الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تخاريف قبل الصيام: أهلاً رمضان

تخاريف قبل الصيام: أهلا رمضان
تخاريف قبل الصيام: أهلا رمضان

يكتب: إيهاب كاملفضح الله «يوتيوب»، فهو دائما ما يعرى بشر وحكومات، ودولاً أمام شعوبها وأمام شعوب العالم كله، يكشف المستور، ينكد على السعيد، ويسعد المنكود، لقد تحولت هذه السلة العنكبوتية إلى فاترينة عرض خرافية، وبنورة سحرية للمعرفة العمومية، بعيدا عن تعقيدات الكهنة والمتنبئين القدامى، فقد غلب بحقائقه اليومية نبوءات «نوستراداموس» الذى ذاع صيته منذ قرون، ولما حاول وزير الدعاية النازى «جوبلز» أن يتحدى نبوءته بهزيمة ألمانيا، لم يجد إلا عرافًا آخر يدعى «كرافت»، حاول أن يستخدمه لإحداث تأثير عكسى على شعوب أوروبا، لكن الهزيمة حاقت ببلد الواقعية وفكر القوة، ولم يتمكن «جوبلز» من معرفة السبب الحقيقى للهزيمة، هل كانت النبوءة الميتافيزيقية؟ أم أخطاء السياسة النازية والفكر العنصري؟!  قبل أيام توقفت أمام «بنورة يوتيوب المستطيلة»، متأملا فى مشهدين كلاهما لزحام شديد، الأول لإناس تقف أمام مدخل فخم، لإحدى شركات الاستثمار العقارى التى قررت فتح باب الحجز لمشروع فيلات وشقق جديدة سعر الوحدة أكثر من 3 ملايين جنيه.. يا بلاش!!والثانى لمواطنين يشتبكون بالأيدى داخل مكان مغلق، ومكتوب أسفل الشاشة: «خناقة بين مواطنين من مختلف الطبقات للحصول على سلع من معرض «أهلا رمضان»!!زحام من البشر هيقطعوا بعضهم علشان كيلو رز، ومئات هيموتوا على حجز فيللا؟!!هكذا رأيت مصر فى هذه المرحلة العجيبة، كما لم يتخيلها «نوستر آداموس» ولا أى عراف آخر، شريحة صغيرة تطفو على السطح، وشرائح كثيرة تسقط فى بئر معدومى الدخل!لا عزاء للطبقة المتوسطة، فهى طبقة مهزومة ومرصودة للهم، لم يعد أمامها إلا أن ترفع شعار «جوعوا تصحو»، والجوع هنا ليس بمعناه الغذائى فقط، ولكن المجازى العام، فمصر مليئة بالخير، والخير ليس اللحوم والفراخ والسمك والسمن البلدى وكل أنواع الأكل تلك التى تسبب الأمراض وترفع الكولسترول (ربنا يبعد عنا وعنكم الشر خاصة مع ارتفاع أسعار الدواء). فلم يعد فى اليد حيلة، ولم يعد فى الجسد قدرة على الوقوف فى الطوابير أمام سيارات الشوارع التى تبيع السلع المخفضة، وكذلك لم يعد ما تبقى لدينا من كرامة يؤهلنا للخناق ودخول معركة على كيس رز أو فرخة كما حدث من أبناء الطبقة المتوسطة فى معرض «أهلا رمضان»، علينا الاستسلام والعودة لزمن الأجداد: زلعة مشّ على سطوح لم يعد متوفرا لسوء الحظ، وإلى جوارها عشة فراخ، وانتظار خيرات الغيطان التى ضاعت تحت مكعبات الأسمنت.المصيبة أن هذه الأحلام البسيطة التى كانت واقعا فى أزمنة الفقر والجهل والمرض، صارت صعبة المنال فى «زمن يوتيوب»، فلم تعد لدينا رفاهية امتلاك تلك الجبنة القديمة، ولا السطح، ولا الزلعة، وبالطبع لا الفراخ البلدي، ولا خضار الغيطان، ولا أيضا صحة زمان، ولا روقان بال، وقناعة نفوس زمان.قال لى صاحبى: شرفت يا عمدة، لقد أصبحت مثلنا، ولم يعد لديك إلا حلول أولاد المدن المعذبين على الأرصفة، أسجد شاكرًا كلما رأيت محلاً للفول والطعمية، إنها أهرامات البطن الخالدة.!قلت مستسلماً: فكرة برضه، إحنا داخلين على رمضان، وبعد الشهر الكريم ربنا يفرجها من عنده، جايز الرز يشاور عقله ويرجع لأهله بالراحة، والجفاف يختشى والمية تحن للترعة، وسد النهضة يرضى بقليله ويفك إيده عن رقبة النيل، واللحمة تظهر بعد غياب، والحكومة تعيّد على المواطن، وتصبّح عليه بفواتير واقعية للكهرباء والغاز، ويا سلام بقى لو التلاتة جنيه بتوع بطاقة التموين بقوا تلاتة دولار، و«فرخة» زيادة على المرتب أول شهر يوليو، كانت تبقى الحياة عنب، «إحنا هننهب»، خصوصا أن الصيف مش محتاج أكل كتير، بطيخة وحتة جبنة بتعمل شغل، وبالمرة ناخد سيلفى وإحنا بنضحك فى الصورة وبنقول: بطيييييييخ.بعد هذا الحوار حول أوضاعنا الاجتماعية التى تراجعت باغتنى سؤال: هل كرامة الإنسان أهم أم الفرخة؟ هل يمكن أن يتحمل المواطن الإهانة إذا فاز بزجاجة زيت؟أسئلة بايخة، تحولت إلى اختيار صعب فى زمن صعب، فالبلد التى كانت سلة من سلال غذاء العالم، والكل يطمع فى خيرها، صارت اليوم مهددة بعدم الحصول على لقمتها، ومخيرة بين الجوع وشد الحزام، أو الدخول فى معركة الطوابير المهينة.الصدفة قادتنى للجلوس إلى أحد كبار التجار فسألته فى سذاجة عن سبب الغلاء الشديد الذى نعيشه هذه الأيام فرد على بشجاعة مثيرة للدهشة: جشع التجار والمستوردين، فالكبار يتحكمون فى السوق ويسيطرون على كل شيء والدولة مش هنا، أقولك مثل بسيط، أنا مستورد حينما أريد التعاقد على شراء سلعة يتم الأمر قبلها بستة شهور، فلما يرتفع سعر الدولار، أرفع الأسعار تانى يوم، رغم أننى اشتريت بالسعر القديم، فى البداية كنت أخاف أن يحاسبنى أحد أو جهة، ولما لم أجد أحدا يحاسبني، فعلت ما هو أكثر من ذلك وأنا مطمئن، لأن الكل يفعل ذلك، وفى مقدمتنا الدولة نفسها، فالمواطن ضحية وكلنا نسرقه وننهش فى لحمه، وعارفين إنه مش هيقدر يعمل حاجة غير الخضوع، يعنى مثلا نوقف التوزيع ونعَطَّش السوق يومين تلاتة فى أى سلعة، وتخيل بقى سعرها هيوصل كام؟!تجمد لسانى ولم أنطق، فنظر إلى بدهشة، وقال: شكلك مستغرب، يا أستاذ الكل يتاجر بالبسطاء، والفقراء يدفعون الفاتورة دائما، فهم الذين يسددون كل الالتزامات، بينما الأغنياء يتمتعون بالإعفاءات، كبار البلد وأصحاب الفيلات والقصور ورجال الأعمال هم الأكثر حصولا على القروض والأراضى والامتيازات، والأقل تسديدا للضرائب وللأقساط المدينة وفواتير الدولة أيضا من غاز وماء وكهرباء، طب تصدق إن الحكومة والقطاع  الخاص مدينون  بـ 22 مليار جنيه لوزارة الكهرباء.نظرت للتاجر الصريح وأنا أهز رأسى من الأسى، وأردد بحزن ساخر: أهلا رمضان.