الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

آفة التدخين

آفة التدخين
آفة التدخين




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

يعتبر التدخين بكل أنواعه آفة الشرور المدمرة للمجتمعات فى العصر الحديث على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، فهو بمثابة السرطان الذى يخترق جسم المجتمع فيصعب إن لم يكن يستحيل علاجه بسهولة، وإذا نجحت محاولات العلاج، فإن تكلفته تكون باهظة، وتداعياته تترك آثارا جسيمة على المجتمع.
تحدثت فى مقالة سابقة بتاريخ 7 فبراير من هذا العام عن «حظر التدخين فى مصر»، تناولت تجارب بعض الدول كاليابان التى اتخذت عددا من الإجراءات ساهمت بشكل كبير فى انخفاض نسبة المدخنين بنحو 2% خلال العام الماضى وحده، فى حين كانت تركمانستان أكثر جرأة وشجاعة عندما أصدر رئيسها مرسوما فى مطلع عام 2016، منع بموجبه بيع جميع أنواع التبغ فى البلاد، وهو ما يعنى عمليا حظر التدخين تماما فى بلاده، وما بين الحالتين فى كل من اليابان وتركمانستان يمكن لدول أخرى أن تتخذ إجراءات بحسب ظروفها الاقتصادية والاجتماعية للوصول بالتدخين إلى نسبة الصفر سواء مرة واحدة «علاج الصدمة» الذى يكون أكثر مرارة وصعوبة فى بدايته قبل أن يتعود عليه المدخن والمجتمع ودوائر المصالح فى صناعة التدخين على حد سواء، أو على مراحل متدرجة.
لا تقل معاناة مصر من التدخين عن سائر دول العالم، بل تتفاقم الأزمة وتزداد المعاناة إذا ما كانت نسبة التدخين فى مصر تعتبر من أعلى المعدلات فى العالم، حيث تصل إلى حوالى 25%، وإذا ما أضيف إلى هذه النسبة الأضرار التى تصيب غير المدخين والذين يتعرضون لاستنشاق الدخان من المدخنين فى الأماكن المغلقة، وهو ما يعرف باسم «التدخين السلبى»، فإن الأمر يزيد من نسبة المدخنين، ومن ثم تزداد المشكلة تفاقما، ومن هنا تأتى أهمية الانتباه إلى خطر هذه الآفة المدمرة للمجتمع بشكل عام، والإسراع إلى اتخاذ إجراءات إن لم تكن القضاء على هذه الآفة بشكل تام، فليكن الحد من آثارها التدميرية تدريجيا حتى تصل إلى نسبة الصفر ومن ثم إبراء المجتمع منها نهائيا.
تنفق الشركات ودوائر صناعة الدخان وجماعات المصالح فى جميع أنحاء العالم ما يزيد على تسعة مليارات دولار كل عام على الإعلانات عن التدخين والترويج له ورعايته بشكل غير مباشر، حيث تحاول هذه الشركات التحايل على قوانين حظر الإعلان عن التدخين بعدة طرق فى مقدمته رعاية الأحداث الرياضية والموسيقية والفنية بشكل عام، وتنفيذ أنشطة اجتماعية فى ظاهرها الرحمة بتقديم الدعم لبعض المؤسسات والأنشطة الخيرية، ولكن فى باطنها الترويج لمنتجاتها القاتلة.
يحتفل العالم فى 31 مايو من كل عام باليوم العالمى للامتناع عن التدخين، وذلك بهدف تسليط الأضواء على المخاطر الصحية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالتدخين، ومنح الفرصة لإجراء الحوارات والمناقشات، التى يمكن صياغتها فى شكل سياسات وقرارات فعالة للحد من التدخين، خاصة بعدما تفاقمت ظاهرة التدخين على المستوى العالمى، وأصبح يشكل خطرا مستوحشا يلتهم اقتصاديات الدول ويدمر المجتمعات، خاصة الفقيرة منها، حيث تتفاقم آثار التدخين بشكل سلبى فى الدول النامية نظرا لكونها من الدول الهشة التى لا تتحمل الصدمات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن آثار التدخين.
تحظر معظم دول العالم ومنها مصر عرض الإعلانات عن التدخين بشكل مباشر، كما يحظر القانون المصرى الإعلان أو الترويج لاستعمال السجائر فى جميع وسائل الإعلام، لكن هذا ليس كافيا فهناك الكثير من الإعلانات التى يتم عرضها بشكل غير مباشر، سواء فى الدراما وغيرها من الأعمال السينمائية والفنية الأخرى، والتى تبرز بعض الآثار التى توحى بالقدرات الإيجابية للتدخين، وهو ما يؤثر بشكل كبير خاصة فى الفئات العمرية من المراهقين والشباب، وهذا ما يتطلب تعاون المؤسسات المحلية المهتمة بمكافحة آفة التدخين مع جميع المؤسسات فى مختلف دول العالم.
هناك صعوبات كبير تواجه أى إجراءات يتم اتخاذها لمجابهة أخطار التدخين، فهناك شبكة مصالح ومجموعات ضغط على صانع القرار لكن المصلحة العليا تحتم اتخاذ قرارات صعبة وقاسية، وليس من الضرورى أن تكون هذه القرارات مرة واحدة، بل يمكن التدرج فيها حتى يتم الوصول إلى الهدف المرجو وهو الوصول بنسبة التدخين إلى الصفر، حيث تحتاج تلك الجهود إلى تضافر جميع الجهود وفى مقدمتها مؤسسات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام والنقابات والمؤسسات التعليمية وغيرها ممن يمكن أن يكون لهم دور فى التوعية من أخطار التدخين، والتصدى لجميع الصعوبات والعقبات التى تعترض تلك الجهود.
حفظ الله الوطن وشبابه الذين هم ثروته وحراس أمنه وسلامته، ودعائم تقدمه وازدهاره.