الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كش عسكر» .. قصة خروج مصر وإندونيسيا عن «عباءة الجيش»




«كش عسكر» هو الكتيب الثانى ضمن سلسلة (مخاضات التغيير، تجارب فى الثورة) التى تصدرها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إعداد الكاتب تامر موافى، وتقديم كل من جمال عيد، وائل جمال، ويقدم بحثا تحلياً مختصرا لأحداث الثورة الإندونيسية ضد «سوهارتو» والدروس المستفادة منها، ويصف مدى التشابه بين الثورتين، وأوضاع مصر تحت حكم مبارك، وأوضاع إندونيسيا تحت حكم «سوهارتو».
 
يفاجئنا الكتاب بالكشف عن تشابه كبير فى كل الكلمات التى استخدمت فى الثورة الإندونيسية والثورة المصرية مثل» «العسكر» و«الجمعية التأسيسية» و«الطرف الثالث» و«الشباب» و«أسرة الديكتاتور» و«رصاصات القناصة» و«صلاحيات الرئيس» و«الرئيس يؤدى القسم أمام رئيس المحكمة الدستورية» و«الحاجة إلى الأمن» و«الأحزاب» و«الشعب يريد إسقاط النظام».
 
ويصف الكاتب وائل جمال: ما بين إندونيسيا ١٩٩٨ ومصر ٢٠١٢، أوجه تشابك يصل إلى حد التفاصيل، هناك وهنا كان الديكتاتور العسكرى الذى حكم ٣٠ عاما، نفس النظام الذى رفع لواء نمو اقتصادى رأسمالى لحساب قلة من المقربين من العائلة والأصدقاء والجنرالات، نفس آلية القمع تطارد المعارضين فى كل مكان وتمنع النقابات وتحاصر المجتمع المدنى وتوجه الإعلام، وأيضا التشابه فى اندلاع انتفاضة الجماهير بلا قيادة، فى الحالتين حاول الإعلام وساسة الوضع القائم اختصار المواجهة فى إسقاط الديكتاتور وإجراءات الديمقراطية الليبرالية فى الانتخابات والأحزاب لحماية ماكينة النظام الأساسية التى تخلق السياسة: نظام الاستغلال والمصالح المسيطرة.
 
أما الكاتب تامر موافى عقد مقارنته بين الثورتين: لم تحمل لإندونيسيا كثيرا من الاستقرار، صعود الإسلام السياسى صحبه أيضا تصاعد الأعمال الإرهابية من قبل عناصره الأكثر تشددا مع دخول العالم إلى فترة الحرب على الإرهاب، آثار الخروج الكارثى من تيمور الشرقية نقل المشكلة إلى النصف الغربى الإندونيسى من الجزيرة وتصاعدت حمى الحركات الانفصالية فى أطراف أخرى «للأرخبيل» المتعدد العرقيات والطوائف، فساد النخبة السياسية فجر الغضب الجماهيرى من جديد وأطاح بعبد الرحمن وحيد فى عام 2001، وحصلت ميجاواتى على فرصتها لممارسة دور الرئيس عندما تنحى وحيدا، ولكن كان هذا بعد فوات الأوان، فى أول انتخابات رئاسية مباشرة اختار الإندونيسيون فى عام 2004 رئيسا جديدا من خلفية عسكرية، هذه المرة لم يصل الرئيس الجديد إلى منصبه بفضل دعم الجيش المباشر أو من خلال انقلاب، بل كسياسي، ولكن أن يعود عسكرى إلى حكم إندونيسيا يبقى مفارقة تستحق الاهتمام.
 
فى حالة إندونيسيا لا يمكننا الحكم على ما تمخضت عنه آلام مخاضها السياسى الذى بلغ ذروته فى الانتفاضة التى أطاحت بسوهارتو، يمكن القول أن هذا المخاض لم يصل إلى نهايته بعد ويبقى مصير إندونيسيا وشعبها معلقا مع غيره بمصير تحولات عالم أصبحت حياة شعوبه مرتبطة ببعضها البعض أكثر من أى وقت مضى.
 
ثورات نهاية القرن العشرين ربما وجدت صداها الحقيقى خارج حدود بلدانها فى ثورات بدايات القرن الحادى والعشرين التى بدورها لا تبدو مكتملة وإنما تنذر بأن تجد صداها فى سلسلة جديدة من الثورات، ربما ليس صحيحا أن النظام العالمى قادر فعلا على احتواء ثورات الشعوب إلا مؤقتا، وربما يكون فجر نظام عالمى جديد هو النتيجة النهائية لمخاضات ثورات لم تتمكن من إنتاج فجر نظم جديدة فى بلدانها. إن كان ثمة ما نتعلمه من التجربة الإندونيسية وغيرها فهو أن نهاية التاريخ لم تأت بعد طالما أن الشعوب مازالت تنبض بالحياة والتطلع إلى غد تكون فيه سيدة مصيرها.