الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صيد الصقور المهاجرة فى صحراء الفيوم




 
مع بداية شهر أكتوبر من كل عام يتوافد محترفو صيد الطيور من كل حدب وصوب على المنطقة الجبلية الواقعة شمال بحيرة قارون فى الفيوم لصيد الصقور التى تفد من المناطق الباردة بشمال أوروبا إلى الجو الدافئ بمحافظات مطروح والفيوم والبحر الأحمر وهى الرحلة التى ينتظرها الأعراب والبدو لصيد الصقور لجنى آلاف الجنيهات وربما الملايين .
 
 

«روز اليوسف» عاشت هذة الرحلة من بدايتها مع غروب الشمس حتى صباح اليوم التالى .
 
فى تمام الساعة السابعة والنصف مساء توقفت بنا السيارة التى كانت تقلنا من مدينة الفيوم بعد أن قطعت 27 كيلو مترا إلى الجانب الغربى من بحيرة قارون فى الجهة الواقعة خلف المنطقة الصناعية بكوم إوشيم وهناك كانت تنتظر سيارة ذات دفع رباعى.
 
أقلتنا بصحبة ثلاثة من محترفى صيد الطيور وكان يسبقنا آخر بدراجة بخارية تسير أمامنا كدليل وسط المدقات داخل الأراضى الجبلية الشاسعة التى تمتد لمسافة 50 كيلو مترا والتى كان يقيم بها الفراعنة والرومان .
 
انطلقت رحلة الصيد ليلا لمسافة 15 كيلو مترا ثم توقف الركب الذى كان يحمل حصيرًا بلاستيكًا كبيرًا وبطاطين ومخدات بجانب كشافات الرؤية الليلية القادمة من ليبيا ومعها أدوات «شى» اللحوم وكيس مملوء بالفحم.
 
كما أحضر الرحالة الخبز الطازج والمياه المثلجة وجراكن من المياه لزوم الوضوء والاغتسال.
وبالقرب من حجرة مربعة وسط الصحراء توقف الركب ليتم إنزال «الدبش» حسب قول عم إبراهيم قائد الرحالة والذى تركنا ودخل حجرة مقامة من البلوك الأبيض واعتقدت فى بداية الأمر أنها عبارة عن مخزن للسلاح لحمايتنا من أى هجمات من قبل مجموعات البدو والأعراب القاطنيين فى المناطق المجاورة للمنطقة الجبلية.
 
ولكن بعد ما يقرب من 20 دقيقة خرج لنا عم إبراهيم وقام بافتراش الحصر ووفرد البطاطين ونصب أدوات شى لحوم الضانى وجلس بجوارنا يحكى وسط الكثبان الرملية الناعمة حيث أصوات الذئاب تأتى صوبنا من بعيد وهو ما دفعنى إلى «لبس كشاف رؤية ليلية برأسى لكى أصوبها نحو أصوات الذئاب وزئيرها المرعب. لم يمر وقت طويل حتى تم اشعال النار بقطعان الفحم التى تم إحضارها ثم أخذ أحد مرافقينا فى «شى» نحو 5 كيلو من «ريش الضأن» وبعد الانتهاء من العشاء الجبلى جلسنا نتسامر عن رحلة صيد الطيور ومتى عرفت فى الفيوم ومن أدخلها وعن الجهة التى تتبنى شراء هذه الصقور وكم سعرها وكيفية أصطيادها . وفى الواحدة بعد منتصف الليل بدأ القمر يسطع وسط الصحراء وبسبب نسمات البرد التى تهب فى المناطق الخالية خلال شهر أكتوبر انسحبنا رغما عنا إلى داخل الحجرة المتواجد وسط الصحراء، حيث قمنا بفرش الحصير حتى نستعد لرحلة الصيد مع أول ضوء للشمس فى الخامسة والنصف صباحا لكن شدة الناموس خطفت من عيوننا النوم مما جعل الساعات القليلة التى قضيناها داخل الحجر تمر بشكل طويل .
 
استيقظت مجموعة الصيد مبكرا وأنا معهم حيث أصطحب عم إبراهيم 4 حمامات داخل حقيبة أعدت خصيصا لهذا الغرض وغادر داخل الجبل حيث تتبعته بعدسة «روزاليوسف» صوب الناحية الغربية وهناك وعلى بعد 300 متر من الحجرة وضع « قالب طوب أبيض ملفوف بالخيوط البلاستيكية ثم قام بوضع حزام بأحد الحمامات وفى أرجلها شراك خداعية وتكرر هذا مع ثلاث حمامات أخرى تبعد كل منها عن الآخرى مسافة 250 مترا فى محيط كيلو متر . ثم جاء دور الشاب المعافى فيصل ليمسك بصقر مزيف ويضع له الشراك المتينة ثم يقذفه بقوة وسط المنطقة الجبلية ليستقر بعيدا عنه لمسافة 1000 متر ثم يجلس لمراقبته هو وأكمنة الحمام لمدة 10 ساعات حتى، تأتى إليها الصقور لالتهامها وهنا تقع فى الشراك ليتم القبض عليها وفى هذه اللحظة تنطلق الصرخات والزغاريد فرحا بصيد الصقور .
 
وحكى عم إبراهيم لنا قصة احترافه مهنة الصيد والتى بدأت عام 1983 عندما كان يتوافد عشرات الأعراب من محافظتى البحيرة والشرقية مع بدايات شهر أكتوبر من كل العام وعندما كنا نسألهم عن سبب وجودهم فى هذه المنطقة الجبلية كان ردهم أنهم جاءوا لصيد هذه الطيور بناء على إرشادات الأطباء لبعض المرضى. وقال عم إبراهيم لقد كنا نتعاطف مع صائدى الصقور، حيث كنا نأتى لهم بالأطعمة ونزودهم بالمياه حتى وقع أحد الصقور فى مزرعة شخص يدعى فرج سعداوى وكان يلهث وراءه ثلاثة أشخاص ويحاولون الحصول عليه بشتى الطرق ثم عرضوا عليه 500 جنيه إلا أن الرجل رفض وطلب منهم الذهاب معهم إلى الشرقية لرؤية المريض واثناء وجود فرج داخل حجرة الضيافة جاء إليه طفل صغير وكان ابن صاحب المنزل .
 
وروى أن والده باع الأسبوع الماضى «صقر» بـ 8 الآف جنيه وهو ما أثار لعاب الرجل الذى أصر على العودة ومعه الصقر الذى وقع بحقله وبعد مفاوضات حصل الرجل على 1000 جنيه ومن يومها وعرف أبناء المنطقة قيمة صيد الطيور. ويشير عبدالله حمد الفايد إلى أن منطقة شمال بحيرة قارون يسيطر عليها مجموعة من العائلات تقوم بصيد الصقور القادمة من بلدان أوروبا خلال فترة الشتاء، حيث يتم اصطياد ما يقرب من 30 صقرا سنويا يتم بيعها إلى أمراء الخليج بأسعار تبدأ من 70 الفا للصقر العادى و120 الف جنيه للنوع «شاهين» والذين يستخدمونه فى صيد الغزلان والأرانب البرية وبعضهم يضعها لزوم الوجاهة داخل القصور.