الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الحلقة الأخيرة ـ بالتفاصيل: «دوائر استخبارية أمريكية» تدعو لاحتواء «داعش».. بدلاً من إعلان الحرب عليه!

الحلقة الأخيرة ـ  بالتفاصيل: «دوائر استخبارية أمريكية» تدعو لاحتواء «داعش».. بدلاً من إعلان الحرب عليه!
الحلقة الأخيرة ـ بالتفاصيل: «دوائر استخبارية أمريكية» تدعو لاحتواء «داعش».. بدلاً من إعلان الحرب عليه!




دراسة يكتبها: هانى عبدالله

مع نهاية إبريل الماضي؛ انشغلت الأوساط الأمنية، والدبلوماسية الأمريكية بسجالٍ «صعب المضمون»، حول ما يجب أن تفعله «الولايات المتحدة الأمريكية» فى مواجهة الصعود المتزايد لما يعرف باسم «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش).. وهو سجال، بدت فى خلفيته (من دون تصريح) الرغبة فى الحفاظ على مكتسبات «السياسة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط»، بعد صعود نجم التنظيم، الذى أسهمت العديد من «دوائر واشنطن الاستخبارية» فى ظهوره من حيث الأصل (!)
إذ كتب فى ذلك الحين «ستيفن بيدل» (Stephen D. Biddle) خبير السياسات الدفاعية، وعضو مجلس العلاقات الخارجية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة «جورج واشنطن»، بالتعاون مع «جاكوب شابيرو» (Jacob N. Shapiro) أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة «برنستون»، مقالاً لافتًا فى مضمونه، بـ «ذى أتلنتك»، تحت عنوان: «لا يسع أمريكا فعل الكثير فى مواجهة داعش» (America Can’t Do Much About ISIS)، روجا خلاله (1) لضرورة أن تعمل «واشنطن» على احتواء تنظيم «الدولة الإسلامية» – بشكل عام - فى سياق الحفاظ على نهجها السياسى تجاه «القضية السورية» (!)، عبر طرح تساؤل مفاده: هل بقدرة «الولايات المتحدة» تدمير التنظيم (؟!)


.. وهو ما دفع «جيمس جيفري» (James Franklin Jeffrey)،  السفير السابق للولايات المتحدة بـ«تركيا» خلال الفترة من 2008م، حتى 2010م.. وبـ«العراق» خلال الفترة من 2010م، حتى 2012م؛ للرد عليهما بالمكان نفسه، تحت عنوان: «دمروا دولة داعش» (Destroy the ISIS State).. وقال «جيفري» فى مقاله (2):
تكمن المشكلة الأولى فى تحليل «بيدل، وشابيرو» فى كيفية تعريف الكاتبين لـ»تدمير تنظيم “داعش”»، إذ يقارنان بين المعركة «غير المتبلورة» ضد تنظيم “القاعدة” مع المعركة ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية”، ويناقشان كيفية اقتلاع جذور فكره الإرهابى وإصلاح المساحات غير المحكومة التى توفر ملاذًا له.. وقد أدى ذلك بهما إلى الخلط مرارًا بين تدمير تنظيم “داعش” بشكله الحالى كشبه دولة وبين المهمة الهائلة المتمثلة بحلّ «الحرب الأهلية السورية»، والانقسام بين السنة والشيعة فى العراق.. لكن.. إذا تمّ تعريف المهمة بشكل صحيح، لكان بإمكان الولايات المتحدة تدمير تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولا بدّ أن تفعل ذلك.
وأضاف: لا تعتمد هزيمة تنظيم “داعش” كدولة على إيجاد حلّ لسوريا كمشروع اجتماعى وتاريخى وثقافى ودينى وخاص بالحكم، ناهيك عن القيام بالشيء ذاته مع العراق. إذ يتغذى تنظيم “الدولة الإسلامية” على الصراعات فى كلا البلدين، ويجعل الوضع أسوأ فى كلّ منهما.
.. فهل من الممكن هزيمة تنظيم “داعش” كـ «دولة» وكـ «قوة» عسكرية واقتصادية؟ (أي: التعامل مع الجزء الذى يشكّل تهديدًا حقيقيًا؟)، من دون الاضطرار إلى حلّ الأزمتين السورية، والعراقية؟.. أو القضاء على “داعش” كمجموعة من الخلايا الإرهابية، أو كمصدر إلهام أيديولوجي؟
يتابع «جيفري»: بطبيعة الحال.. حتى لو تمّ تدمير تنظيم “داعش” كدولة، سنستمر فى مواجهة «الحرب الأهلية السورية».. لكننا فى تلك اللحظة، أصبح لدينا تنظيم يطرح تحدياته الخاصة داخل العمق الغربى (!).. وباعتراف الجميع؛ فإنّ تكاليف تدمير تنظيم “الدولة الإسلامية” كحركة أيديولوجية جهادية وفلوله المتمردة (أي: ما كان بالعراق قبل العام 2014م) - ناهيك عن «إصلاح» سوريا والعراق - عالية جدًا كما يذكر ذلك «بيدل، وشابيرو» مرارًا وتكررًا.. لكنّ.. هذه ليست «المهمة»، ولا ينبغى أن تكون.. إذ يجب أن تتمثل «المهمة» فى سحق تنظيم “داعش” كدولة، وكقوة عسكرية واقتصادية.. وهذا تحدٍّ مختلف، وأكثر استجابة بكثير للقوة العسكرية التقليدية.
ينبه «جيفري» فى مقاله (3) إلى أن «الولايات المتحدة» تعاملت - على الأقل -  فى بعض الأحيان، بشكل فعال مع «مشاكل مستقبلية» مماثلة، من دون حضور «كثيف» لقواتها، بدءًا من شمال العراق بعد حرب الخليج بالعام 1991م، ووصولاً إلى كوسوفو، والسلفادور، وكولومبيا.. فحتى «الوضع الفوضوي» الذى سيتبع (مرحلة «ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية»)؛ فهو أفضل من الاحتواء؛ نظرًا للأخطار، والتكاليف المحيطة بخيار الاحتواء.. وهذه هى الأمور التى يتجاهلها الكاتبان إلى حدّ كبير، وينبغى النظر فيها ومقارنتها بتكاليف تدمير دولة تنظيم “داعش”.
إذ تبدأ تكاليف الاحتواء بحملة عسكرية ضخمة، من حيث الوقت (مضى حوالى عامين حتى الآن، ولا تلوح نهاية فى الأفق)، والقوات (الآلاف من القوات البرية الأمريكية، ومساهمات كبيرة من التحالف، ومئات الآلاف من القوات النظامية العراقية والقوات غير النظامية العراقية والسورية)، والمال (7 مليارات دولار حتى الآن، مع المزيد من المليارات التى ينفقها العراقيون)، لمجرد «احتواء» تنظيم “الدولة الإسلامية” وإضعافه ببطء.
ويستطرد: فى الوقت الحالي.. يتسبب الحفاظ على القوات، والتعامل مع الملايين من المشردين داخليًا بإفلاس الدولة العراقية (و«حكومة إقليم كردستان») وتوليد الكثير من الاضطرابات السياسية.. وإذا بدأت هاتان الحكومتان بالانهيار، ستنهار معهما أى استراتيجية «احتواء».. فعادةً ما تتفاقم المشكلة، إذا لم يتم التعامل معها، خاصة فى «منطقة الشرق الأوسط».. فقد ولّد عدم التنبه لـ «الحرب الأهلية السورية» إلى قيام تنظيم «الدولة الإسلامية« فى نهاية المطاف، وأزمة الهجرة التى تجهد أوروبا، والتدخل الروسى المثير للقلق.
وإلى حين يتم تدمير تنظيم “داعش” كدولة، فسيستمر فى الحفاظ على إمكانية شن هجمات إرهابية مروعة، والتسبب بحدوث انهيار سياسى فى بغداد أو بين الأكراد العراقيين، بل ويؤدى أيضًا إلى الانزلاق نحو صراع إقليمى بين السنة والشيعة، إذا استهدفت إيران الشيعية تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبالتالى هددت أراضى العرب السنة التى يعشش فيها التنظيم. (وبإمكان فلول “داعش” الاستمرار فى التهديد بشنّ هجمات إرهابية، ولكن ليس بالحجم نفسه أو بالنتائج الجيواستراتيجية المماثلة).
ويقول: أخيرًا.. كانت حجج «بيدل، وشابيرو» ستبدو معقولة – أيضًا - لو قُدّمت ضدّ تدخل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى سوريا. ولكن بوتين مضى قدمًا، مع جزء من القدرات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية، وحقق نصرًا محدودًا بل مهم، وتجنّب «المستنقع» الذى توقعه الرئيس أوباما. وتقولون إنّ الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بذلك (؟!)
لم يكن – فى الحقيقة – ما ذكره كلٌ من «بيدل، وشابيرو» بعيدًا عن التوجه الأغلب داخل مؤسسات «القلب الصلب» بواشنطن، إذ ذهبت - خلال الفترة الماضية – تقديرات العديد من الدوائر الاستخبارية الأمريكية، إلى أن الإجهاز بشكل كامل على تنظيم «الدولة الإسلامية» سوف يكلف «البيت الأبيض» خسارة استراتيجية فى مواجهة نظام «بشار الأسد».. ومن ثمَّ.. كان ثمة تباطؤ ملحوظ، فى تنسيق جهودها الدولية لمواجهة «تنظيم الدولة» من حيث الأصل، والسماح له (أى للتنظيم)، بتوجيه ضربات «موجعة»، أو «نوعية» تنال من قدرات نظام الأسد (!)
وكانت النتيجة.. أنه فى 23 مايو الماضى (مايو 2016م)، قد شن تنظيم “الدولة الإسلامية” تفجيرات انتحارية فى كلٍ من: «طرطوس»، و«جبلة»؛ مما أسفر عن مقتل 154 شخصًا، وجرح أكثر من 300 آخرين.. إذ كانت تلك، هى «المرة الأولى»، التى تُستهدف فيها أيٌ من المدينتين (الساحليتين).
ووفقًا لـ«فابريس بالنش» (Fabrice Balanche)، مدير الأبحاث فى «جامعة ليون 2» (4): أصبح بإمكان تنظيم “الدولة الإسلامية” شن هجمات متزامنة من هذا النوع بكل سهولة... فمن خلال قيام تنظيم “الدولة الإسلامية” بشن هجماته الأخيرة، كان يسعى – فى المقابل - لتوجيه رسائل مختلفة؛ الأولى: للعلويين - إذ يريد التنظيم أن يُبيّن لهم أن «نظام الأسد» لا يتمكن من حمايتهم.. إذ لم يهاجم التنظيم المدن الساحلية القريبة من «بانياس»، و«اللاذقية»، اللتين تسكنهما جاليات سُنية كبيرة (!).. فمن المرجح أن يُفضل التنظيم  تجنب خطر وقوع إصابات كبيرة فى صفوف السنة هناك.
ويتابع: إن إرسال مثل هذه الإشارات العنيفة للعلويين، قد يكون لها العديد من التداعيات.. فمن المرجح أن يأمل قادة تنظيم “الدولة الإسلامية” بأن «الجنود العلويين»، الذين يخدمون فى المناطق «الساخنة» على الجبهة الشرقية (أي: فى «دير الزور»، و«تدمر»، على سبيل المثال)، سيرفضون القتال، إذا لم تُمنح حماية أفضل لأسرهم فى «طرطوس» وغيرها.. بيد، أن الرسالة (الأكثر أهمية)، كانت موجهة إلى «موسكو».. فـ»القاعدة البحرية» (الوحيدة) لروسيا فى سوريا، متواجدة فى «ميناء طرطوس».. فى حين تقع «جبلة» بالقرب من القاعدة الجوية الرئيسية لروسيا (!)
أما الرسالة «الأخيرة»؛ فهى موجهة إلى «الجماعات المتمردة» الأخرى.. فعلى الرغم من أن أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» وأساليبه – والقول لـ«فابريس» -  تختلف فى كثير من الأحيان عن تلك التى تتبعها مختلف الفصائل السورية المناهضة للأسد، إلا أنه لا يزال يريد أن يُعتبر بأنه زعيم الحرب ضد النظام السوري، وروسيا، والطائفة العلوية.. لذلك يسعى بكل جهد؛ لإظهار نفسه بأنه «أكثر فعالية»، و«أكثر قسوة» من «جبهة النصرة» (ذراع تنظيم «القاعدة»).. وهى الجبهة التى تنافسه – حاليًا - على هذا اللقب (!)
بشكل إجمالي.. تبدو قراءة الأحداث – فى ظل تصاعد عمليات «تنظيم الدولة» – وكأنها تسير (على خلاف ما تعلنه واشنطن)، فى سياق ما تريده «الولايات المتحدة الأمريكية» نفسها، خاصة فى مواجهة النظام السوري.. إذ يمكننا، هنا، استعادة عدد من النقاط «المحورية» التى توصلنا لها على مدار الحلقات السبع السابقة من الدراسة.. ومنها:
1 – لم تكن عملية إعادة انتشار «مقاتلى القاعدة الأجانب» فى بلاد الرافدين، فى أعقاب ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربي»، داخل بلدانهم الأصلية (ليبيا، وسوريا نموذجان) من قبيل المصادفة.
2 – تمت العديد من عمليات «إعادة التوطين» تلك، بمباركة ملحوظة من واشنطن، على خلاف ما تم إعلانه فى أكثر من مناسبة (زيارة «ماكين» لبنغازى نموذجًا).
3 – مَثّل إسقاط «النظام السوري» هدفًا رئيسيًا لسياسة «أوباما» الخارجية، منذ اشتعال أحداث الشرق الأوسط.. وأصبح «ضرورة استراتيجية» بالنسبة لإدارته مع بدء «ولايته الثانية» بالعام 2012م.
4 – باعتبار إسقاط «النظام السوري» ضرورة استراتيجية بالنسبة لإدارة أوباما؛ ظهرت توصية ساقتها «وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية» بالعام 2012م، تدعم إمكانية العمل (بشكل معلن، أو غير معلن) على تأسيس إمارة إسلامية سلفية (داعش) على المنطقة الحدودية الواقعة بين العراق، وسوريا؛ لعزل «نظام بشار الأسد» عن امتداداته الاستراتيجية (عرضنا نسخة ضوئية من الوثيقة، سابقًا).
5 – لم يكن السماح الأمريكى بنمو تنظيمات العنف الإسلامية، وإعادة توزيعها على دول المنطقة، سوى جزء رئيسى من استراتيجية عامة لتغيير أنظمة الشرق الأوسط، فى سياق مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذى وضعت بذرته الأولى إدارة بوش الابن (الجمهورية) بالعام 2004م.
6 – لم تتوقف تلك العملية على السماح بـ«النمو الذاتي» لتلك التنظيمات داخل المنطقة، فقط.. إذ امتّدت فى كثير من حلقاتها لعمليات تسليح مباشرة، كما أوضح العديد من الكتاب الأمريكيين البارزين (سيمور هيرش نموذجًا).. أو عمليات تدريب مباشرة لعناصرها تحت إشراف «وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية» (ويليام إنجدال نموذجًا).
7 – كانت مستهدفات تلك الاستراتيجية – فى أحد جوانبها – السماح بمد نفوذ واشنطن إلى منطقة «الشمال الإفريقى» (الفناء الخلفى لأوروبا، وفقًا للتصور الأمريكى)، بما يُمكن الولايات المتحدة بأن تكون شريكًا فى عمليات استنزاف الثروات البترولية لتلك المنطقة (ليبيا نموذجًا).


هوامش

(1) Stephen D. Biddle and Jacob N. Shapiro: (America Can’t Do Much About ISIS) - APR 20, 2016
.. ويمكن مراجعته على الرابط التالي:
      http://www.theatlantic.com/international/archive/2016/04/isis-containment-civil-war/478725/
(2) James Franklin Jeffrey : (Leave Root Causes Aside—Destroy the ISIS ‘State’) - APR 29, 2016  
.. ويمكن مراجعته على الرابط التالي:
      http://www.theatlantic.com/international/archive/2016/04/destroy-isis-as-state/480531/
(3) «جيمس جيفري» (مصدر سابق).
(4) Fabrice Balanche: (The Islamic State Is Targeting Syria>s Alawite Heartland – and Russia) - May 24, 2016, Policy Alert (washington institute).