الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاستثمار البشرى كمان وكمان

الاستثمار البشرى كمان وكمان
الاستثمار البشرى كمان وكمان




محمد محيى الدين يكتب:

فى حديث تليفزيونى ضم نخبة من أساتذة وخبراء الاقتصاد فى مصر تمت مناقشة مشكلات الاستثمار والاقتصاد القومى فى مصر واستعراض حلول آنية ومستقبلية لمواجهة التحديات التى نواجهها وأعترف أن تلك المجموعة كانت رائعة فى الطرح والعلاج، وربما كان ما استلفت اهتمامى وفى الأغلب اهتمام الكثير من مشاهدى البرنامج هو تركيز وإصرار عضو بمجلس النواب شاركت فى الحوار ومعروف عنها أن لها باع طويل فى الاستثمار والاقتصاد على ان مشكلة مصر هى مشكلة اقتصادية ومن ثم فإن حل تلك المشكلة يأتى من منظور اقتصادى بحت فى المقام الأول، أما التعليم فهو حل لا يؤتى ثماره إلا فى المدى البعيد والذى حددته بما يقارب الربع قرن.
أعتقد أن تشخيص المشكلة فى مصر فى هذا الاطار فيه تبسيط شديد حتى ولو جاء من خبراء اقتصاديين لهم كل التقدير والاحترام فالمشكلة فى مصر فى جانبها الاقتصادى والاجتماعى بل والأخلاقى هى انهيار منظومة التعليم واهترائها وما لم نقم بعلاجها فى أقرب وقت فإن جهودنا ستصبح كمن يحرث فى البحر وسوف تتفاقم مشاكلنا على جميع الأصعدة.
فى هذا الصدد لسنا فى حاجة إلى التذكير بأن الدول المتقدمة أو الآخذة فى النمو قد اعترفت منذ وقت طويل أن التعليم مكون أساسى للبنية التحتية التى يقوم عليها الاقتصاد ولنا فى تجربة مهاتير محمد فى ماليزيا النموذج والحل ويرى خبراء الاقتصاد فى العالم فى الشرق والغرب أن الإنفاق على تعليم جيد هو استثمار فى الإنسان يفجر طاقاته الكامنة ومن ثم فالتنمية المستدامة تبدأ به وتعود إليه وربما من المفيد أن نلقى الضوء الآثار السلبية لمنظومة التعليم فى مصر وقد يكون بعضها معروفاً إلا أن الذكرى تنفع المؤمنين:
أولا: إن زيارة سريعة لمدارسنا الخاصة والحكومية كفيلة بان تقنعنا أن ما يصرف على تلك المدارس الخاوية من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس خاصة فى سنواتها النهائية وتكدس طلابها أمام المراكز التعليمية يشى بأننا إنما نقوم بهدر أموالنا فيما لا يغنى ولا يسمن من جوع حتى إذا ما وصل خريجو تلك المدارس إلى المرحلة الجامعية يكون الوقت قد فات حيث تستقبل جامعاتنا أعدادًا غفيرة لطلاب فقدوا القدرة على التفكير والإبداع وحينها يقعون تحت سيطرة مافيا بائعى المذكرات وكبسولات العلوم يبتلعها الطالب فى معدة غير قادرة على الهضم والنتيجة  تخريج طوابير من حملة شهادات فاقدة للمضمون وليس لهم من تخصصهم إلا القشور.
 ثانيا: من منظور اقتصادى بحت فإننا نستطيع أن نرى وبوضوح أثر فشل منظومة التعليم فى انتشار البطالة النوعية والمقنعة والسافرة لأن تلك المنظومة فى مراحلها المختلفة لا تنتج سوى أنصاف متعلمين تقنيا ومعلوماتيًا ومن ثم عدم قدرة نواتجها على الوفاء بمتطلبات سوق العمل ناهيك عن المنافسة التى تنتظر شبابنا من الخريجين عندما يأتى المستثمر الأجنبى الذى لن ينتظر طويلا حتى نتنبه إلى أن طوفان الخريجيون لا يوجد بينهم إلا القليل ممن يستطيع هذا المستثمر الاعتماد عليه ومهما مهدنا الطرق وضاعفنا من انتاج الطاقة يظل العامل الماهر والمهندس الكفء والمحاسب الذى تلقى أرقى ما فى مجاله من علوم هو الأساس وإذا تضاعفت البطالة حينذاك فلا نلومن إلا أنفسنا وإذا رأينا الشركات الاستثمارية تمتلئ بجنسيات شرق آسيوية حينها يكون الوقت قد تأخر كثيرًا.
ثالثًا: من منظور اجتماعى وأخلاقى فإن قضاء الطالب ستة عشرة سنة فى التعليم حتى يحصل على شهادة جامعية لا تؤهله للحصول إلا على وظيفة متواضعة الدخل أصاب شبابنا بالإحباط واليأس فى قدرته على الحلم فى تحقيق حياة كريمة بعد التخرج فلجأ الكثير إلى النقل والحفظ والغش على اعتبار أنها أقصر الطرق للحصول على شهادة ترضى أولياء أمورهم الذين تم استنزاف مواردهم المالية فى سبيلها ولا عجب عندما ترى أولياء الأمور يدافعون عن سلوك أبنائهم حين يضبطون فى حالة غش بل وصل الأمر بهم إلى اقتحام لجان الامتحانات لمساعدتهم على الغش فالغاية حتى لو كانت شهادة عديمة القيمة تبرر الوسيلة.
رابعًا: لا أعتقد أن هناك دولة أخرى لديها هذا الكم من المدارس والجامعات ذات النظم الأجنبية والتى تنشر ثقافات غربية وشرقية بين طلابها ومن الغريب أنها جميعا نسخ مكررة من المدارس والجامعات الحكومية من حيث التخصصات بل وأساليب التعليم إلا لو كانت تعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية هى الحسنة الوحيدة على حساب غياب أو ضعف اللغة الأم وهى اللغة العربية وما يترتب على ذلك من ضعف فى الانتماء للوطن والتشوق للهجرة إلى خارجه.
بناء الإنسان مهما كلفنا من وقت ومال وجهد هو الاستثمار الأفضل والمكون الأساسى للبنية التحتية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ولمنظومة القيم... اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.