بيان جريء!
عبد الله كمال
لا يعرف أحد بالطبع أن وزارة الخارجية، وكنتيجة لتوابع أزمة اختطاف الصيادين، قد استدعت ما لا يقل عن 20 مصرياً في مناطق مختلفة من الصومال.. انقطع عيشهم.. وتأجلت عودتهم هناك.. لأنه وجهت إليهم تحذيرات بعدم مواصلة العمل القانوني الذي يمارسونه في إطار الصندوق الفني المصري للتعاون الأفريقي.. خوفاً علي حياتهم.. وحتي لا يختطفهم أحد من المجرمين هناك انتقاماً لاستحواذ مصر علي مجموعة من القراصنة أثناء عملية تحرير الصيادين. والمصريون العائدون هم إما أطباء أو فنيون أو يقومون بأعمال في إطار الصندوق.. وقد قام السفير المصري في (بونت لاند) بهذا الإجراء الاحتياطي.. في إطار مهماته.. وكان يمكن أن يساءل سياسياً لو أنه لم يفعل.. في ضوء أن هؤلاء سافروا إلي هناك في إطار عمل وزارة الخارجية.
أذكر هذا في سياق الإشادة ببيان جريء وصريح أصدرته وزارة الخارجية أمس الأول، علي لسان متحدثها الرسمي السفير حسام زكي، بخصوص المتداول بشأن عملية تحرير الصيادين.. وهو جريء لأنه أقر بأن الخارجية لم تنسب لنفسها جهداً في عملية التحرير.. وقالت إنها لم تقل ذلك.. منهية بهذا جدلاً لا لزوم له حول أدوار الجهات المعنية.. يغطي علي قدر هائل من التعاون بين المؤسسات المصرية التي ليس عليها أن تعلن كل يوم كيف تعمل وما هي الطريقة التي تقوم بها بمهامها.. وما دور الخارجية وما دور المخابرات.. بينما يظن البعض أن هناك تنافساً أو غيره.. وهو كلام غير صحيح علي الإطلاق.
وهو بيان جريء، لأنه تكلم بصراحة عن المسئولية الفردية التي تقع علي كاهل الأشخاص حين يتحركون خارج البلد.. وما الواجبات المنوطة بالمؤسسات.. وما الأعباء التي علي الأشخاص أن يتحملوها.. إذ فيما كانت عواطف الفرحة تخالج الجميع لعودة الصيادين نسي هذا الجميع أنه لم يكن علي أولئك الصيادين ومن يشغلهم أن يلقوا بأنفسهم إلي التهلكة.
إن الكثيرين يتجاهلون التحذيرات التي تصدر عن وزارة الخارجية من حين لآخر بخصوص السفر إلي مناطق الخطر.. وهي تحذيرات لها سياق قانوني.. ومبررات واضحة.. ولا تصدر للتسلية.. وتوجب الالتزام.. فمن لم يلتزم فإنه يتحمل بالدرجة الأولي عبء مغامرته.. وأعتقد أن الكثيرين لا يعرفون أن مراكب الصيد التي تغادر المياه الإقليمية إلي المياه المفتوحة إنما تكون قد وقعت إقرارات لخفر السواحل بأنها تقوم بالسفر إلي الخارج علي مسئولية أصحابها.
وكما كتبت »روزاليوسف« من قبل فإن المشكلة لا تتعلق فقط بموضوع القراصنة الذي لا يتوقع له أن ينتهي.. وإنما أيضا بأن تلك المراكب إنما تخوض مغامرات في شواطئ دول شقيقة وجارة لكي تنعم بصيد وفير لا تتيحه لها الأوضاع القانونية.. فهي تدخل إلي المياه الإقليمية للدول بالمخالفة للقانون الدولي ومن حين إلي آخر يتم إلقاء القبض علي سفن ومن عليها ومحاكمتهم في اليمن وإثيوبيا وإريتريا وغيرها.. وتتدخل الدولة وتبدأ عمليات التفاوض.. وتحدث تدخلات علي مستوي عالٍ جداً.. لأن صاحب مركب قد أراد أن يكسب أكثر.. ويغامر بمركبه ومأجوريه.
وتثور في تلك الوقائع أمور تتعلق بمسألة دفع التعويضات لافتداء المختطفين من خاطفيهم، ويتطوع الكثيرون بالقول إن علي الدولة أن تدفع لكي تحرر الضحايا.. وهذا كلام فيه جدل كبير.. ليس فقط لأنه لا يوجد بند في الميزانية العامة ينص علي دفع مثل تلك الفدية.. ولكن أيضاً لأن كل عمليات دفع الفدية التي دفعت لتحرير مخطوفين ـ في مصر أو غيرها ـ دفعتها الشركات وجهات الأعمال التي يعود إليها المختطفون.
الناقلة البترولية الكبيرة السعودية حررت لأن شركة أرامكوا هي التي دفعت فديتها.. وفي واقعة اختطاف مصرية قريبة كانت شركة عملاقة هي التي دفعت الفدية.. وحين اختطف مهندسو شركة أوراسكوم في العراق كانت هي بدورها التي دفعت الفدية لمن اختطفوهم.. بغض النظر عمن يقول إن من تصدي لتحريرهم كان هو الذي دبر عملية اختطافهم.
إن للمغامرة ثمنها.. ولا يكلف الله مؤسسة إلا ما بوسعها.. وهو ـ أي مابوسعها ـ له حدود قانونية.. ويقوم علي أسس تعامل دولية.. وللخارجية أن تتبع العمل بالاتصالات والعلاقات والإقناع السياسي ولغيرها أدوار أخري.. والأهم أن علي من يضعون أنفسهم في طريق الاختطاف أعباء يجب أن يتحملوها قبل أن يختطفوا أصلاً.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]