الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شبهات وردود شبهة منع رواية الأحاديث النبوية (1)

شبهات وردود شبهة منع رواية الأحاديث  النبوية (1)
شبهات وردود شبهة منع رواية الأحاديث النبوية (1)




فى كل يوم نعرض لإحدى الشبهات الواردة عن السنة النبوية أو الرسول «صلى الله عليه وسلم» ونعرض الرد الوافى لها من الأزهر الشريف واليوم نعرض لشبهة منع الرسول لكتابة الأحاديث وفحوى الشبهة  أن النبى – صلى الله عليه وسلم – نهى عن تداول الأحاديث وكتابتها، مستدلين على ذلك ببعض المرويات، وأن بعض الصحابة حرقوا ما كتبوه من أحاديث، وأن كل ما روى عن النبى – صلى الله عليه وسلم – قد روى بمعناه لا بلفظه.
ويقول الأزهر الشريف إنه  يمكن الرد على شبهته بالقول بأن الاستدلال ببعض الأحاديث والآثار عن منع رواية الحديث.. فإننا نقول: إنه من الثابت تاريخيا أن كتابة السنة بدأت فى حياة النبى -صلى الله عليه وسلم-، فقد صحت الأخبار فى إباحة النبى -صلى الله عليه وسلم- الكتابة عنه، ومن المجازفة إنكار ذلك، وأما الأحاديث التى استدلوا بها على إنكار كتابة السنة فى عهده -صلى الله عليه وسلم-، والتى فيها نهى النبى -صلى الله عليه وسلم - عن الكتابة - فإنها محمولة على خوف اختلاط السنة بالقرآن، أى أن النهى عن الكتابة كان مرحليا فقط، ثم نسخ ذلك بإباحتها.
فقد جاءت أحاديث عن النبى -صلى الله عليه وسلم- فهم منها خطأ أنها تفيد كراهة كتابة الحديث، ولكنها فى حقيقتها تثبت كتابة الحديث، ومن تلك الأحاديث وحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، وقد روى من طريقين بألفاظ مختلفة:
الرواية الأولى: عن طريق همام، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبى سعيد الخدري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تكتبوا عنى ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه».
وقد اختلف العلماء فى هذا الحديث فى وقفه  ورفعه ؛ قال ابن حجر: «ومنهم من أعل حديث أبى سعيد، وقال: الصواب وقفه على أبى سعيد، قاله البخارى وغيره»  وقال الخطيب البغدادي: «تفرد همام برواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم هكذا مرفوعا».
وهذا الحديث أصح ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذا الباب، وإليك الفهم الصحيح لهذا الحديث:
الحديث يبين أن النهى عن الكتابة كان بخصوص الصحيفة التى كتب عليها القرآن فخشى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يختلط كلامه بالقرآن الكريم؛ فنهاهم عن كتابة الحديث والقرآن فى صحيفة واحدة.
والقول بنسخ الحديث قول كثير من العلماء وذهب إليه العلامة أحمد شاكر، فبعد أن دعم رأيه بالأخبار التى تبيح الكتابة قال: كل هذا يدل على أن حديث أبى سعيد منسوخ، وأنه كان فى أول الأمر حين خاف اشتغالهم عن القرآن، وحين خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن، وحديث أبى شاه فى أواخر حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وكذلك أخبار أبى هريرة - وهو متأخر الإسلام - أن عبد الله بن عمرو كان يكتب يدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلام أبى هريرة، ولو كان حديث أبى سعيد فى النهى متأخرا عن الأحاديث فى الإذن والجواز لعرف ذلك عند الصحابة يقينا صريحا، ثم جاء إجماع الأمة القطعى يعد قرينة قاطعة على أن الإذن هو الأمر الأخير، وهو إجماع ثابت بالتواتر العلمى عن كل طوائف الأمة بعد الصدر الأول رضى الله عنهم ([4]).
والرواية الثانية: عن سفيان بن وكيع، عن سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبى سعيد الخدرى قال: «استأذنا النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الكتابة فلم يأذن لنا» ([5]).
وهذه الرواية صحيحة أيضا، وفيها دليل على أن الكتابة كانت شائعة، وإنما كان الاستئذان لأجل أمر عارض أرادوا كتابته، فلم يأذن لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى كتابته وتسجيله لحكمة يريدها صلى الله عليه وسلم، وفى لفظ «استأذنا» إشارة للجميع مما يفيد أن الكثرة كانت تكتب.
ويمكن القول بأنه إذا صحت بعض الروايات فى النهى عن الكتابة، فقد صحت روايات كثيرة فى الإذن بالكتابة، فيكون الإذن ناسخًا والنهى منسوخًا، وكان النهى لعلة، فلما زالت العلة أذن فى الكتابة، وعلى هذا نقيس كل الأحاديث التى صحت فى هذا الباب.