سكين التدوين!
عبد الله كمال
من واشنطن
من كان يمكن أن يتخيل أن الولايات المتحدة يمكن أن تلقي القبض علي مدون.. وتتهمه بالتحريض علي القتل.. إذا كانت منظمات المجتمع المدني فيها.. وبعض جهات الإدارة.. تطرح تساؤلات منذ عهد بوش حتي الآن حول موقف 3 مدونين من الناحية القانونية؟
لقد كتبت بالأمس عن قضية (هال تيرنر).. الذي قادت مراقبة مدونته إلي الادعاء عليه بالتحريض علي قتل ثلاثة قضاة.. إذ قال إن شجرة الحرية يجب أن ترتوي بدمائهم!.. وهكذا أشرت إلي أن صحفًا كبيرة مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز تناقش بوضوح حدود حرية التعبير.. وهل هي مطلقة أم أن لها حدودًا؟
العقل والمنطق يقولان إن لحرية الرأي والحق في التعبير حدودًا.. وأنه لا يمكن أن يتم استخدام هذا الحق في الخروج عن القانون.. ونشر الكراهية والتحريض علي البغض.. المدون الأول الذي تتكلم عنه الولايات المتحدة مع مصر ليس مدونا بقدر ما تم ضبطه في اشتباه يتعلق بجرائم في جنوب سيناء.. والثاني مسلم يهين الأديان.. والثالث قبطي يهين العقائد.. الأول خارج نطاق حرية التعبير.. والثاني والثالث كذلك.
أنا شخصيًا كتبت هنا منذ فترة أطالب بمزيد من الحرية للمدونين.. التدوين خلق حالة مفعمة بالحيوية للكشف عن طاقات الناس حول العالم.. وقلت إنه لابد من التعامل بقدر من الانفتاح مع هذا الأسلوب الجديد في حرية الرؤية.. لكن إذا كان الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين قد كتب أن الانفتاح ليس سداح مداح.. وكان يقصد الانفتاح الاقتصادي.. فإنني جريًا علي نهجه أقول إن الانفتاح في التدوين ليس سداح مداح.. حتي ولو كان السعار هو حرية التعبير.
وقد كنت أظن أن مثل هذه المناقشات قد لا تجري في الولايات المتحدة التي تبيح زواج الشواذ في بعض الولايات.. أو في أوروبا التي تعطي الحق في انتقاد الأديان.. ما الحال إذن وقد أصبح النقاش مطروحًا في الصحف وعلي الرأي العام بسبب المحرض علي القتل هال تيرنر.
لا أظن أن مدونًا مصريًا يمكن أن يعلن موقفا مؤيدا للحق في حرية التعبير وصولاً إلي التهديد بالقتل.. ولا أعتقد أن بيننا من يقبل الترويج للجريمة عبر التدوين.. ولكن بعض المدونين يكتبون كلامًا قد يصل إلي حد الجريمة.. شتيمة علنية.. وألفاظ نابية.. وقبح لغوي منقطع النظير.. لكن هناك مدونات في المقابل لابد وأن نحترمها ونقدر القضايا التي تطرحها.
في الولايات المتحدة وكما يقول مسئول قانوني: القضية كل يوم هي كيف يمكن تحقيق التوازن بين الحق في حرية التعبير.. والحريات المدنية.. وبين التحقق من الأنشطة التي يمكن أن تقود إلي سلوك إجرامي.
إن الحرية الممنوحة من الدستور في مصر أو الولايات المتحدة لا يمكن المساومة عليها.. ولا يقبل أحد أن تكون محل نقاش.. والشباب يتميز بالنهم وهو يمارس الأشكال الجديدة من حرية التعبير.. التدوين قد يكون نوعًا من التظاهر السياسي.. أي نوعًا من ممارسة الحرية في تسجيل الرأي.. ولكن من قال إن المظاهرات يمكن ألا تلتزم بالقواعد التي تضعها كل الدول للتنظيم ومنع الفوضي.
وإذا كانت المناقشات الصحفية في الولايات المتحدة قد بلغت هذا الحد خلال الأيام الأخيرة.. فإن هذا لا يجب أن يمنع حق المجتمع المصري في أن يناقش بدوره حدود حرية التدوين.. وهل يجب أن يصبح شكلاً من أشكال الكتابة خلف أبواب الحمامات ودورات المياه العمومية.. أم أنه قد يكون وسيلة للمطالبات الحقوقية المحترمة.. وآلية لنشر الأفكار المختلفة.. وطريقة لطرح قضايا شبابية منوعة.. وأسلوبًا لكشف المواهب والقدرات؟
ببساطة يمكنه أن يكون كذلك.. فلا أحد يريده أن يكون سكينا للقتل أو نشر الفتنة وما يثير التوتر الطائفي أو التحريض علي العنف.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]