الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التهمة أنه «فكّر»!!

التهمة أنه «فكّر»!!
التهمة أنه «فكّر»!!




وليد طوغان  يكتب:

فى الصراع التاريخى كان الانتصار دائما من حظ رجال الدين، لا رجال العقل. يرى رجال الدين انهم اصحاب الحقيقة، وأتباع «المؤكد»، لذلك سموهم دوجماتيك. خطايا تاريخية ودينية كثيرة تسبب فيها الدوجماتيك على مر التاريخ الإنسانى. قتل رجال الدين باسم الله، وعادوا المنطق باسم الحقيقة، وأحرقوا باسم الايمان.. وأشرفوا بالكرة الأرضية على الطريق لستين داهية كثيرا.
ففى القرن الخامس قبل الميلاد مثلًا؛ أنكر «انكساجوراس» الطبيعة الإلهية للأجرام السماوية، بينما الفكرة كانت سائدة بين كهنة اليونان ذلك الوقت. قال «انكساجوراس» إن القمر أرض، به جبال وطرق ووديان، وإن الشمس والكواكب أجرام ملتهبة.
كلام «انكساجوراس» كان عكس الفكر الدينى وقتها، فاتهموه بالإلحاد. كان الثابت دينيًا أن كل ما هو سماوي؛ هو إلهى بالضرورة، لذلك اعتبروا ان اى خوض فى مثل هذه المعتقدات بالمخالفة للافكار السائدة، هو إجرام فى حق الدولة، وإلحاد فى حق الله.
النتيجة أنهم حاكموا «انكساجوراس»، وحكموا عليه بالإعدام، والتهمة كانت أنه فكر!
ولما ظهر «براتوجوراس» عام 450 فى أثينا؛ شن حربًا رهيبة على «الدوجماتيك» بكتابه «الحقيقة»، لكن معركته مع رجال الكهنوت لم تكن متكافئة كالعادة.
«براتوجوراس» كان ككثير من الفلاسفة الذين ملّوا مبدأ الحقيقة الواحدة، وفشلوا فى الانسجام مع التسليم باحتكار رجال اللاهوت للحقائق على أساس تفسيراتهم هم للنصوص الدينية، لا حسب المقصود من هذه النصوص.
فى كتابه «الحقيقة» قال «براتوجوراس» إن الإنسان هو مقياس الواقع، والحقيقة نسبية تتحدد حسب اقتناعات الإنسان. وفق هذا الافتراض؛ رتب «براتوجوراس» عدة نتائج اعترض عليها رجال اللاهوت، واتهموه هو الآخر بالإلحاد، إلى أن جاء «سبكتوس امبريكوس» فى النصف الثانى من القرن الثانى الميلادي.
أنشأ سبكتوس مدرسته فى «الشك» بهدف تعليم الناس الحياد العقلى. اعتبر ان «الشك» طريق لقطع الطريق على «الدوجماتيكية»، فالشكاك عكس الدوجماتيكي، والدوجماتيكى مرتبة أقل فكريًا من الشكاك، لكن الذى حدث ان انتهت معركة سبكتوس أيضا، لصالح «الدوجماتيك».. ورجال اللاهوت!
احتكار الحقيقة الدينية؛ كان مشكلة «ابن رشد» فى القرن الثانى عشر الميلادي، لذلك اتهموه هو الآخر بالإلحاد لأنه حاول الدعوة للتأكيد على أنه لا يجب ان يكون هناك تعارض بين الفكرة الدينية.. والمنطق.
قال ابن رشد ان العقل يؤدى إلى شيء من اثنين؛ إما تأكيد ما جاء به الشرع، أو اكتشاف ما لم يأتِ به.
فإذا أكد العقل ما أتى به الشرع، يسود الشرع؛ لأنه ليس متعارضًا مع العقل. أما إذا لم يوافق العقل على ما أتى به الشرع؛ فالخطأ إما فى تأويل النص الشرعي، أو فى طريقة التفكير العقلي.
وقال ابن رشد إن التوقف أمام النص الشرعي، ورفض التفكير فيه وتأويله كارثة. لذلك؛ دعا ابن رشد الفلاسفة ورجال الدين إلى إعادة تأويل النص الديني، وعرّف التأويل بأنه «إخراج مدلول اللفظ من دلالته الحقيقية إلى دلالته المجازية».
عند ابن رشد، إن للفظ دلالتين، دلالة حقيقية ودلالة مجازية، الدلالة المجازية أوسع وأشمل من الدلالة الحقيقية. ورفض «ابن رشد» تكفير المفكر، حتى ولو كفر. وعارض الإمام الغزالى عندما كّفر الفارابى وابن سينا بعد محاولتهما إعادة تأويل الحقائق الدينية، مما أثار رجال الدين عليهما.
فى القرن السابع عشر، توصل «جاليليو» اخيرا، إلى أن نظرية «كوبرنيكوس» فى ثبات الشمس، ودوران الكواكب حولها صحيحة. لكن «الدوجماتيك» الذين كانوا يحتكرون فكرة دوران جميع الأجرام السماوية، بما فيها الشمس حول الأرض، على أساس تفسيرات الكتاب المقدس؛ اتهموا «جاليليو» بالإلحاد هو الآخر، وحاكموه بتهمة الهرطقة والتجديف فى الدين.
الأزمة ان لدى أغلب رجال الدين: «ويل للمفكرين». تصلب فى الرأى، وغشاوة على الاعين ولا حقوقيين يناير.
من أين أتت تلك العنجهية؟ لا أحد يعلم للآن!