ثواب بالعافية !
عبد الله كمال
أقام أحدهم مائدة للرحمن علي أحد الطرق الفرعية بين المراكز في منطقة بالدلتا.. فلما انطلق المدفع معلنًا موعد الإفطار.. ورفع الأذان لصلاة المغرب.. كان أن أزعجه أن أحداً لايقف لكي يتناول الطعام.. السيارات تجري مسرعة في اتجاه مقاصدها لكي تلحق بوجبة الإفطار.. فما كان منه إلا أن وقف بعرض الطريق مستوقفًا الناس.. لكي يأكلوا بالعافية!
ليس وحده الذي يفعل ذلك.. الراغبون في نيل الثواب والحسنات علي حساب الطريق العام.. يستوقفون غيرهم في طرقات داخل المدن وخارجها.. لكي يعطوهم بالإجبار حبة تمر أو كوب عصير أو عرقسوس.. اشرب.. لابد أن تشرب.. لكي يكسب من قرر أن يفعل هذا ثوابه.
تلك مهمة عجيبة يكلف بها بعض الناس أنفسهم.. في شهر رمضان.. ظنًا منهم أنهم بذلك يمكن أن يكونوا قد فعلوا خيراً.. وأفطروا صائمًا.. ونالوا مثل أجره.. ولا أعتقد أن الحديث الشريف الذي نص علي تلك السنة كان يقصد أن علينا أن نجبر الناس ونعطل الطرق.. ونأمر الناس بأن يفطروا من عملنا.. لكي نحصل علي الأجر الموعود.
يتأفف الناس ولايعجبهم الأسلوب البلطجي ــــ حتي لو كان حسن النية ـــ فلا يقفون.. ومن ثم تجد من يرمي عليك في السيارة رغيف خبز.. أو كيس تمر.. سواء وقع في حجرك.. أو أصاب طفلك في عينه.. المهم أنه تخلص من عبء كلف به ذاته.. وقرر أن يقوم به.. وعليك أن تتحمل.
مثل تلك الأفعال الغريبة، التي تمثل في أحد أوجهها الرغبة في فعل الخير، وفي وجهها الثاني تدخلاً في حياة المؤمنين، هي عنوان نوع من الهوس بالدين.. نلاحق به أنفسنا ونلاحق به الآخرين.. نظن أننا به إنما نتقرب إلي الله في حين أننا نبعد به وبين الناس عن قضاء حوائجهم.. فهم في نهاية الأمر لم يخرجوا في هذا الوقت إلي الطريق (بالسيارات) لكي يتسولوا الإفطار.. ولو أرادوه لوقفوا بمحض إراداتهم وطلبوه.. بدلاً من أن ينالوه قسراً.
الله أعلم بمن يفعل ذلك.. أهو مؤمن مخلص.. أم أنه يغسل سيرته أمام أهل حيه.. أهو راغب بالفعل في نيل الأجر والثواب.. أم أنه ينفس عن طاقة عدوانية دفينة يريد من خلالها إجبار الناس لسطوته ولو كانت تحت شعار إفطار صائم؟.. أيا ما كان فإن تلك ليست هي الطريقة التي يمكن أن يتقرب بها العباد إلي الواحد القهار.
هذا الفعل القسري هو شاكلة أفعال أخري يومية.. لايشترط أن تراها في شهر رمضان وحده.. من أولئك الذين يظنون أنهم الأوصياء علي تطبيق الدين.. من يتكلم في زي جارته أو زميلته خلف شعارات الدين هو متدخل في شئونها وفي العلاقة بينها وبين ربها.. من يصر علي أن يرفع الأذان ويقيم الصلاة بأعلي صوت مكبر متاح له في عز الفجر.. هو متدخل آخر في حياة المواطنين سواء أرادوا أن يصلوا في المسجد.. أو لعلهم صلوا في بيوتهم.. وذاك الذي يصادفك في وسيلة نقل عام فتجده يمر عليك ويوزع كتبًا إرشادية هو بدوره يعتبر نفسه وصيا عليك ويريد إبلاغك برسالة الله أعلم بمضمونها.
والأمثلة كثيرة، وتعبر عن خلط في الأدوار، وعن رغبة في فرض العقيدة علي الآخر، فلو كان من عقيدة أخري.. أنت تريد استقطابه إلي عقيدتك.. ومن ينتمي إلي عقيدتك نفسها أنت تريد أن تقول له إنك أفضل منه.. وإنه يمكنك أن تتقدم عليه بفعل رأيت أنه الأصوب.
لم يعلمنا ديننا أننا أوصياء علي الناس.. ولم يقل لنا إن من حق بعض الأفراد أن يشكلوا مجلسًا للوصاية علي بقية أهل البلد.. والمشكلة تكمن في تعليم الدين في هذا الوطن.. نحن نلقنه للناس بحيث نحول كل منهم إلي مبشر به.. ومروج لدعوته.. وناصح بأفكاره.. في حين أن كل من يتصدي للنصح قد يكون أبعد ما يكون عن جدارته.. لماذا لايكون كل منا في حاله ويترك البشر لعلاقتهم مع ربهم.. يحاسبهم هو عما فعلوه بدون تدخل منا.
الموقع الإليكتروني: ten.lamakba.www
البريد الإليكتروني: [email protected]