فى البحث، ووقتها تقدمت بورقتى البحثية للجامعة، بعضهم كان رافضا للفكرة بحجة أنهم لم يسمعوا بالموضوع من قبل، ولم يشجعنى سوى اثنين من أساتذتي، وتكفلت بتغطية الموضوع بكل تفاصيله، رغم أننى وقتها كنت لا أعلم كيف سأحصل على المعلومات اللازمة، لكن كانت لدى قناعة بضرورة الوصول، خاصة وبعد مطالعة الكتب اكشتفت أنه من المستحيل الوصول لفكرة صناعة هذا الفن، لأن الفيتناميين يعتبرون العرائس المائية سر من أسرارهم، مثلما يعتبر المصريون فن التحنيط سرا لا يطلع عليه أحد، هكذا يتعامل الفيتناميون مع فن العرائس المائية، ولديهم من الصرامة، ما يصل إلى درجة القتل، فإذا كشف عضو أى فرقة سره للفريق المنافس، يقتل له ثلاثة من أبنائه»!!
الإطلاع على عالم العرائس المائية
 تواصل مهاب رواية رحلتها..»من 2008 وحتى2012، كنت فى ضغط نفسى شديد، كى أضع قدمى على الطريق الصحيح للحصول على معلومات وافية، تواصلت مع فنان عرائس كبير هناك، وهو مستر «تشو لونج»، أرسل لى كتابا من تأليفه لم يكن كتابا بحثيا بقدر ما كان كتابا تشكيليا، لأنه فنان تشكيلى فى الأساس، وأرسل لى هدايا عبارة عن نماذج من العرائس المائية، بدأت فى عمل دراسة تحليلية أو وصفية للفكرة، ثم كسرت الحاجز فى 2012، بعد أن جاءت لى دعوة من وزير الثقافة الفيتنامى عن طريق صديقتى «لى ترام»، حيث أرسل لى دعوة شخصية وكنت وقتها قدمت مسرحية «نور القمر فرحان» من تصميمى وإخراج رضا حسنين، سافرنا بالعرض، وحصلنا على الجائزة الفضية بالمهرجان، وكنت لأول مرة أرى خشبة مسرح عرائس مائية، على أرض الواقع، فهم يمتلكون عالم من المسارح الخاصة بهذا الفن، فهناك خشبات مسرح مغلقة ومكيفة، وأماكن مفتوحة، وهناك عروض بالبرك، وفى كل قرية لديهم هذه الصناعة قائمة بشكل كبير، فى شمال فيتنام هانوى ومنطقة دلتا النهر الأحمر، وفكرة مشاهدة خشبة المسرح والتجول بها على أرض الواقع، كانت بمثابة صدمة ومفاجأة كبيرة بالنسبة لي!
 وتقول: «كانت لدى صديقة أخرى تدعى «ها»، رافقتنى فى كل خطواتى هناك، وساعدتنى كثيرا فى عقد مقابلات عديدة، مع مخرجين كثيرون لهم علاقة بالعرائس المائية، وكنت أرى أنها خطوة هامة، لأننى اكتشفت أن من يعملون بالتحريك فى البرك والمتاحف، لديهم أسرارهم الخاصة وتكنيكهم الخاص جدا، لكن من يعملون فى مسرح الدولة، هم عباقرة تحريك، لكن ليست لديهم مسألة الأسرار بقدر ما يمتلك أصحاب البرك، وفى النهاية كل شخص يعمل بإحساسه وأسلوبه الخاص.
التسلل للكواليس وكشف الأسرار
بالرغم من صعوبة الحصول على أسرار التحريك والتصميم، والوصول إلى هذا الفن، إلا أن مى كان لها السبق، فى تحقيق الحلم والإطلاع على أسرار الفيتناميين الخاصة جدا، والدخول إلى أدق الأمكان وأكثرها حساسية، وهى كواليس مسرح العرائس المائية والتى تقول عن رحلتها داخلها.. كانت لدى صديقة تدعى «توي»، كانت مترجمة هنا فى مصر فى المرحلتين، وهى من ساعدتنى فى الوقوف بالكواليس عام 2012، وكذلك مستر تشو لونج ساعدنى فى دخول الكواليس بمسرحه هناك، لكننى كنت أشعر بانزعاج الفنانين من ذلك، لأن ال «back stage»، قصة مختلفة تماما، وكل ما يظهر أمام الجمهور على المسرح، نتيجة حرب كبيرة، وصعبة تحدث فى الخلف، بالطبع كنت حريصة على تسجيل كل التفاصيل والملاحظات وتصوير الفيديو للرسالة، وأعتقد أن علاقة الود التى نشأت بينى وبينهم خلال أربع سنوات منذ عام 2012، والتى زادت مع الوقت كانت سببا فى الوصول إلى مرحلة متطورة بهذا المجال، والتى قضيتها فى جلسات مغلقة مع الفنانين، وأصبح لدى علاقات متشعبة مع الكثيرين وكلهم مستعدون للمساعدة، فى أى شىء خاصة وأنهم كانوا غير مدركين لفكرة اهتمام وولع شخص من الشرق الأوسط لتعلم هذا النوع من الفن، فكنت مفاجأة بالنسبة لهم.
تحقيق الحلم
 تواصل مهاب روايتها.. «فى عام 2013، تلقيت دعوة من المسرح القومى بفيتنام لتعلم فن العرائس المائية، بدءا من التصنيع والنحت والتحريك والتصميم وإدارة خشبة المسرح، إلى المرحلة النهائية وهى تلوين العروسة، وكل ما هو متعلق بفن العرائس المائية، كانت ورشة فردية، بمعنى أنهم وجهوا لى دعوة بشكل فردى بحت، لكن بشرط أن أتحمل تكاليف كل شيء، وبالفعل هذا ما حدث، خضعت لفترة تدريب طويلة، وساعدنى بها «تشو لونج» كان مهتما بتعليمى فن التحريك فى مسرح «تان لام»، ومنحونى بدلة هدية ومجموعة عرائس، فهذا الرجل كان بمثابة الأب الروحى لى هناك، ومن غير مساعدته أعتقد أنه كان من الصعب الوصول إلى أى شيء، وكانت خبرة غير عادية، فهناك قرية كاملة لتصنيع العرائس المائية، وأخرى لتلوين العرائس، لأن القصة بالنسبة لهم، فن تقليدى بحت، لديهم قرى مخصوصة لهذا الفن، وفى النهاية صناعة العروسة لعبة من بداية اختيار نوع خشب الملائم للماء، ثم مرحلة تصميم العروسة، ونحت الشخصيات الحيوانية يختلف عن الشخصيات الآدمية، كل منهم له منهج فى التصنيع، وهناك عرائس لها قاعدة وعرائس دون قاعدة، وكل منهم له طريقة مختلفة فى التحريك، والعصى التى يتم تركيبها لتحريك العروسة، يختلف طولها حسب العروسة، فهناك عرائس يتم توصيلها بعصاتين، واخرى بعصا واحدة، ثم تأتى مرحلة التلوين وهى 14 مرحلة تمر بها العروسة، والتركيب سر كبير لأن تركيبها مختلفا كلى وجزئيا، عن العرائس التى نراها فى أى مكان آخر.
«إيزيس وأزوريس»
 وعن مراحل خروج وصناعة عرض «إيزيس وأزوريس»، تقول.. «إيزيس وأزوريس» كان حلمى منذ البداية، لأننا عادة فى فن المسرح سواء البشرى أو العرائس، لا نهتم بالجانب الفرعونى كثيرا، فأردت أن تكون بداية هذه العرائس فرعونية، كما أنها أسطورة مرتبطة بالنيل وهذا شيء هام بالنسبة لي، وكان التحدى فى اختيار كوادر جديدة، معظمهم لم يسبق لهم العمل بمسرح العرائس من قبل ومن خلال ورش، وإدارة المشاريع الثقافية التى حصلت عليها، استطعنا عمل تدريبات كثيرة منها تدريبات تنمية بشرية، على الإحساس والطاقة والتنفس والهارموني، حتى يتلاحم الجميع معا فى أداء واحد، لأن العروسة الواحدة يحركها ثلاثة أشخاص، وليس شخصا واحدا، فكان يجب ألا يشز أحدهم عن القاعدة، بجانب أن شرط الحب والصدق فى الموضوع أهم شيء، لأن حب العمل فى هذا المجال يجنى من ورائه متعة كبرى، وصعوبة العرض كانت أيضا فى العمل على الموسيقى بدلا من الحوار، لأن عادة البطل بهذه العروض يكون الحوار، بينما الحركة كلها كانت على الموسيقى.
 وتقول.. «لم أنشغل بأن يكون العرض للأطفال بل على العكس الفكرة فى أن نقدم مسرح عرائس يشاهده الكبار، و«إيزيس وأزوريس» حدوتة رومانسية، والجزء الخاص بست على سبيل المثال يحمل مشهد يحاول فيه أن يراود إيزيس عن نفسها، فمن الصعب أن يتم شرح هذا المشهد لطفل، وكلمة أطفال تحجم تفكيرى كفنانة أو توقف إبداعى عند نقطة معينة، لكننى فى نفس الوقت لن أمنع الأطفال من الحضور، الفترة القادمة وسنقوم بطبع كتيب باللغة العربية والإنجليزية، يشرح قصة العرض.
 وتضيف.. «أكثر ما أسعدنى، هو تحمس المسئولين على مدار الأيام الثلاث فى شتى المجالات للفكرة، والفترة المقبلة سنتجاوز أنه مجرد عرض، وسيكون مشروعا متكاملا، سيتم العمل عليه الفترة المقبلة، وأخص بالذكر الفنان فتوح أحمد رئيس البيت الفنى للمسرح، لأن الناس لم تكن مقتنعة بالفكرة فى البداية، وهو وحده من كان مؤمنا بها وشجعنى حتى خرجت التجربة للنور، وخاطب المحافظة مؤخرا، كى يقترح أن نقوم بتحويل حديقة المشتل فى المسرح العائم، إلى مسرح للعرائس المائية، يتم بناؤه على هيئة مدرجات لأن هذا هو الأسلوب المتعارف عليه، فى بناء المسارح لهذا النوع من العروض، حتى تتم المشاهدة بشكل أيسر وأمتع، وكانت مؤسسة ساويرس الراعى الرسمى للمشروع، وهم من تحملوا تذاكر طيران الوفود الأجنبية»
 «إيزيس وأزوريس» إعداد درامى وتصميم عرائس وديكور وإخراج مى موهاب، تصميم ملابس نعيمة عجمى وإضاءة رامى بنيامين، وشارك فى تحريك العرائس 16 من فريق العمل هم عبد الحميد حسني، لمياء حميدو، محمد حسني، محمد على حسن، سالى جمال، أحمد عبد السلام، كريم محمد، محمد أيمن، ضحى بهجت، منة مهاب، علا علي، مى كمال، إسلام جلال، محمد كمال، دينا محمد، فنى ميكانست عمرو الشاذلى وأحمد عبد البارى.