الشيخ والقطة!
عبد الله كمال
يعتقد بعض المشايخ أن السماء قد صرفت لهم عباد الله في رمضان.. يفعلون بهم ما يشاءون.. لا سيما أن العباد يكونون في حالة إيمانية ورعة.. ومرهقين بفعل الصوم.. الكثير منهم وضع عقله جانبا.. ويسلم آذانه لشيوخ الشاشات.. هذا يعبئ فيها ما يريد.. وذاك يحفر فيها بجاروف ويقرر أن يضيف من عنده بضاعة مختلفة.
أكثر ما يغيظني في تلك الأيام.. وأنا أشهد تلك الحالة تتصاعد لحظة بعد الأخري.. هو أنك تجد كثيرًا من هؤلاء المشايخ قد تخلي عن تواضع مفترض وتملكته حالة من العلياء الغامض.. وغرور امتلاك الحقيقة المطلقة.. ومن المذهل أن هذا يأتيه وهو يتحدث في أمر دنيوي.. لا علاقة له بنص من الدين.. وكل ما يقوله ليس سوي نظرية يتبناها سيادته في الحياة.. وتتساءل: كيف ينسي هؤلاء الناس عبارة "الله أعلم".. وهي حصن رائع يحمي الجميع من غرور واختيال؟
سأذكر لك مثلين.. أولهما أخف وطأة من ثانيهما.. وشاهدتهما بالصدفة في يوم واحد.
رجل أعمال ورع ومعروف بالسيرة الطيبة، بني مسجدا كبيرا في بلده، دعا إليه المشايخ وكبار القوم لكي يفتتحه، ورأت إحدي القنوات أن عليها أن تجامله بذكر مناقبه.. ليس في هذا عيب.. الرجل بالفعل لا يزايد وهو صاحب أفعال طيبة كثيرة.. ولكن كاميرا القناة صادفت شيخا كبيرا معروفا وطلبت منه تعليقًا.. فقال بكل خيلاء: لقد بني الله لهذا الرجل بيتا في الجنة، أقولها بكل ثقة.. له بيت في الجنة!!
قد أفهم أن الشيخ يقول إن من أفضال بناء المساجد كذا وكذا.. وأن الحديث يقول هذا وذاك عن بناء بيوت الله.. ولكن أن يظهر علي الناس ليجزم بتلك المسألة كما لو أنه قد جاءه الخبر من السماء.. فهذا ما لا يمكن فهمه.. وما لا ينسيني أن أقول إنني كنت سأقدر فعل الحاج رجل الأعمال باني المسجد لو أنه أنفق المال علي بناء بضع وحدات سكنية لعدد من الشباب.
المهم، الواقعة الثانية، مختلفة قليلا.. شيخ معروف بأسلوبه الساخر.. ونكاته التي توحي لك بأنك في مقهي أكثر من كونك تتابع برنامجًا تليفزيونيا في شئون الدين.. كان يتكلم عن الاحتشام.. وعن ملابس النساء.. وما وصفه بأنه عري عام في المجتمع.. وفجأة وعلي سبيل التنكيت قال: والواحدة من دول تقولك.. أنا كده.. غض أنت البصر.. الله.. كيف يكون هذا.. المرأة عليها أن تخفي وتستر.. القط إذا وجد قطعة لحم ماذا يفعل سوي أن يهجم عليها.. لو أننا أخفينا منه قطعة اللحمة ما ارتكب جرمه.
عند هذا الحد من الكلام كدت افطر.. علي الرغم من ان دقائق كانت تفصلنا عن موعد الغروب.. ما هذا "العك" يا شيخ.. قط ايه ولحم ايه.. افهم انك تحض علي الفضيلة والاحتشام.. ولكن ما هي تلك الفلسفة التي تروجها بين الناس.. وكيف يستقيم الامر ببناء العلاقة بين الرجل والمرأة علي أساس انه قط وانها قطعة لحم.
مشكلة هذا الرجل ليست في فهمه للدين.. ولكن في انه يعكس من فهمه للحياة علي ما يروج به بين الناس مقولات الدين.. فهم يقوم علي أن المرأة هي اساس الغواية.. وانها حين تحبس وتسجن سوف يكون العالم طاهرا عفيفا.. سواء كان هذا الحبس داخل نقاب او وراء استار من الغياب.. مشكلته انه شخصيا مقتنع بأن الرجل لا يقع في الخطيئة الا بسبب اغواء المرأة.. وهي نظرية قديمة تقوم علي اساس ان القط كان طائرا مسكينا لولا ان حواء قد انبتت له اظافر واسنانًا للنهش.
طيب اذا كانت المرأة هي سر الغواية وسببها.. ما رأيك لو ان رجلا تجول في الشارع عاري الصدر.. ملتزما بالزي الشرعي الساتر لما بين سرته وحتي ركبتيه.. واعجبت به بعض النساء.. واستثارت هيئته اخريات.. رغم انه ملتزم ورغم انهن محتشمات بمقاييسك.. هل يكون في هذه الحال الرجل هو قطعة اللحم والمرأة هي القط؟ يا شيوخنا الاعزاء لا تستغلوا رمضان في لغو يبعد بالناس عن قضايا حياتهم.. وامعنوا النظر فيما تقولون.. وادركوا ان عقول الناس ليست لعبة صرفتها لكم السماء.. وانه سوف يأتي وقت يستطيع فيه التنوير ان يحرر الناس من هذا الذي يقوله بعضكم بكل غرور.
الموقع الإليكتروني: ten.lamakba.www
البريد الإليكتروني: ten.lamakba@kba