عربون السلام!

 


 كرم جبر روزاليوسف اليومية : 26 - 08 - 2009

 

هذا هو موقف مصر من قضية التطبيع
1
أحد الإعلاميين الذي يثير ضجة حول حرمانه من الظهور في الفضائيات حشر قضية التطبيع بلا مناسبة في حواراته الكثيرة، مشيراً إلي أن مصر هي الجسر الذي ستعبر عليه إسرائيل إلي التطبيع مع الدول العربية.
وكعادته خلط الأوراق ببعضها دون الحد الأدني من المعلومات الذي يجب أن يكون لدي من يتحدث في هذه الموضوعات، بدلاً من الخطب الإنشائية الحماسية التي تفتقد المصداقية والأمانة.
قضية التطبيع ليست سراً وكانت أحد الملفات المهمة التي ناقشها الرئيس مبارك في زيارته الأخيرة لواشنطن واتسم الموقف المصري بأقصي درجات الوضوح والصراحة.
2
أولاً : لدي الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما بعض الاقتناع بضرورة أن تبادر الدول العربية بتقديم "إيماءات" أو "عربون" لإسرائيل لتشجيعها علي المضي قدماً في مباحثات السلام.
ثانياً: عربون السلام هو التطبيع الذي تطلبه واشنطن لإسرائيل ويتمثل في فتح الأجواء أمام طيرانها خصوصاً السعودية، وفي رأيهم أنه ليس معقولاً أن يلف الطيران الإسرائيلي الذي يذهب إلي آسيا حول الكرة الأرضية.
ثالثاً : التطبيع الذي يطلبونه يتضمن أيضاً إعادة العلاقات التجارية وفتح مكاتب التمثيل التجاري لدي ست دول عربية كانت لها هذه العلاقات مع إسرائيل قبل الحرب الأخيرة علي غزة.
3
رابعاً : إسرائيل تتسلل إلي الإدارة الأمريكية بدهاء ونعومة وتتحين الفرصة لدق إسفين في العلاقات العربية الأمريكية لقطع الطريق علي سياسة التقارب التي يتبعها أوباما.
خامساً: إسرائيل تستخدم كل أوراق الضغط الممكنة، وتسخر اللوبي اليهودي القوي، وحلفاءها في الكونجرس ووسائل الإعلام خصوصاً صحيفة الواشنطن بوست.
سادساً : الرئيس أوباما لا يريد الظهور في صورة من ينحاز للعرب حتي لو كان مؤمناً بمطالبهم، ويطبق سياسة "تنازل هنا وتنازل هناك"، لإرضاء الطرفين.
4
سابعاً : الموقف المصري الذي دافع عنه الرئيس بشدة وحماس هو أن إسرائيل هي المطالبة بتقديم مبادرات لتشجيع العرب والفلسطينيين علي استئناف مفاوضات السلام وليس العكس.
ثامناً : أكد الرئيس أيضا أن التطبيع الكامل بعد السلام الكامل، لأن تجاربنا سيئة ومريرة مع التطبيع منذ عام 2000 عندما انهارت كل مبادرات التسوية بعد اغتيال رابين.
تاسعاً: لابد من مراعاة مشاعر الشعوب التي تلعب دوراً حاسماً في نجاح التطبيع أو فشله، وفي ظل الشعور بالظلم والإحباط واليأس إزاء السياسات التي تتبعها إسرائيل في المنطقة.
5
شددت مصر علي أن مفاوضات السلام يجب أن تبدأ من حيث انتهت، وأن الملفات كلها جاهزة لدي مختلف الأطراف خصوصاً موراتينوس مبعوث المفوضية الأوروبية الذي قطع شوطاً طويلاً في ذلك.
وأكدت أن البداية هي تحديد حدود الدولة الفلسطينية "الدائمة" وليس "المؤقتة" وإعلان قيامها أولاً علي أن يعقب ذلك فتح بقية الملفات بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل.
وتمسكت بضرورة إعطاء حافز مشجع للشعب الفلسطيني في المبادرة الأمريكية الجديدة، لتشجيعه وطمأنته وإعادة إحياء الأمل لديه.
6
ليس خافياً أن إسرائيل وواشنطن تضغطان علي بعض الدول العربية للحصول مقدماً علي "عربون التطبيع" وأن بعض الدول لديها الرغبة في الاستجابة لذلك.
- تحذر مصر من خطورة مثل هذه الخطوات لأن إسرائيل إذا حصلت علي التطبيع مجاناً فلن تدفع أي ثمن للسلام، لأنها تريد التطبيع ولا تريد السلام.
- تتمسك مصر في موقفها المشروع بمبادرة السلام العربية التي ترهن التطبيع بالسلام وتمثل إجماعاً عربياً يجب التمسك به وعدم النزول عنه.
7
- صحيح أن مصر ليست لها مشكلة مع إسرائيل فيما يتعلق بقضية التطبيع وتربط الدولتين علاقات دبلوماسية ولكنها تتشدد في مطالبها دفاعاً عن القضية الفلسطينية وعدم التفريط فيها.
الموقف المصري واضح وصريح سواء في العلن أو في الغرف المغلقة فليس لديها شيء تخفيه، كل الأوراق معلنة، في عصر صارت فيه السرية ضرباً من المستحيل.
أكتب هذا الكلام للإيضاح فقط، ويمثل الحد الأدني لموقف مصري مضيء ومشرق لا يعرف التسويف ولا المماطلة ولا التفريط، ولكن للأسف هناك من يحاول أن يقلب أبسط الحقائق.

 


E-Mail : [email protected]