الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب ـ الحلقة السابعة ـ بالتفاصيل: خطة «المخابرات الأمريكية».. لإشعال «حرب إقليمية» بالمنطقة العربية

أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب ـ الحلقة السابعة ـ بالتفاصيل: خطة «المخابرات الأمريكية».. لإشعال «حرب إقليمية» بالمنطقة العربية
أمريـكــا وصناعـــة الإرهاب ـ الحلقة السابعة ـ بالتفاصيل: خطة «المخابرات الأمريكية».. لإشعال «حرب إقليمية» بالمنطقة العربية




دراسة يكتبها:  هانى عبدالله

مع بداية مايو الجارى (الثلاثاء - «3 مايو» 2016 م)، كانت كلية «جون كينيدى» للدراسات الحكومية بجامعة «هارفارد» على موعد مع خبرتين «مثيرتين» - ومختلفتين، أيضًا - فى عالم الاستخبارات.
كان الأول، هو «مايكل موريل» (Michael Joseph Morell)، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.. والثانى، هو «تامير بردو» (Tamir Pardo)، المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد).. إذ كان محور اللقاء: هل المكاسب العسكرية التى تحققها «الولايات المتحدة»، وحلفاؤها فى الحرب على الإرهاب، خلال المدى المنظور.. يُمكنها الحد من توسعات تلك الجماعات، بالمدى الأبعد؟
حينها (1).. استهل «مايكل موريل» حديثه قائلاً: أعتقد أن أطفالنا، وأطفالهم فيما بعد (أى: جيل الأحفاد)، سيظل يقاتل خلال تلك الحرب، أيضًا»!
وتابع: على الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فقد العديد من الأراضى فى سوريا، والعراق.. كما تقلصت شئونه المالية، وهياكله القيادية - إلى حدٍّ كبير - خلال الآونة الأخيرة.. إلا أن التنظيم يسير بوتيرة متسارعة، ومتطورة.. ويوضح هذا وتيرة هجماته فى أوروبا - 6 هجمات خلال الأشهر الستة الماضية - كما أن هناك انتشارًا سريعًا لأفكاره داخل 25 بلدًا، ونحو 30 من «الجماعات المسلحة»، التى تدعى الانتماء إليه.. فقد أصبحنا، نوعًا ما «داخل الحرب العالمية الثالثة».
.. بينما قال «تامير باردو»، المدير السابق للموساد: «حتى لو غادر الرئيس السورى (بشار الأسد) السلطة؛ فإن الحرب فى سوريا ستستمر، وستصبح «أسوأ بكثير».. فهناك ثلاث ديناميكيات تتحكم بطبيعة العمل فى «الشرق الأوسط»، هى التى أدت إلى الأزمة الحالية، الأولى: صعود التطرف الإسلامى، والثانية: فشل حكومات المنطقة - باستثناء «الإمارات العربية»، وإسرائيل! - فى حل قضايا السياسة العامة، والأزمات الاقتصادية، والاجتماعية المختلفة.. والثالثة: التوتر بين المعسكرين (الشيعى، والسنى).. مضيفًا: «إذا لم يتعامل الغرب مع كل هذه الحقائق؛ فإن تهديدًا (أكثر خطورة) من تنظيم الدولة الإسلامية سينشأ، فى المستقبل».
* * *
لم تكن الحلقة النقاشية التى جمعت بين كلٍ من: («موريل»، و«باردو»)، حول مستقبل الحرب على الإرهاب (منذ أيام قليلة)، بجامعة «هارفارد».. هى كل ما طرحه الرجلان على الساحة السياسية خلال الأيام الماضية.. إذ استبق «موريل» هذا الأمر، بإصدار كتابه المثير: «حرب عصرنا الكبرى» (The Great War of Our Time).. وهو كتاب خَلُص فى أكثر من موضع، إلى ما نبهنا إليه من قبل (مدعومًا بالوثائق)، حول أن «الولايات المتحدة» بما فعلته فى ليبيا، و«سوريا» لم تكن تفعل أكثر من أنها تعطى «قبلة الحياة» لتنظيم القاعدة من جديد، إذ قال «موريل»، حول عمليات التدخل فى طرابلس (2):
 «إن ليبيا نموذج حى للدولة، التى انهارت بها المؤسسات، والأجهزة الأمنية، مثل: الجيش، والشرطة، والاستخبارات، كافة.. إذ لم تعد قادرة على مواجهة «الميليشيات المسلحة».. والنتيجة: دولة فاشلة، وإرهاب ينتشر».
وإن كُنا قد توقفنا بـ«حلقات سابقة» من الدراسة عند «مصرع القذافى»، بوصفه كان إحدى الغايات الرئيسية من عملية التدخل المشترك بين «الولايات المتحدة»، وحلف «الناتو» فى طرابلس.. فإن «موريل» ينطلق من المشهد نفسه (أى: مصرع القذافى)؛ ليُحلل أوضاع «ما بعد نظام العقيد» فى ليبيا، قائلاً (3):
«حال رحيل معمر القذافى عن الساحة الليبية فى 2011 دون إراقة مزيد من الدماء الليبية بالشوارع.. لكن.. ما بدا على السطح بعد ذلك، هو «دولة فاشلة»، هيّأت مجالاً واسعًا؛ لنمو وازدهار الإرهاب.. وأصبح السؤال هنا: هل أصبح الليبيون أفضل حالاً بعد القذافى، عما كانوا عليه من قبل؟».
 ويتابع الإجابة: (لست واثقًا من ذلك.. فما جرى فى ليبيا كان قوة دفع إضافية لـ«تنظيم القاعدة»، بامتداد الشمال الإفريقى، فضلاً عن: مالى، وموريتانيا، والنيجر.. فكل الحكومات التى أعقبت «سقوط القذافى»، كانت عاجزة عن إحكام قبضتها على البلاد، ومن ثمَّ.. سيطرت «الميليشيات» على أغلب أرجاء ليبيا.. وتفرقت «أسلحة نظام العقيد» بطول البلاد، وعرضها.. كما انتقلت تلك الأسلحة، أيضًا، إلى الدول المجاورة).
* * *
أكثر ما يلفت الانتباه بكتاب: «حرب عصرنا الكبرى» - رغم الأهمية العامة للمحتوى - أن «مايكل موريل»، بوصفه أحد القيادات الرئيسية بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (C.I.A)، خلال ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى»؛ لم يرد فى كثير من الأحيان، أن يعبر عن الجانب «الأكثر قبحًا»، ونفعية بالسياسة الخارجية الأمريكية، بقدر ما كان يسعى لأن يرفع خطوات تلك السياسة من عثراتها، التى بدت أوضح مما كانت عليه فى حينه (!)
فعندما تطرق إلى عملية انتقال «الأسلحة الليبية» لدول أخرى، كان أن قيّد عملية الانتقال تلك، بوصف يقول: «إلى البلدان المجاورة ذات السيطرة الضعيفة، أو المنعدمة، على حدودها!».. زاعمًا أن قاعدة الوكالة (المتمركزة بشرق ليبيا)، كان هدفها الرئيسى، هو جمع المعلومات الاستخباراتية عن العناصر الإرهابية المتمركزة بالشمال الإفريقى، خاصة قيادات «تنظيم القاعدة».
وهنا.. كان يحاول «موريل» - بشكل واضح تمامًا - أن يُبرئ قاعدة «وكالة الاستخبارات المركزية» بشرق ليبيا، من الاتهامات التى طالتها بالضلوع فى عملية تهريب الأسلحة من العمق الليبى، إلى الميليشيات المسلحة بـ«سوريا»، إذ قال:
 (قامت قاعدة الوكالة بمهمتها جيّدًا فى بنغازى.. وعلى خلاف ما أشارت إليه بعض التقارير الصحفية الأمريكية، لم تلعب تلك «القاعدة» دورًا ما، فى نقل الأسلحة من ليبيا إلى المعارضة السورية.. فهذا أمرٌ لم يتورط فيه أى ضابط أو منشأة أمريكية فى ليبيا على الإطلاق).
وفى الحقيقة.. كان ما يقصده «موريل» هنا، هو مقال الكاتب الأمريكى الشهير «سيمور هيرش» (Seymour Hersh)، فى 17 إبريل من العام 2014م، تحت عنوان: «الخط الأحمر وخط الجرذان» (The Red Line and the Rat Line)، إذ قال «هيرش» (4): إن العلاقة المتجذرة بين الاستخبارات التركية، و«جبهة النصرة» السورية.. كان من شأنها دعم المعارضة فى دمشق بالعديد من الأسلحة، بما فى ذلك (غاز السارين) الّذِى اتهم بإطلاقه النظام السورى فى وقت سابق (!)
 وأوضح «هيرش» فى مقاله، أن العديد من عمليات نقل الأسلحة للمعارضة السورية، كانت تتم عبر (خط الجرذان)، الّذِى أنشأته الاستخبارات الأمريكية؛ لنقل الأسلحة من ليبيا إلى الحدود السورية، عبر تركيا.. ورغم أن الولايات المتحدة - بحسب هيرش - أوقفت التعامل عبر هذا الخط، فى أعقاب الهجوم على قنصليتها ببنغازى.. إلا أن هذا الخط ظل يعمل بدعم من الاستخبارات التركية (حليف واشنطن)، حتى وقتٍ قريب (!)
* * *
بشكلٍ متتابع - رغم محاولات نفى مسئولى الاستخبارات الأمريكية - تبدو العلاقة بين السماح بإعادة انتشار عناصر تنظيم القاعدة داخل الوطن العربى، فى سياق السياسات الأمريكية، الرامية لإعادة تشكيل أنظمة الحكم بالمنطقة (وهى السياسات التى كانت موجتها الأولى، ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربي»، أعمق من أن يتم نفيها بتصريح هنا أو هناك (!).. إذ من بين متابعى الشأن الأمريكى الخارجى، من ذهب إلى أبعد من ذلك (!)
ففى حديثه لقناة «روسيا اليوم» الإنجليزية (5)، فى 5 أكتوبر 2014م، يقول الكاتب الأمريكى «ويليام إنجدال» (William Engdahl):
إن عصابة «داعش» الإرهابية، تضم عناصر تم تدريبها عن طريق «القوات الخاصة» بالجيش الأمريكى، إذ تم استخدامهم، كوسيلة؛ لخلق «فوضى» تؤسس لتدشين «دولة دينية»، ترفع لافتة الشريعة الإسلامية، على غرار «دولة الخلافة السالفة»، بما يُحقق مصلحة العسكرية الأمريكية بالمنطقة.
وأضاف «إنجدال»: لقد استمر العنف لأطول من حقبة كاملة منذ الغزو الأمريكى للعراق؛ لأن أمريكا كانت منغمسة عسكريًا فى «الشرق الأوسط».. فالأمر ببساطة؛ أنه منذ أن أسقطت «واشنطن» نظام «صدام حسين»، ومن بعده نظام «حسنى مبارك» فى مصر، وإشعال موجة «ثورات الربيع العربى» بطول العالم العربى، وعرضه.. كانت أمريكا تسعى بدأب شديد؛ لإعادة تنظيم المنطقة، بما يتفق ومصالحها العسكرية فى مواجهة كل من: الصين وروسيا (بصورة رئيسية).. وفى الحقيقة.. لم أشاهد فى كل هذا، سوى «كوارث إنسانية».. فهذه سياسة بلا أى نتائج إيجابية، على الإطلاق.. ولا تتضمن أكثر من خلق «فوضى شاملة»، يتبعها انهيار لعوامل استقرار الدول المستهدفة، بما يُمكن «واشنطن» من ابتزاز حلفائها الأوروبيين، فضلاً عن الصين وروسيا.

ويتابع: لقد دفع «التدخل الأجنبى» بالشرق الأوسط الأمور الى حافة الهاوية بين «الشيعة»، و«السنة».. فقد كان هناك - قطعًا - خلافات مذهبية فيما قبل العام 2003م.. لكن؛ كانت هناك «هدنة» بين الطرفين.. ورغم أنها لم تكن «سلسة»، إلا أنها كانت - على أى حال - هدنة.. ففى «سوريا» كان الشيعة والسنة يعيشون جنبا الى جنب، وكان إلى جوارهم «العلويون»، وطوائف أخرى.. والشىء نفسه كان فى تركيا، والعراق.
أما الآن: ماذا فعل الجنرال الأمريكى «بتريوس» (Petraeus) بالعراق؛ لخلق تلك «الحرب المقدسة» بين السنة، والشيعة هناك؟
والآن.. فإننا نجنى ثمار ما فعلناه، فقد تم تدريب هؤلاء الإرهابيين عن طريق القوات الأمريكية الخاصة فى جورجيا، وتم تجنيد الشيشانيين وتدريبهم فى قواعد سرية تابعة لحلف الناتو فى تركيا والأردن.. وخلال العام ونصف العام الماضيين؛ تم تطوير ما نسميه الآن «داعش» (ISIS).. كل هذه الكيانات مصنوعة فى «لانجلى» بولاية فرجينيا (يقصد: مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية)، وحلفائها بوزارة الدفاع (البنتاجون).


هوامش

 (1)
Losing the war on jihadism (*)
(*) Former heads of Mossad, CIA say short-term military gains can’t counter long-term expansions - May 4, 2016.
http://news.harvard.edu/gazette/story/2016/05/losing-the-war-on-jihadism/
(2)
The Great War of Our Time: The CIA>s Fight Against Terrorism--From al Qa>ida to ISIS, by: “Michael Morell” - New York Times Bestseller, 2015
(3)
Michael Morell (مصدر سابق)
(4)
راجع مقال «سيمور هيرش» على الرابط التالي:
http://www. lrb. co. uk/v36/n08/seymour-m-hersh/the-red-line-and-the-rat-line
(5)
يمكن مشاهدة لقاء «ويليام انجدال» (William Engdahl) مع قناة روسيا اليوم «الإنجليزية» فى 5 أكتوبر 2014م، على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=aw_UDhTZ39Q