الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثواب بالعافية !




 أقام أحدهم مائدة للرحمن علي أحد الطرق الفرعية بين المراكز في منطقة بالدلتا‮.. ‬فلما انطلق المدفع معلنًا موعد الإفطار‮.. ‬ورفع الأذان لصلاة المغرب‮.. ‬كان أن أزعجه أن أحداً‮ ‬لايقف لكي يتناول الطعام‮.. ‬السيارات تجري مسرعة في اتجاه مقاصدها لكي تلحق بوجبة الإفطار‮.. ‬فما كان منه إلا أن وقف بعرض الطريق مستوقفًا الناس‮.. ‬لكي يأكلوا بالعافية‮!‬

ليس وحده الذي يفعل ذلك‮.. ‬الراغبون في نيل الثواب والحسنات علي حساب الطريق العام‮.. ‬يستوقفون‮ ‬غيرهم في طرقات داخل المدن وخارجها‮.. ‬لكي يعطوهم بالإجبار حبة تمر أو كوب عصير أو عرقسوس‮.. ‬اشرب‮.. ‬لابد أن تشرب‮.. ‬لكي يكسب من قرر أن يفعل هذا ثوابه‮.‬

تلك مهمة عجيبة يكلف بها بعض‮ ‬الناس أنفسهم‮.. ‬في شهر رمضان‮.. ‬ظنًا منهم أنهم بذلك يمكن أن يكونوا قد فعلوا خيراً‮.. ‬وأفطروا صائمًا‮.. ‬ونالوا مثل أجره‮.. ‬ولا أعتقد أن الحديث الشريف الذي نص علي تلك السنة كان يقصد أن علينا أن نجبر الناس ونعطل الطرق‮.. ‬ونأمر الناس بأن يفطروا من عملنا‮.. ‬لكي نحصل علي الأجر الموعود‮.‬

يتأفف الناس ولايعجبهم الأسلوب البلطجي ــــ حتي لو كان حسن النية ـــ فلا يقفون‮.. ‬ومن ثم تجد من يرمي عليك في السيارة رغيف خبز‮.. ‬أو كيس تمر‮.. ‬سواء وقع في حجرك‮.. ‬أو أصاب طفلك في عينه‮.. ‬المهم أنه تخلص من عبء كلف به ذاته‮.. ‬وقرر أن يقوم به‮.. ‬وعليك أن تتحمل‮.‬

مثل تلك الأفعال الغريبة،‮ ‬التي تمثل في أحد أوجهها الرغبة في فعل الخير،‮ ‬وفي وجهها الثاني تدخلاً‮ ‬في حياة المؤمنين،‮ ‬هي عنوان نوع من الهوس بالدين‮.. ‬نلاحق به أنفسنا ونلاحق به الآخرين‮.. ‬نظن أننا به إنما نتقرب إلي الله في حين أننا نبعد به وبين الناس عن قضاء حوائجهم‮.. ‬فهم في نهاية الأمر لم يخرجوا في هذا الوقت إلي الطريق‮ (‬بالسيارات‮) ‬لكي يتسولوا الإفطار‮.. ‬ولو أرادوه لوقفوا بمحض إراداتهم وطلبوه‮.. ‬بدلاً‮ ‬من أن ينالوه قسراً‮.‬

الله أعلم بمن يفعل ذلك‮.. ‬أهو مؤمن مخلص‮.. ‬أم أنه يغسل سيرته أمام أهل حيه‮.. ‬أهو راغب بالفعل في نيل الأجر والثواب‮.. ‬أم أنه ينفس عن طاقة عدوانية دفينة يريد من خلالها إجبار الناس لسطوته ولو كانت تحت شعار إفطار صائم؟‮.. ‬أيا ما كان فإن تلك ليست هي الطريقة التي يمكن أن يتقرب بها العباد إلي الواحد القهار‮.‬

هذا الفعل القسري هو شاكلة أفعال أخري يومية‮.. ‬لايشترط أن تراها في شهر رمضان وحده‮.. ‬من أولئك الذين يظنون أنهم الأوصياء علي تطبيق الدين‮.. ‬من يتكلم في زي جارته أو زميلته خلف شعارات الدين هو متدخل في شئونها وفي العلاقة بينها وبين ربها‮.. ‬من يصر علي أن يرفع الأذان ويقيم الصلاة بأعلي صوت مكبر متاح له في عز الفجر‮.. ‬هو متدخل آخر في حياة المواطنين سواء أرادوا أن يصلوا في المسجد‮.. ‬أو لعلهم صلوا في بيوتهم‮.. ‬وذاك الذي‮ ‬يصادفك في وسيلة نقل عام فتجده يمر عليك ويوزع كتبًا إرشادية هو بدوره يعتبر نفسه وصيا عليك ويريد إبلاغك برسالة الله أعلم بمضمونها‮.‬

والأمثلة كثيرة،‮ ‬وتعبر عن خلط في الأدوار،‮ ‬وعن رغبة في فرض العقيدة علي الآخر،‮ ‬فلو كان من عقيدة أخري‮.. ‬أنت تريد استقطابه إلي عقيدتك‮.. ‬ومن ينتمي إلي عقيدتك نفسها أنت تريد أن تقول له إنك أفضل منه‮.. ‬وإنه يمكنك أن تتقدم عليه بفعل رأيت أنه الأصوب‮.‬

لم يعلمنا ديننا أننا أوصياء علي الناس‮.. ‬ولم يقل لنا إن من حق بعض الأفراد أن يشكلوا مجلسًا للوصاية علي بقية أهل البلد‮.. ‬والمشكلة تكمن في تعليم الدين في هذا الوطن‮.. ‬نحن نلقنه للناس بحيث نحول كل منهم إلي مبشر به‮.. ‬ومروج لدعوته‮.. ‬وناصح بأفكاره‮.. ‬في حين أن كل من يتصدي للنصح قد يكون أبعد ما يكون عن جدارته‮.. ‬لماذا لايكون كل منا في حاله ويترك البشر لعلاقتهم مع ربهم‮.. ‬يحاسبهم هو عما فعلوه بدون‮ ‬تدخل منا‮.‬

الموقع الإليكتروني‮: ten.lamakba.www
البريد الإليكتروني‮:‬ [email protected]