الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عودة الزمن الجميل

عودة الزمن الجميل
عودة الزمن الجميل




محمد محيى الدين  يكتب:


لقد كنت محظوظا مع غيرى الكثير ممن عاصروا الزمن الجميل حين كانت المدارس والجامعات الحكومية تقدم تعليما حقيقيا وحين كنا ننظر الى طلاب المدارس الخاصة على انهم فاشلون وحين كان العلم يحتفل به وحين كانت حياتنا بسيطة نستمتع فيها بركوب المترو لزيارة مصر الجديدة او بتأجير الدراجات فى حى المعادى الهادىء او زيارة الحدائق اليابانية فى حلوان. وفى هذا الزمن كنا نسهر ويسهر معنا الشعب العربى مع ام كلثوم وحفلات اضواء المدينة ونحتفل بأعياد الثورة ونشارك فى عروضها وحينها كانت اللهجة المصرية هى المحببة والمعروفة من المحيط الى الخليج وكان الفن مواكبا لقضايانا ومعبرا عن طموحاتنا فى هذا الزمن كان كل شىء حقيقيا وكان الزيف محدودا وفيه كنا قادرين على تحقيق احلامنا كما كانت احلام الوطن الكبيرة تعطينا طاقة ايجابية فقد كان الكل فى واحد.
فى هذا الزمن كنا نشعر بأننا شركاء فى بناء المدارس والمصانع والسد العالى واستصلاح الأراضى ولم نكن نعرف الا البناء والتحدى ولم تكن كلمتا الاحباط واليأس قد دخلتا بعد الى حياتنا وحتى بعد ان تعرضنا الى هزيمة 1967 لم نجعلها توقف المسيرة ولم نستسلم وتقبلنا مرحلة التقشف بعدها بصدر رحب واتسعت مدننا وبيوتنا للمهجرين من منطقة القناة وطافت أم كلثوم العالم تغنى بدون أجر لصالح إعادة تسليح الجيش المصرى وخاض شبابنا وخريجو جامعاتنا حرب استنزاف طويلة للعدو كسرت غطرسته وتوج شبابنا تلك الحرب بالعبور العظيم فى 1973.
طافت تلك الذكريات فى عقلى وأنا أتابع ثلاثة فرسان بيننا الآن يعيدون لنا بعض ما فقدناه من قيم الزمن الجميل ويستحقون ان نرفع لهم القبعة تقديرا واحتراما ونرسل لهم رسائل شكر وتقدير ليس فقط لمهنيتهم العالية ولكن أيضا لقدرتهم على أن يبعثوا فينا الأمل مرة اخرى بعد ان تراكم الغبار والصدأ على حياتنا ويذكرونا بان عجلة الزمن ممكن ان تدور الى الامام مرة اخرى وأنه لا مستحيل مع الإرادة المخلصة.
أما رسالة الشكر الأولى فهى الى الفنان القدير محمد صبحى الذى رفض اى منصب تنفيذى ووهب حياته للخدمة العامة ومساعدة وطنه فى التخلص من العشوائيات التى شوهت وجه مصر لعقود ولم تأخذه موجة الكسب السريع وتقديم اعمال فنية هابطة للتسلية وتغييب وعى ابناء مقابل الملايين ولكنه ومن ثم توظيف نجوميته فى جمع التبرعات لبناء مدن جديدة لسكان العشوائيات ولم يكتف بذلك فقد وظف قدراته الفنية فى عمل تليفزيونى يخاطب فيه ابناء وطنه ويكشف فيه عن نواحى القصور فى حياتنا ويدفعنا الى قبول تحدى التغيير.
واذا كان الفنان محمد صبحى قد أعاد توظيف المسرح لخدمة قضيته التى يؤمن بها فإننا مدينون بالشكر ايضا لصاحبة السعادة الفنانة اسعاد يونس التى تعطينا كل أسبوع نموذجا للعمل الإعلامى المحترف والمحترم والذى تضع فيه خبرة سنوات طويلة فى العمل الفنى والإعلامى فى برنامج اعاد البسمة والتفاؤل الى نفوسنا تعيد فيه الحياة لقيم كانت فى طريقها الى الزوال وتلقى فيه الضوء على نماذج بشرية قد لا نراها فى زحمة الحياة وتعيد الينا الثقة فى امكانية مشاهدة إعلام حقيقى بعد ان اصابت برامج الفضائيات الهزيلة نفوسنا بالكآبة والاحباط يقدمها اشخاص ليس لهم نصيب من الخبرة وتكاد معرفتهم بالإعلام تكون معدومة.
وأخيرا رسالة شكر وتقدير لأحد إعلام التعليم الجامعى وهو الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة الذى أعطانا الأمل بأن جامعاتنا يمكن ان تعود الى ريادتها واستطاع أن يجعل جامعة القاهرة تحتل موقعها فى الصفوف الأولى بين جامعات العالم مرة اخرى وأن يخلصها من مديونياتها المتراكمة ويعيد للأستاذ الجامعى وللبحث العلمى قدرهم وقيمتهم وما زالت جهوده فى إنهاء مافيا «بين السرايات» التى ساعدت على اختصار التعليم الجامعى فى مذكرات و«ملازم» لا تسمن ولا تغنى من جوع محل تقدير ولم يكتف هذا الرجل الشجاع بذلك ولكنه يطالب بالسماح للجامعة بأن تستثمر عوائد ابحاثها وابتكاراتها فى التمويل الذاتى ومن ثم رفع العبء عن ميزانية الدولة.
مصر بخير وهناك ارهاصات بعودة الزمن الجميل مادام بها تلك النماذج وكل يوم جديد سوف يكشف لنا ان كثيرين غيرهم فى طريقهم الى الظهور فقد آن للظلمة أن تنكشف وما زالت العناية الإلهية تظلل هذا البلد.