احكي ياشباب !
عبد الله كمال
كاد هذا الباب الجديد في روزاليوسف أن يطيح بزميل متدرب من الجريدة.. فاعتذر عن أن يكمل .. وترك عمله أثناء سفري.. لأنه لم يحتمل الضغوط.. وهذه في حد ذاتها حكاية يمكن أن يرويها هو علي الصفحات باعتباره شابًا.
اسمه (محمد بناية)، بدأ التدريب في الجريدة منذ أشهر كمترجم موهوب.. من الفارسية الي العربية.. لكنني رأيت انه يمكن ان يقوم بمهام اخري في الجورنال.. تتيحها له امكانياته اللغوية.. خصوصا في مجال المراجعة.. وقليلا مانعثر علي شاب لديه تلك القدرة من ايام خبرته الأولي.. وكان ان كشفت عن رأيي فيه.. فواجه مطحنة المنافسة من زملائه.. ربما كنت مخطئا حين فعلت.. أي حين كشفت وليس حين قدرت .
قررنا في مجلس التحرير ابتكار باب جديد.. اسمه (احكي ياشباب).. وكما هو واضح فإن الاسم يستوحي عنوان الفيلم الشهير (احكي يا شهرزاد ) للمؤلف الكبير وحيد حامد.. وأيضا يستوحي قالبه.. مع فارق جوهري.. هو أننا بدلا من أن نستمع الي قصص الفتيات والسيدات، كما فعل الفيلم راصدا أحوال بعض نساء مصر.. قررنا ان نستمع الي حكايات الشباب.. البسيطة والثرية في آن واحد.. بما فيها من أحلام والام ومعاناة ونجاح .
تحمل عبء التكليف شاب آخر يشق طريقه منذ سنوات هو مصطفي رجب ، نائب مدير التحرير ، ووجهته الي ان يشرف علي إدارة العمل بحيث يكون (بناية) متابعا ومراجعا معينا له.. وسافرت في رحلة عمل الي واشنطن.. فأرسلت لي رئيسته المباشرة الزميلة داليا طه رئيسة قسم الترجمة (ايميل) قائلة: إن (بناية) يعتذر.. لانه واجه ضغوطا من زملائه.. فهو تقريبا احدثهم.. ولايريدون ان يتابع اعمالهم باعتبارهم اقدم .
استعدناه ، وهدأنا مخاوفه ، وطيبنا خواطر المعترضين ، ففي كواليس الصحافة مطاحن يومية من هذا النوع.. لو لم تحرص علي التوازن فيها لتم اهدار عشرات المواهب.. وفي المناخ المهني المصري كثير من مثل ذلك.. وطابور اقدميات قد ينسف اي كفاءة يريد أي عمل أن يجربها في فرصة لكي يعرف كيف يمكن أن تمضي وإلي أين .
وفي قصص الشباب التي حكوها لنا بعض من هذا.. وفيها ما هو أكثر.. معاناة مختلفة الانواع.. قيود وضغوط.. ولكن فيها أيضا قدرة علي المثابرة.. ورغبة في الكفاح.. وكما يقول شعار جريدة الحياة (إن الحياة عقيدة وجهاد).. وفي القصص البسيطة قيم كبيرة.. وفي الحكايات العابرة آمال تتحقق.. وأيضا إحباطات.. وكذلك نجاحات.
لكن أصابع كف يدك ليست مثل بعضها.. وشباب مصر لايتأفف كله.. بعضه يرفض الهجرة.. وبعضه يريد أن يطفش فورا.. بعضه رضخ لعوامل صعبة.. وبعضه قاوم.. بعضه راضٍ.. وبعضه ناقم.. بعضه كسول.. وبعضه مغلول.. وبعضه كسر ما يغله.. في داخل الكثيرين إرادة.. وفي صدور الغالبية طموحات ومكبوتات واعتراضات وتفاؤلات.. ومساعٍ قد تفشل وقد تنال جائزتها.. والله لايضيع أجر من أحسن عملا.. ولا أجر من اجتهد.. ولا أجر من تعب.. ولا أجر من ثابر.. ولا أجر من تحمل أعباء الحياة دون أن يلقي بالمسئولية علي المناخ والظروف والدولة .
متزوج لم يزل ينتظر شقة.. وممرضة كتبت الشعر لاول مرة علي كيس (مخدة).. وصعيدي رفض الهجرة غرقا في البحر وهاجر الي القاهرة فقط وتمكن من ان يمنع الزحام من ابتلاعه.. ودارس تاريخ لايجد غضاضة مؤقتا في ان يرتزق من العمل (كبابجي).. وقد صادفت في حياتي علي الاقل بضعة شباب لجأوا الي العمل (كبابجية) ولم تكن تلك مهنتهم.. وهي مهنة لذيذة علي اي حال.. خاصة حين يتعلق الأمر بالريش الضاني أو حتي البتلو .. ومنهم شاب (دفعة) زميل درس الإعلام معي.. من حي الزاوية.. الله اعلم اين هو الآن وكيف شق طريقه.. وهل تزوج الفتاة التي احب ام انه قد دفن عشقه في عبث الايام .
بدءا من اليوم سوف ننشر تلك الحكايات.. لمسة ذات طابع انساني حميم نضيفها الي الصفحات.. فيها قيم غير مباشرة.. وقصص عامرة بالمعاني.. غارقة في السياسة وإن لم تقل ذلك.. تعبر عن تضحيات يومية.. وكفاحات ساعة بساعة.. رغم أنك قد تصادفها دون ان تتوقف امامها.. وقد تعاشرها دون ان تدرك معادلة توازنها.. بشر في مقتبل الحياة لدي كل منهم قصته التي يجب ان تحترمها.. ومن بين قصصهم تتكون حكاية هذا البلد.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]