السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السلفية تغزو معاهد الدعاة.. وإخضاعها للأزهر ضرورة

السلفية تغزو معاهد الدعاة.. وإخضاعها للأزهر ضرورة
السلفية تغزو معاهد الدعاة.. وإخضاعها للأزهر ضرورة




تحقيق- محمود ضاحى

فى وقت تحاول فيه سموم الأفكار الإرهابية والمتطرفة غزو عقول الشباب العربى، تطالب الدولة المؤسسات الدينية بضرورة سيطرة الفكر الوسطى الأزهرى على جميع المعاهد الدينية والدراسية، لبعد الناشئين من الطلاب عن التوغل فى أى فكر كان، وهابياً أو إخوانياً أو سلفياً أو داعشياً.
فى مصر المئات من الجمعيات الأهلية التى تتبعها معاهد إعداد دعاة تدرس فيها العلوم الشرعية للراغبين فى أغلب محافظات الجمهورية.. وفى خطوة استباقية، خرجت وزارة التضامن الاجتماعى مؤخرا بقرار نصه «عدم السماح لأى جمعية أهلية بقيام أى أنشطة دعوية أو دينية إلا بتصريح من وزارة الأوقاف، وألغيت المعاهد الدينية وكل مكاتب تعلم القراءات».
للوقوف على حقيقة تنفيذ القرار ارتدت «روزاليوسف» ثوب شاب يبحث عن كيفية التقديم بمعهد إعداد دعاة تابع للجمعية الشرعية فى مقرها الإدارى بالأميرية فى مهمة نحو البحث عن الحقيقة.


وفى الطابق الثالث حيث قسم إعداد الدعاة، يجلس شيخان كبيران على مكتبيهما.. الفراغ والكسل يحوم على وجهيهما داخل غرفة مربعة محاطة بثلاثة مكاتب، سألناهما عن الأوراق المطلوبة للالتحاق بمعهد إعداد الدعاة، بصوت هامس رد أحدهما يدعى «ب – ح» إنه تم إغلاق جميع المكاتب ولا يوجد أى تقديمات حالياً لمعاهد إعداد الدعاة، وأنها موقوفة هذه الفترة، لكن نعيش على أمل افتتاحها.
 وأضاف، إن هناك معاهد حسن الباقورى فى منطقة «سفنكس» بحى المهندسين وهى تابعة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تكون بديلاً لك حتى تبحث الجمعية الشرعية فى ماهية الأمر والوقوف على حقيقته، مواصلاً حديثه: إن مراكز إعداد الدعاة التابعة للأوقاف لا يسمحون لأصحاب الدبلومات التعلم فيها أو نيل الشهادات، وأن نظام الأوقاف الجديد لا يسمح سوى للمؤهلات العليا فقط بالدراسة فى معاهدها ومراكزها.
بعدها توجهنا إلى مقر معاهد الدعاة التابع للجمعية الشرعية فى شارع الجلاء برمسيس، والتى كانت مغلقة هى الأخرى، وبالصعود إلى الإدارة كانت الإجابة أيضاً أن الدراسة فى المعاهد مؤجلة.
استطلعنا آراء الدارسين بتلك المعاهد، فقال هيثم عباس - 29 عاماً – وهو أحد الدارسين فى معاهد إعداد الدعاة، إن المعاهد التابعة للجمعية الشرعية فيها نظامين للدراسة على أساس سنتين و4 سنوات، ويضيف: إن فى معاهد الجمعية درس العديد من العلوم الشرعية منها التفسير والحديث والنحو والقرآن، لكنه لم يتم استكمال دراسته بسبب قرار توقف المعاهد، وكأن العامين اللذين درس فيهما لا قيمة لهما، وشبه نفسه بمن رقصت على السلم، فهو لم يكمل دراسته ولم يحصل على أى شهادة.
لكن أحمد السيد - 27 سنة - حاصل على مؤهل متوسط يضيف، إنه تقدم للدراسة فى مركز الثقافة الإسلامية التابعة للأوقاف بعد توقف معاهد إعداد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية، وبعد تقديم الأوراق المطلوبة من صورة البطاقة والمؤهل وتأدية الخدمة العسكرية، والرسوم، بدأ بعدها فى الدراسة لمدة شهر ثم صدر قرار بعدم استكمال الدراسة لكل من يحملون المؤهلات المتوسطة.
ويتساءل: لماذا يمنع أصحاب المؤهلات المتوسطة من تعلم العلوم الشرعية؟ أليس من حقهم الالتزام وتعلم أمور دينهم أم أن الأمر يقتصر فقط على أصحاب المؤهلات العليا؟ موضحاً أنه قدم تظلماً لوزارة الأوقاف لكن لم يحدث شىء.
وأوضح أن المناهج التى درسها فى الجمعية الشرعية قبل إغلاقها كانت: كتاب «المبتهل فى الحديث» وهو كتاب عن الأحاديث النبوية الشريفة من تأليف الدكتور موسى شاهين لاشين، نائب رئيس جامعة الأزهرالأسبق، وكتاب «دراسات عربية» فى «نحو وصرف» للدكتور محمد أحمد سحلول أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر، وكتاب «الوجيز» فى مصطلح الحديث للدكتور الخشوعى محمد الخشوعى أستاذ الحديث بالأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء بالجمعية الشرعية.
ويشير «محمد. ش» - أحد الطلاب الوافدين من دولة نيجيريا يدرس فى الأزهر الشريف - أن الجمعية الشرعية كانت تخصص مصاريف للعديد من الطلاب الوافدين الذين يحصلون على إعانات مالية تساعدهم فى إتمام تعليمهم فى جامعة الأزهر خاصة مصاريف الكتب ورواتب شهرية لإقامتهم فى مصر، وتصرف من بيت مخصص فى الجمعية اسمه «بيت المنح والمصروفات»، لكن شيخ الآزهر الدكتور أحمد الطيب أصدر قرارا بمنع هذه المصاريف حتى لا يكون ولاء الطلاب للجمعية ولكن للأزهر، وأضاف إنه بعد منع الأزهر المصاريف لم يوفر لهم أى أموال لسد احتياجاتهم الجامعية، مما جعل البعض منهم يغادر مصر لعدم قدرته على سد نفقات احتياجاته التعليمية.
ويقول الدكتور أحمد كريمة - أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر - أن قرار وزارة التضامن الاجتماعى بترشيد الجمعيات الثقافية وإغلاق جميع معاهد إعداد الدعاة قرار صائب وصحيح، وتأخر كثيراً لأن معظم هذه الأماكن كان تابعاً للجمعيات الأهلية، وتغلب عليه الأفكار الإخوانية والسلفية على الرغم أن فيها أشياء بسيطة من الثقافة الأزهرية لكن خطورة المقررات فى بثها أفكاراً بعيدة عن الأزهر.
وطالب بإنشاء مراكز الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف فى كل بقاع مصر، وإعادة نظام التعليم الأزهرى فى أكبر مساجد محافظات الجمهورية مثل مسجد القائد ابراهيم فى الإسكندرية، والأحمدى فى طنطا، وأبو الحجاج الأقصرى، والفولى بالمنيا، كما طالب الأزهر الشريف بفتح دراسات حرة، وإنشاء إدارة لها بمشيخة الأزهر الشريف ينتقى العناصر الأزهرية من أبناء المحافظات من جامعة الأزهر بفروعها المختلفة أو المفتشين أو كبار الأئمة المحالين للتقاعد، شريطة ألا يكون له أى انتماءات فكرية متطرفة سواء كانت جهادية أو إخوانية أو سلفية، مضيفا إن هذه المراكز ستكون تحت سمع وبصر الأزهر، ما يؤدى بنا إلى نشر الفراغ الروحى والثقافة الأزهرية.
ونوه إلى أن هناك ما لا يقل عن 60 مركزاً للدعوة السلفية ذات فكر وهابى تم إنشاؤها منذ شهر من سوهاج إلى الاسكندرية تحت سمع وبصر وترخيص من وزارة الأوقاف، وأكد أن التعاون بين مصر والسعودية سياسياً واقتصاديًا على الرحب والسعة، لكن التعاون فكريًا مرفوض لأن التوافق الفكرى والمواءمة للفكر الوهابى خطر، ومرفوض شكلاً وموضوعاً لأنه أخطر من الإخوان والسلفية والصوفية، خاصة أن هناك سلفيين فى مصر محميون بالدولة وبواعث للتطرف.
وتابع: أحسنت وزارة التضامن صنعاً فى قرارها، وقال الفقهاء: «ما لا يتم الواجب إلا به هو واجب» وما أدى إلى الحرام فهو حرام، مشيرا إلى أن هناك مسئولاً قيادياً كبيراً فى الدولة الآن كان عضوا فى الجمعية الشرعية ومسئولاً عن تعيين الخطباء لكن بسبب التلون يجرى اجراءات ضدهم ليأخذ ثأراً سابقاً منهم.
أما الدكتور مختار مرزوق - عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والمدرس بمعهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بأسيوط - فيقول إن الإغلاق ليس حلاً لمواجهة الأفكار التكفيرية، لكن يمكن أن تظل المعاهد فى أداء رسالتها الدعوية كما هى، مع تغيير مناهجها بحيث يضعها علماء الأزهر بما يتوافق مع مناهجه، مشيراً إلى أن بعض المناهج التى تدرس فى تلك المعاهد التابعة للجمعيات لا تتوافق مع المنهج الأزهرى.
وأضاف إن المنتمين إلى هذه الجمعيات يفتون أحياناً بما يتوافق مع إخوان الفكر الظاهري، ويتوسعون فى التكفير والحكم بالبدعة، موضحاً أن هذه المعاهد إذا لم توافق مع المناهج الأزهرية وتخضع لها فالمفترض إلغاؤها تماماً،  لعدم إحداث البلبلة بين المصريين، كما هو حادث من بعض الغلاة المنتمين إلى تلك المعاهد، منوهاً إلى أن بعض المنتمين للمعاهد الأهلية أكدوا له أنهم لا يقتنعون بأى كلام يخرج من أزهرى، وأنهم يعبثون بعقول الشباب حتى يخرج بعقم فكرى.
وطالب وزير الأوقاف بالتوسع فى فتح معاهد إعداد الدعاة، والتوسع فى القبول حتى نرى شباباً كثيراً يتعلم الفكر الصحيح، موضحاً أنه من واقع تدريسه فى هذه المعاهد منذ أكثر من 10 سنوات كل من يدرس لهم يخرجون وهم محبون ومقتنعون بالفكر الأزهري، حتى إن أحدهم قال له يوماً: «لو أننى ظللت طوال عمرى لم أدخل تلك المعاهد لواصلت حياتى على حالى الأول من الجمود الفكري».
ونوه إلى ضرورة تعديل شروط الالتحاق بالمعاهد، وعدم اقتصارها على خريجى المؤهلات العليا فقط، بل السماح للحاصلين على المؤهلات المتوسطة أيضاً والشهادة الثانوية، لأننا فى حاجة شديدة إلى إصلاح ما أفسده المغالون حتى يكون له الأثر فى القضاء على أهل الغلو والتطرف.
ويقول ماهر فرغلى – الباحث الإسلامى والخبير فى شئون الحركات الإسلامية - إن قرار وزارة التضامن مهم لكنه لن يطبق فى كل الجمعيات الأهلية، خاصة أن كل المساجد ليست تابعة للأوقاف، أن أكثر من 5 آلاف مسجد لم تسيطر عليها وزارة الأوقاف حتى الآن، وأن الوزارة تتفاوض مع السلفيين فى بعض المساجد وتترك المعاهد لهم، خاصة أن الكثير من السلفيين هم أئمة، وحاصلون على شهادات أزهرية على رأسهم الدكتور ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية بالاسكندرية، موضحاً أنه ليس كل الجمعيات تخرج متطرفين والكثير منها يقدم أعمالاً خيرية.
وأشار إلى أن معاهد الفرقان السلفية فى الإسكندرية وطنطا وفى أغلب محافظات الجمهورية تخرج دعاة من التيارات السلفية، والكثير منهم سافروا وانضموا لتنظيمات إرهابية فى سوريا، منوهاً إلى أن كل العناصر السلفية تفضل دراسة العلوم الشرعية من معاهد الفرقان ومصرح بها قانونياً.
قيادى بالجمعية الشرعية - طلب عدم ذكر اسمه - أكد أن معاهد إعداد الدعاة بالجمعية الشرعية مغلقة بقرار من وزير الأوقاف، وعلى مدار العام الأخير كله لم تعمل المعاهد، وقرار الافتتاح ليس بيد الجمعية، وأن الإدارات المختصة بهذا الأمر لا تعمل حتى الآن، بل مكاتبها فارغة، مشيراً إلى أن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف له ثأر مع الجمعية الشرعية، منذ أن كان مسئولاً عن مراجعة مجلة «التبيان»  التابعة للجمعية، وحتى وصل إلى منصب الوكيل العلمى للجمعية، إذ كان حلمه وقتها أن يصل إلى الأمين العام للجمعية الشرعية ولم يصل، ونتيجة خلافات نشبت مع الوزير أدت إلى فصله من الجمعية لخلافات وقعت فى عام 2011.
وتابع: إن الوزير ضم أكثر من 4 آلاف مسجد تابع للجمعية على مستوى محافظات الجمهورية، ولا توجد لها أئمة حتى الآن..  ويقول الشيخ جابر طايع - رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف - إن الوزارة تملك  19  مركزاً ثقافياً بعد توقف معاهد إعداد الدعاة التابعة لجمعيتى أنصار السنة والجمعية الشرعية والمراكز الخاصة، وأكد أن القرار لا يمس العقيدة الدينية، أو يضيق على نشاط تحفيظ القرآن الكريم وتخريج الدعاة الذى يتم بالعلن فى مساجد وزارة الأوقاف، مشيراً إلى أن القرار شمل إلغاء تراخيص 96 معهداً لتخريج الدعاة، تتبع جهات منها الجمعية الشرعية، وجمعية أنصار السنة المحمدية، والدعوة السلفية، ودعوة الحق، وقال إنه تم إغلاق كل معاهد الدعاة التابعة لها والغاء جميع البروتوكولات معها..ويضيف «طايع»: إن هناك مركزاً لتحفيظ القرآن وتخريج الدعاة فى كل محافظة، وسيتم افتتاح 9 مراكز خلال الفترة المقبلة، وقرار الإغلاق جاء بعد مراجعة كل من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، مؤكداً أن القرار يخص الجمعيات التى تدير معاهد دينية غير مرخص لها من وزارة الأوقاف وتدرس مناهج غير معتمدة من الأزهر الشريف.