الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

قمار الشعوب

قمار الشعوب
قمار الشعوب




على الشامى يكتب:

القارئ لمذكرات سعد زغلول الصادرة عن مركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب والوثائق القومية، يجد شيئاً عجيبا يستحق الالتفات إليه والتأمل والتمعن فيه.
 وبغض النظر عن الانتماء للفكر الليبرالى الذى يتبناه حزب الوفد من عدمه، إلا أنه بلا شك فإن سعد زغلول أحد الزعماء الوطنيين الذين أجلهم واحترمهم جدا لصفته الوطنية قبل أى شىء.
الشىء اللافت فى مذكرات سعد زغلول هو انه يحكى عن ضعفه، ربما لم يكن ينوى النشر ولكنه وهو من هو وبحكم وجوده فى هذه المكانة، كان بلا شك قادرًا على أن يستوعب بشكل جيد ان تدفق الأفكار عبر قلمه الى الورق كفيل بأ لا يجعله سرًا، ومن ثم فهى عرضة بشكل أو بآخر إلى أن يتم الاطلاع عليها أى أنه كان يقر بشكل غير مباشر أنه لا مانع أن يبدو الإنسان فضلا عن كونه شخصية عامة أو زعيما كبيرا، أو رئيسا للحكومة فى نظام ملكى ضعيفا أو تنقصه بعض الفضائل وأن يعترف بهذا بل ويمارس جلد الذات بقسوة وتلقائية وعذوبة.
المعروف عن الزعيم الكبير انه كان يلعب القمار ويخسر أو لنقل يخسر كثيرا ويكسب قليلا ولا يتوقف طوال مذكراته عن توبيخ نفسه وتذكيرها بخطئها ثم يعود ويخطئ ويعود ويوبخ وهكذا بلا انقطاع، أعجبنى جدًا فى السيرة الذاتية للرجل أنها سيرة ذاتية لإنسان وليس لإله، أى أن الرجل يعترف  - وهو من هو  - بضعفه وذلك لا ينقص قدره ـ من وجهة نظرى ـ بل يزيدها، فهو على الأقل استطاع ان يضع يده على عيوبه وان لم يجد الطريق الى حلول قاطعة.
هذه الانسانية والعذوبة والسلاسة الرائعة انقل إليكم منها مقاطع يسيرة يقول زغلول:  «وأهم الأشياء التى يجب اجتنابها أكثر من كل ضار اللعب، فإنه ضرر من كل الوجوه وعلى تركه تتوقف سعادتى وراحتى وهنائى وصفائى، والغريب من أمره انى كلما خلوت بنفسى مقتة وكلما شغلت عنها مالت إليه فقبحه الله من عادة وقبحنى الله من ضعيف مهزول».
أريد أن أرى سياسيا يدرك أنه بشر يمرض ويتألم ويحب ويبكى ويفرح ويأكل ويشرب، وليس إلها يشير إلى غوغائه فيركبون الاوتوبيسات ليملأوا قاعات، أو يتوقفوا بشكل جماعى عن فعل يحركهم بإشارة إصبعه باسم الرب الذى هو منه ومنهم براء، وليس دكتاتورا يطغى ويتسلط على قومه، ويستضعفهم وينكل بهم شر تنكيل.
كل ما نريده هو  سياسيى بشرى، لا حبا فى الخطأ أو الضعف، ولكن لأنه يعلم، أما كل جموع الشعب فإنها تجهل مصلحتها وغير قادرة على اتخاذ قرار.
فقط نريد مثيلاً لسعد زغلول الذى رغم كونه يلعب القمار فى النادى ويخسر ويمر بضائقة ويجلد ذاته، إلا أنه لا يقامر أبدًا بشعبه، تاركا الصراخ يملأ الفضاء وينام قرير العين ومرتاح البال.