الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صديق فى ورطة






 
سأتكلم معك عن أفغانستان بدءًا من طبق كبدة. والكبدة كان يأكلها نجيب ساويرس في غداء معه قبل نحو شهرين.. بينما كنت أتناول قطعة (سمك قاروص) طازجة.. هذه اختيارات شهيتنا الغذائية..
   لكن شهيتي الصحفية سألت نجيب: ما الذي يدفعك لأن تغامر بخوض غمار سوق المحمول في كوريا الشمالية وهي غير معروفة المستقبل؟.
    وقد أجاب بأمور كثيرة.. منها أنه قال إن السوق الكورية الشمالية هي الوحيدة في العالم التي توجد فيها رخصة تليفون محمول يمكن التقدم للحصول عليها ـ كل الأسواق باعت ترخيصاتها.

تذكرت هذا وأنا أقرأ  صحيفه النيويورك تايمز بالأمس.. وهي تشير إلي أن خدمة التليفون المحمول لم تكن موجودة في أفغانستان قبل عام 2001.. الآن فيها نحو 5.9 مليون مشترك..
    هذا ما تقوله الصحيفة.. وأنا لن أنسي أن أقول لك إن عدد الجائعين في ذلك البلد المنكوب قد يفوق هذا الرقم.. وإن معضلته هي أنه لا يستطيع أن يجد صيغة مقبولة للتفاعل ما بين القيم التي تحكم رءوس أبنائه وهي تعود ـ علي أقصي تقدير ـ إلي القرن الثامن عشر.. وبين اقتحامات العصر لعزلته الحضارية.. بدءًا من سيارات الدفع الرباعي وحتي هذا المحمول.. وصولاً بالطبع إلي القوات الأمريكية الغازية والمحتلة.

(النيويورك تايمز) نشرت الرقم المثير في معرض تقرير طريف عن استخدام المحمول في تسويق رسائل دعائية داخل أفغانستان ضد مقاتلي طالبان.. وأن هذا هو جزء من خطة كبيرة تتكلف 150 مليون دولار.. ونقلت الصحيفة عن ريتشارد هولبروك المبعوث الامريكي لأفغانستان وباكستان أن الحرب في أفغانستان تتزامن معها حرب معلومات نحن نخسرها!
      والأمريكيون لا يخسرون حرب المعلومات والدعاية وحدها في مجاهل الجبال الأفغانية.. يخسرون كل شيء.. الأرواح والسلاح.. والأمل في النصر.. وحتي احتمالات أن يبنوا الاستقرار في ذلك البلد المسلم.. الذي يعود إلي مجرياته كثير من تعقيدات العلاقة بين المسلمين والولايات المتحدة.

هولبروك زار مصر مؤخرًا أكثر من مرة ـــ بالمناسبة غير المفهوم كيف وقعت ـــ صافحته علي باب فندق فورسيزونز بالقاهرة بعد أن تناولت الغداء الذي أشرت إليه.. وكان هولبروك في الطريق إلي لقاء مع وزير الخارجية أحمد أبوالغيط.. وكانت معه السفيرة سكوبي.. ويرافقه السفير السابق في القاهرة ريتشاردوني.. وتنتظره سيارة (جي إم سي) مهولة.. من ذلك الطراز الذي رأيته في القاهرة مرتين.. مرة يوم زيارة أوباما.. ومرة يوم رأيت هولبروك.. واليوم حين يصادفني العديد منها في شوارع واشنطن.. التي أزورها لتغطية الرحلة التاريخية للرئيس مبارك للولايات المتحدة.

بمناسبة هذا النوع من الزيارات الأمريكية لمصر أشير إلي أن السفير سليمان عواد قال في تصريحات له بالأمس: إن العلاقات بين واشنطن والقاهرة ليست فقط علي المستوي الرئاسي.. وإنما علي مستوي الخبراء والوزراء.. وتسير علي نحو طيب. وبالطبع كان هولبروك في القاهرة في إطار هذا (النحو الطيب).. وبالتأكيد كان يناقش مع مصر، من خلال وزير الخارجية، مسألة أفغانستان، وليس سرًا أن أقول لك إن تلك المسألة سوف تناقش غدًا بين الرئيسين مبارك وأوباما..
    وأنت بالتأكيد قرأت ما قاله السفير سليمان عواد حين ذكر: مصر لن ترسل قوات لكي تقاتل شعوبًا مسلمة.. لكنها يمكن أن تساعد من خلال علاقاتها مع الحكومة الأفغانية.. ومن خلال علماء الأزهر.

مساعدتنا للولايات المتحدة في هذا الملف المعقد.. قد تكون مفيدة لعلاقتنا بها.. لكنها بالأساس مساعدة لإنقاذ شعب مسلم من مأساته.. باستخدام عناصر القوة المصرية الناعمة.. يعني مثلاً نحن لدينا مستشفي ميداني عسكري هناك.. يعالج العشرات.. ولدينا مدرسة تعلم الأفغان صحيح الدين . ويمكن أن نزيد الخدمات التي تقدم فيها..
    ويمكن أن نوفد عددًا من خبراء الزراعة.. لكي يزرع الأفغان الخضروات والقمح بدلاً من الأفيون.. ويمكننا أن نكون وسطاء حضارة بين الولايات المتحدة والشعب الأفغاني حتي يزول سوء الفهم.. وحتي تفهم الولايات المتحدة من تعامل وتتعامل معهم.

آفاق جديدة في العلاقة بين صديقين حليفين.. وكما نريد من الولايات المتحدة أن تبذل جهدًا أكبر لبناء الاستقرار وإنهاء الصراع في الملف الفلسطيني.. نحن أيضًا يمكن أن نبذل جهدًا مع الحليف الكبير لمساعدته في تلك الورطة الأفغانية.. ليس فقط من أجله.. وإنما من أجل حل مشكلة إسلامية.
www.abkamal.net
 [email protected]