السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بيان جريء!




لا يعرف أحد بالطبع أن وزارة الخارجية،‮ ‬وكنتيجة لتوابع أزمة اختطاف الصيادين،‮ ‬قد استدعت ما لا يقل عن‮ ‬20‮ ‬مصرياً‮ ‬في مناطق مختلفة من الصومال‮.. ‬انقطع عيشهم‮.. ‬وتأجلت عودتهم هناك‮.. ‬لأنه وجهت إليهم تحذيرات بعدم مواصلة العمل القانوني الذي يمارسونه في إطار الصندوق الفني المصري للتعاون الأفريقي‮.. ‬خوفاً‮ ‬علي حياتهم‮.. ‬وحتي لا يختطفهم أحد من المجرمين هناك انتقاماً‮ ‬لاستحواذ مصر علي مجموعة من القراصنة أثناء عملية تحرير الصيادين‮.‬ والمصريون العائدون هم إما أطباء أو فنيون أو يقومون بأعمال في إطار الصندوق‮.. ‬وقد قام السفير المصري في‮ (‬بونت لاند‮) ‬بهذا الإجراء الاحتياطي‮.. ‬في إطار مهماته‮.. ‬وكان يمكن أن يساءل سياسياً‮ ‬لو أنه لم يفعل‮.. ‬في ضوء أن هؤلاء سافروا إلي هناك في إطار عمل وزارة الخارجية‮.‬

أذكر هذا في سياق الإشادة ببيان جريء وصريح أصدرته وزارة الخارجية أمس الأول،‮ ‬علي لسان متحدثها الرسمي السفير حسام زكي،‮ ‬بخصوص المتداول بشأن عملية تحرير الصيادين‮.. ‬وهو جريء لأنه أقر بأن الخارجية لم تنسب لنفسها جهداً‮ ‬في عملية التحرير‮.. ‬وقالت إنها لم تقل ذلك‮.. ‬منهية بهذا جدلاً‮ ‬لا لزوم له حول أدوار الجهات المعنية‮.. ‬يغطي علي قدر هائل من التعاون بين المؤسسات المصرية التي ليس عليها أن تعلن كل يوم كيف تعمل وما هي الطريقة التي تقوم بها بمهامها‮.. ‬وما دور الخارجية وما دور المخابرات‮.. ‬بينما يظن البعض أن هناك تنافساً‮ ‬أو‮ ‬غيره‮.. ‬وهو كلام‮ ‬غير صحيح علي الإطلاق‮.‬

وهو بيان جريء،‮ ‬لأنه تكلم بصراحة عن المسئولية الفردية التي تقع علي كاهل الأشخاص حين يتحركون خارج البلد‮.. ‬وما الواجبات المنوطة بالمؤسسات‮.. ‬وما الأعباء التي علي الأشخاص أن يتحملوها‮.. ‬إذ فيما كانت عواطف الفرحة تخالج الجميع لعودة الصيادين نسي هذا الجميع أنه لم يكن علي أولئك الصيادين ومن يشغلهم أن يلقوا بأنفسهم إلي التهلكة‮.‬

إن الكثيرين يتجاهلون التحذيرات التي تصدر عن وزارة الخارجية من حين لآخر بخصوص السفر إلي مناطق الخطر‮.. ‬وهي تحذيرات لها سياق قانوني‮.. ‬ومبررات واضحة‮.. ‬ولا تصدر للتسلية‮.. ‬وتوجب الالتزام‮.. ‬فمن لم يلتزم فإنه يتحمل بالدرجة الأولي عبء مغامرته‮.. ‬وأعتقد أن الكثيرين لا يعرفون أن مراكب الصيد التي تغادر المياه الإقليمية إلي المياه المفتوحة إنما تكون قد وقعت إقرارات لخفر السواحل بأنها تقوم بالسفر إلي الخارج علي مسئولية أصحابها‮.‬

وكما كتبت‮ »‬روزاليوسف‮« ‬من قبل فإن المشكلة لا تتعلق فقط بموضوع القراصنة الذي لا يتوقع له أن ينتهي‮.. ‬وإنما أيضا بأن تلك المراكب إنما تخوض مغامرات في شواطئ دول شقيقة وجارة لكي تنعم بصيد وفير لا تتيحه لها الأوضاع القانونية‮.. ‬فهي تدخل إلي المياه الإقليمية للدول بالمخالفة للقانون الدولي ومن حين إلي آخر يتم إلقاء القبض علي سفن ومن عليها ومحاكمتهم في اليمن وإثيوبيا وإريتريا وغيرها‮.. ‬وتتدخل الدولة وتبدأ عمليات التفاوض‮.. ‬وتحدث تدخلات علي مستوي عالٍ‮ ‬جداً‮.. ‬لأن صاحب مركب قد أراد أن يكسب أكثر‮.. ‬ويغامر بمركبه ومأجوريه‮.‬

وتثور في تلك الوقائع أمور تتعلق بمسألة دفع التعويضات لافتداء المختطفين من خاطفيهم،‮ ‬ويتطوع الكثيرون بالقول إن علي الدولة أن تدفع لكي تحرر الضحايا‮.. ‬وهذا كلام فيه جدل كبير‮.. ‬ليس فقط لأنه لا يوجد بند في الميزانية العامة ينص علي دفع مثل تلك الفدية‮.. ‬ولكن أيضاً‮ ‬لأن كل عمليات دفع الفدية التي دفعت لتحرير مخطوفين ـ في مصر أو‮ ‬غيرها ـ دفعتها الشركات وجهات الأعمال التي يعود إليها المختطفون‮.‬

الناقلة البترولية الكبيرة السعودية حررت لأن شركة أرامكوا هي التي دفعت فديتها‮.. ‬وفي واقعة اختطاف مصرية قريبة كانت شركة عملاقة هي التي دفعت الفدية‮.. ‬وحين اختطف مهندسو شركة أوراسكوم في العراق كانت هي بدورها التي دفعت الفدية لمن اختطفوهم‮.. ‬بغض النظر عمن يقول إن من‮ ‬تصدي لتحريرهم كان هو الذي دبر عملية اختطافهم‮.‬

إن للمغامرة ثمنها‮.. ‬ولا يكلف الله مؤسسة إلا ما بوسعها‮.. ‬وهو ـ أي‮ ‬مابوسعها ـ له حدود قانونية‮.. ‬ويقوم علي أسس تعامل دولية‮.. ‬وللخارجية أن تتبع العمل بالاتصالات والعلاقات والإقناع السياسي ولغيرها أدوار أخري‮.. ‬والأهم أن علي من يضعون أنفسهم في طريق الاختطاف أعباء يجب أن يتحملوها قبل أن يختطفوا أصلاً‮.‬

الموقع الإليكتروني‮:‬   www.abkamal.net
 البريد الإليكتروني‮:‬  [email protected]