الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكلام الفارغ ضرورة ومتعة!

الكلام الفارغ ضرورة ومتعة!
الكلام الفارغ ضرورة ومتعة!




يكتب: رشاد كامل
وكأن الزمن لا يتغير، وكأن الأزمات والمشاكل تأبى الحل وترفض الرحيل، يمضى الزمن وتنقضى السنوات ونحن أسرى مشاكل وأزمات نلف وندور حولها حتى لو كانت مشاكل بسيطة..
لا تحتاج لكل هذا الكم من رغى الكتابة، ولت المؤتمرات وعجن الندوات!!
ولو عدت إلى صحافة مصر قبل خمسين أو سبعين أو حتى مائة سنة ستجدها مليئة وعامرة بمشاكل وأزمات لازلنا نتحدث فيها حتى اليوم وربما غدًا ولسنوات قادمة!!
ما أكثر ما تحدثت صحف زمان ومجلاتها عن ارتفاع الأسعار التى أصبحت لا تطاق!! كما تحدثت عن حوادث الطرق والموت على الأسفلت والإهمال فى المستشفيات، وجميع أشكال النصب والاحتيال التى يقع فيها البسطاء وكيف أن أحدهم اشترى ميدان العتبة!
وعلى مدى سنوات طويلة تنشر الصحف والمجلات آراء الخبراء والعلماء وأهل التخصص فى كيفية علاج الأزمة وحل المشكلة ورغم ذلك يبقى الحال على ما هو الحال!! وكأن لسان حال أى مسئول أو قارئ يقول: إنهم يقولون ويكتبون.. ماذا يقولون ويكتبون.. دعهم يقولون ويكتبون؟!
هات أى صحيفة أو مجلة صدرت قبل سنوات طويلة ولا تندهش إذا وجدتهم يتجادلون ويتناقشون ويتشاجرون حول أزمة الثقافة أو أزمة التعليم أو أزمة الجامعات أو مشكلة الدعم وكيفية وصوله إلى مستحقيه؟! وأزمة المرور وتكدس الشوارع والدروس الخصوصية والكتب الخارجية.. إلخ.
نفس الكلام فى نفس الموضوعات سواء كان عمرها سنة أو عمرها سبعين سنة..
ماذا تسمى هذا؟! هل هو متعة الكلام والسلام!! أو شهوة الكتابة والسلام؟! الكتابة والكلام لا تكلف صاحبها شيئًا أما تحويل الكلام والكتابة إلى فعل وعمل وإنجاز فهو يحتاج جهدًا وعرقًا ودموعًا وعقولاً مبدعة وقلوبًا صادقة تدمن العمل لا الكلام، تعشق البناء لا الشعارات المزوقة!!
وأظن أننا الشعب الوحيد فى العالم الذى لا يعترف بجهود من سبقه فى أى مجال ويحب أن يبدأ من أول وجديد!! ولأننا كذلك فما أكثر الوقت الذى يضيع والجهد المبذول بلا أى معنى أو طائل!!
والأموال المهدرة على الأبحاث والندوات والإفطار والغداء ثم مكافآت حضور الندوة أو المؤتمر!!
أقول هذا بمناسبة ندوات ومؤتمرات تعقد لمناقشة موضوعات من عينة «الأصالة المعاصرة فى الرياضة المصرية» أو «التنمية المستدامة من أجل الوصول للعالمية»، أو «آفاق قصيدة النثر وخروجها على بحور الشعر العربى» أو «حداثة التصنيع وتصنيع الحداثة فى ظل العولمة الكوكبية» وغيرها من موضوعات هرش المخ!!
أخشى أن أقول إننا نعشق الكلام الفارغ فى كل المواضيع سواء كانت جادة أو تافهة، يبدو أننا اكتشفنا كما اكتشف الأديب الكبير «إبراهيم عبدالقادر المازنى» أن الكلام الفارغ ضرورة للإنسان فى كل زمان ومكان!
فقد نشر المازنى مقالاً عن «الكلام الفارغ» بمجلة «الجديد» (عدد 18 فبراير سنة 1929) قال فيه:
«كنت إذا سئلت عن الأحاديث التى تدور فى المجالس بين الناس أو إذا عرضت مناسبة فكتبت عنها أقول إنها تافهة غثة وكان هذا منى غرورًا وجهلاً، فأما أنه غرور فلأنه يشعر السامع أو القارئ أن صاحب هذا الرأى أرقى من الناس وأسمى، وإما أنه فذلك ما لم أفطن إليه إلا منذ أيام!!
إن أحاديث المجالس التافهة الغثة الحافلة بالكلام الفارغ رياضة لازمة، ولهو ضرورى ،وتسرية لابد منها،  وكما أن الذى يطول جلوسه يحتاج إلى المشى «ليلين» كما يقول العامة، كذلك العقل تعوزه الراحة والترفيه!!
كذلك الإنسان جهده الجدى يخلف مقدارًا من الفتاتة (والتفه) ــ من التفاهة ــ يجب التخلص منه وقذفه وإلا وقف الذهن وأعياه أن يواصل عمله ويمضى فى جهده، وهذا «التفه» يخرج فى صور شتى عرقًا متصببًا أو كلامًا فارغًا!!
ويضيف المازنى: وصرت كلما تعبت من القراءة أو التفكير انصرف عن ذلك إلى حديث فارغ مع ابنى وزوجتى أو صاحب لى، فأرتد أنشط مما كنت وأقدر على العمل.
ما رأيكم دام فضلكم فى كلام «أستاذنا المازنى»!!