السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قراءة القرآن في السجن
كتب

قراءة القرآن في السجن




 


 كرم جبر روزاليوسف اليومية : 29 - 08 - 2009

 

 

ليست دليلاً علي البراءة ولا صكاً للإيمان
 

 

1
- الصلاة وقراءة القرآن داخل السجن ليست أدلة براءة، ولا علامة تصوف، فكل متهم يدخل الليمان يقسم أنه بريء ويدلل علي ذلك بأنه يستيقظ مبكراً لصلاة الفجر ويقرأ القرآن الكريم.
- الأثرياء فقط هم الذين يلجأون إلي ذلك لأن الفارق شاسع بين الحياة قبل السجن وبعده، وبين البيوت الفارهة والزنزانة الضيقة.. أما الفقراء فلا تفرق معهم.
- المساجين السوبر يخرجون من السجن دائماً في صورة مختلفة وبشكل مغاير، وكأنه تتم إعادة تفكيكهم وتربيطهم من جديد، بعد أن يعرفوا أن "الله حق".
2
- أحد رجال الأعمال قال لي أنه زار صديقاً له في السجن فقرر ألا يدخل السجن ابدا، وقام علي الفور بتسديد كل قروضه للبنوك رغم عدم أوان استحقاقها خوفاً من السجن.
- قرر ألا يدخل السجن لأن الحياة داخله مرعبة ومخيفة وموحشة وفجأة يجد الإنسان نفسه مثل العبد الذي يتحرك بأوامر سيده أو سجانه، وليس عليه إلا التنفيذ والطاعة.
- "السجين المهم" عندما يواجه الجدران والسجان يعيد التفكير في الحياة كلها، وربما تكون اللحظات الأولي من عمره التي يعيش فيها حالة تأمل، بعد أن كان مشدوداً حتي أذنيه بالحياة ومشاغلها.
3
- السيناريست الكبير وحيد حامد قال لي ذات مرة إن أصعب فترة في حياة السجين هي اليوم الأول، يمر عليه كدهر بأكمله، وتخنقه الثواني والدقائق مئات المرات.
- بعد ذلك يتساوي الجميع، السجين الذي قضي يوماً والذي يعيش في الزنزانة منذ عشرين سنة، الاستسلام للأمر الواقع هو الذي يهون الحياة والمرارة والألم.
- السجين يستسلم لقدره لأنه لم يعد للوقت معني ولا قيمة، فالسجن مثل الموت.. والشاعر الكبير عمر الخيام يقول في رباعياته: "فقد تساوي في الثري راحل غدا، وماضٍ من الوقت السنين".
4
- كل الذين يخرجون من السجن تتغير حياتهم.. من الصلف والغرور والسطوة والعنترية، إلي الهدوء والاستكانة والهروب من الحياة العامة.
- راجعوا معي الأسماء الشهيرة مثل نواب القروض الذين عاثوا في الأرض سطوة.. أين هم بعد أن خرجوا من السجن؟ لقد فضلوا الاختفاء تماما عن مسرح الأحداث.
- حتي لو كان السجن منتجعاً فهو في النهاية سجن، ليمان طرة الذي يكتبون فيه شعراً، لا يختلف كثيراً عن أي سجن آخر، فعندما تغلق أبواب الزنازين يتساوي الجميع.
5
- من الحكايات الطريفة أن أحد وزراء الداخلية في عهد الرئيس عبدالناصر صنع أحد عنابر السجون الشهيرة من الحديد والأسياخ المكشوفة مثل الأقفاص الكبيرة المرصوصة فوق بعضها.
- كان الهدف من هذه الزنازين الحديدية هو أن يظل السجين طوال اليوم مكشوفا ودون ساتر أمام كل العنابر، فيصاب بالتوتر والاكتئاب، والاهتزاز نتيجة نظرية "عدم الستر".
- كان هذا الوزير هو أول من دخل السجن الذي شيده بنفسه وذاق مرارة الحبس في الأقفاص الحديدية التي صنعها لغيره، وعرف أهوال الزنزانة المكشوفة التي تساعد علي تحطيم الأعصاب.
6
- قراءة القرآن الكريم تزيح الهموم عن الإنسان في وقت الكرب، وتفتح صدره للإيمان، وتقربه من الله سبحانه وتعالي، فيعرف أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة.
- الصلاة تُقصر الوقت، لأن المسجون ليس لديه قائمة مواعيد ولا اجتماعات ولا غداء عمل ولا سهرة، ليس لديه أجندة مشغولة طوال النهار وجزءاً من الليل.
- السجين ليس لديه إلا الصلاة وقراءة القرآن الكريم، لعل الله سبحانه وتعالي يغفر له ذنوبه ويمنحه الصبر والسلوان لاحتمال النهار الطويل والليل الذي لا ينتهي.
7
- لماذا أكتب في هذا الموضوع الكئيب اليوم؟.. لأنني قرأت تصريحات كثيرة للسجناء السوبر حول حرصهم علي الصلاة وقراءة القرآن في السجن، وآخرهم هشام طلعت مصطفي.
- لو خرج هشام من السجن فلن يكون هو هشام قبل دخول السجن، فكل يوم يمر عليه يساوي دهراً بأكمله، لأن المسألة بالنسبة له إما "إعداماً" أو "براءة".
- بالمناسبة: لا تصدقوا أي كلام يقال عن "البراءة المؤكدة" أو "تأييد الإعدام"، فقضاء محكمة النقض الشامخ لن يفعل شيئاً إلا تحقيق العدالة.



E-Mail : [email protected]