الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
العدالة الحزينة!
كتب

العدالة الحزينة!




 


كرم جبر    روزاليوسف الأسبوعية : 29 - 08 - 2009

 

هذه القضية هي الأولي بالرعاية والاهتمام.. لأن القاتل الإماراتي الثري مازال حراً طليقاً، رغم أنه ذبح فتاة مصرية وقام بتقطيع جثتها إلي 8 أجزاء، ثم ركب أول طائرة عائدا إلي بلاده، يتمتع بجريمته، ومحتميا بسطوة عائلته ونفوذ والده.
وقعت الجريمة في فبراير الماضي في منطقة مصر الجديدة، عندما اكتشف بواب إحدي العمارات كيس زبالة فيه أجزاء لجثة أنثي، وتبين أن القاتل هرب من البلاد قبل اكتشاف الجريمة.. ومنذ تلك اللحظة مازالت روح القتيلة فاتن رضا 72 سنة تبحث عن القصاص العادل.
كتبت عن هذا الموضوع في روزاليوسف اليومية منذ عدة أيام، وقارنت بين فاتن المصرية، وسوزان اللبنانية، ولماذا قامت الدنيا ولم تقعد من أجل سوزان بينما ساد الصمت الرهيب قضية فاتن وهل الدماء اللبنانية أغلي من الدماء المصرية؟
خطاب من النائب العام
بعد النشر وصلني الخطاب التالي من المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام.
السيد الأستاذ/ كرم جبر
رئيس مجلس إدارة جريدة روزاليوسف
تحية طيبة وبعد،،،
بالإشارة إلي ما نشر بصحيفتكم الغراء روزاليوسف بعددها الصادر بتاريخ 52/8/9002 بالصحيفة رقم 02 تحت عنوان سوزان تميم المصرية، أكدتم في هذا المقال أن فاتن عبدالرحمن قتلها مواطن إماراتي ومزق جثتها إلي 8 قطع ثم هرب مع أسرته إلي الخارج، مشيرا إلي أنها قتلت في صمت ودفنت في صمت، وأنه لا يعرف أحد مكانه، لأن شرطة الإمارات لم تبذل جهدا في البحث عنه، أو تتعمد إخفاءه، وأن الإماراتي القاتل يجب أن ينال عقابه وأن يقدم لمحاكمة عادلة مثلما حدث مع هشام طلعت مصطفي، وشرطة الإمارات مسئولة عن البحث عنه وتسليمه للسلطات المصرية فالجريمة وقعت علي أرض مصرية، والقتيلة مصرية، ولا يصح أبداً أن تتواطأ عليه سلطات بلاده، لمجرد أن القتيلة ليست إماراتية.. العدالة يجب أن تكون عمياء ودم فاتن في رقبة شرطة الإمارات.
وقد نوهتم إلي أن النيابة العامة أصدرت مذكرة لتسليم المتهم عن طريق الإنتربول، ولكن لم يتحرك أحد، ولم تتلق النيابة ردا، فلم يكن أمام النائب العام إلا إحالة القضية غيابيا إلي محكمة الجنايات.
أرجو التفضل بالإحاطة إلي أن النيابة العامة قد قامت بإصدار قرارها بضبط وإحضار المتهم/ أسامة محمود إبراهيم محمود السكسك فور تحديد شخصيته وتم توجيه طلب رسمي للسلطات اللبنانية باستلام المتهم لورود البيانات الرسمية لسفره إلي دولة لبنان إلا أن الإنتربول أخطرنا بانتقاله إلي دولة سوريا فتم إرسال ملف الاسترداد إلي السلطات السورية والتي قامت بدورها بعمل نشرة تعميم داخل البلاد ولم يتم تحديد محل إقامته حتي تاريخه، وفي هذا الصدد فإننا نؤكد علي أن النيابة العامة بصفتها الأمينة علي الدعوي الجنائية والوكيلة عن الهيئة الاجتماعية لن تتهاون إزاء أي خروج عن الشرعية أو انتهاك لأية حقوق وإنها تتخذ كافة الإجراءات التي كفلها الدستور والقانون ضد الخارجين علي القانون دون أي تمييز بينهم.
وتفضلوا سيادتكم بقبول وافر الاحترام،،،
النائب العام
عبدالمجيد محمود
مبدأ المعاملة بالمثل
هل يليق- مثلاً - أن نطالب بتعليق قضية سوزان تميم حتي يتم إلقاء القبض علي المتهم الإماراتي أسامة السكسك تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل.. وحتي تعرف شرطة الإمارات التي هبت عن بكرة أبيها معلنة حالة الطوارئ القصوي من أجل سوزان تميم، بينما لم يتحرك لها ساكن إزاء القتيلة فاتن.
أين اللواء ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي ونائبه خميس مزينة اللذان جعلا قضية سوزان مسألة حياة أو موت بالنسبة لهما، وظلا يجريان وراء القميص وال تي شيرت والسكين ولقطات الفيديو وكل شيء يعظم أدلة الإدانة، ولم يهنأ لهما بال إلا بعد القبض علي هشام طلعت مصطفي وتقديمه للمحاكمة.
شاهدنا اللواءين يملآن الصحف والفضائيات تصريحات وتعقيبات واعتبرا القبض علي هشام نصراً مبيناً، وهنأ الأمة العربية والإسلامية والعالم كله بسرعة القبض علي هشام والسكري.. ولكن لماذا لم يتكرر نفس الحماس والسهر مع قضية المسكينة فاتن التي قُتلت خِسة وغدراً، ومازالت روحها هائمة في السماء تصب اللعنات علي من قتلها ومن اشترك في قتلها ومن يماطل حتي لا ينال القاتل جزاءه العادل.
هل كان من الضروري أن تكون القتيلة فنانة درجة عاشرة حتي تنال الاهتمام؟.. وهل كان من الضروري أن يكون القاتل مصرياً حتي ينقبا الأرض بحثا عنه؟ لماذا التخاذل والتكاسل؟.. ألن تُسألا أمام الله سبحانه وتعالي عن العدالة المنقوصة التي تضل الطريق إلي الغلابة ومن ليس لهم ظهر؟
وأين عائلة القاتل؟
إذا كان القاتل قد فر إلي سوريا أو لبنان تحت ستار الإهمال، فأين والدته نادية عبدالحميد الشيخ وشقيقه فادي إبراهيم بعد تورطهم جميعا في قتل الضحية وتمزيق جثتها وتوزيعها علي أكياس الزبالة؟.. وهل فروا هم أيضاً إلي سوريا ولبنان، وما التحقيق الذي فتحته شرطة الإمارات بعد أن تلقت مذكرة تسليم المتهم عن طريق النيابة العامة في مصر؟ وأين هو مبدأ التعاون القضائي الذي تمسكوا به في قضية سوزان وأهدروه في مقتل فاتن؟
الدلائل أكدت أن شرطة الإمارات لن تبادر بالقبض علي القاتل، ولن تفتح تحقيقا مع أفراد عائلته المتهمين بالمشاركة في الجريمة، نظرا لنفوذ والده وثرائه في دبي.. صحيح أن الاتفاق الثنائي بين مصر والإمارات لايجيز تسليم رعايا أي من الدولتين للأخري، ومحاكمته في بلده.. لكن لم نر أي بادرة أو إشارة أو علامة علي اتخاذ إجراءات محاكمة القاتل الإماراتي في بلده.
شتان بين ما فعلته السلطات المصرية في قضية سوزان وبين ما تفعله السلطات الإماراتية في قضية فاتن.. وهل يجدر باللواء المزينة نائب قائد شرطة دبي أن يصرح في الصحف بأن الإمارات لم يعد لها دخل في القضية بعد هروب المتهم، لأن المتهم ليس مطلوبا من جانب السلطات الإماراتية!
أين التنسيق والتعاون والكلام الحلو المعسول الذي كنا نسمعه من شرطة دبي أثناء قضية سوزان؟.. لماذا أداروا ظهورهم للضحية التي تبحث روحها عن عدالة السماء؟.. وهل أصبحت التكنولوجيا الرهيبة التي ظهرت في قضية سوزان واكتشفت الأدلة والقرائن.. هل أصبحت تكنولوجيا عمياء لا تري شيئا لضبط المجرم الإماراتي الهارب وعائلته التي تتمتع بالحصانة والنفوذ؟
السوريون واللبنانيون لايرضون بالظلم
المؤكد أن وزيري الداخلية السوري سعيد سمور واللبناني زياد بارود لن يرضيا أبدا بالظلم، أو بتسييس جرائم القتل، أو أن نعود لعصور الجاهلية، عندما استنكر الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم التفرقة بين الناس إذا سرق فيهم الغني تركوه، وإذا سرق فيهم الفقير أقاموا عليه الحد، لقد نهانا الرسول الكريم عن ذلك، لايصح أبدا أن تصبح القاعدة هي إذا قتل فيهم الغني تركوه، وإذا قتل فيهم الفقير أقاموا عليه الحد.
في عصر الكمبيوتر والإنترنت والمراقبة الصارمة لمنافذ الدخول والخروج، أصبح مستحيلا أن يتسلل أي شخص مطلوب إلي أي دولة، ثم يتلاشي في شوارعها، وكأنه فص ملح وداب.. ومهمة الإنتربول هي تعقب الجناة وتسليمهم للعدالة، بعد التأكد من صحة الاتهامات وابتعادها عن الشبهات السياسية أو الكيدية.. وقضية فاتن هي جريمة قتل عادية لأسباب مذكورة في أوراق التحقيقات.
كما لايقبل أبدا أن تقتل مواطنة سورية أو لبنانية ثم يفر القاتل إلي مصر - مثلاً - ليحتمي فيها ويهرب من العدالة.. المؤكد أن السلطات السورية واللبنانية لن تقبل أن تكون مخبأً آمناً لهذا القاتل السفاح، الذي لم يكتف بذبح ضحيته وإزهاق روحها، بل تفنن في تقطيع جسدها، وكأنها ذبيحة يقوم بتشفيتها.
لماذا تصمت الفضائيات؟
هذا أغرب شيء في القضية، رغم أن برامج التوك شو تلهث طوال اليوم وراء أي خبر لتنفخ فيه وتجعل منه قصة مثيرة، إلا أن التعتيم كان من نصيب قضية فاتن لم تلهث وراءها الكاميرات كالمعتاد.. وفارق السماء والأرض بين تغطية قضية سوزان تميم وصراع الكاميرات والمحامين علي القضية، بينما القتيلة المسكينة فاتن لم يهتم أحد بالمطالبة بالقصاص العادل.
هل من الضروري أن تكون القتيلة فنانة أو ابنة فنانة مثلما حدث في قضية سوزان وهبة ونادين لتكتمل عوامل التشويق والمشاهدة؟.. هل من المهم أن يكون المتهم في حجم ووزن هشام طلعت مصطفي حتي تكتمل الوليمة؟ هل من اللازم أن يكون للقتيلة أزواج متعددون يلهثون وراء ميراثها ويدفعون الملايين للمحامين والبرامج الموجهة حتي تظل القضية مطروحة علي الرأي العام؟.. هل هذه هي عدالة الإعلام في مفهومها الجديد؟
ستة شهور كاملة والقاتل السفاح يتجول في الدول التي يدخلها ويخرج منها في سهولة ويسر، وكأنه سائح مهم جدا، يشتري النفوس بفلوسه ونفوذ أبوه وتتفنن أسرته في مساعدته علي الإفلات من العدالة، علي أمل أن تموت قضية فاتن كما دفنت أجزاء من جسدها في قبرها.. وتقيد القضية ضد متهم هارب.
وحشية ما بعدها وحشية
تم فصل الرأس والذراعين والقدمين والساقين عن الجسد، بعد طعن الفتاة عدة طعنات بآلة حادة في الصدر والبطن والرأس، مما أدي إلي تهتك الجمجمة، وحدوث نزيف أدي إلي هبوط حاد في الدورة الدموية.
أقوال الشهود أشارت إلي أن المتهم كان مدمنا وسيئ الخلق وله علاقات نسائية متعددة، وأنه ارتبط بالقتيلة بمقتضي عقد زواج عرفي، وعندما ألحت عليه أن يصبح زواجاً رسمياً أراد التخلص منها بمساعدة والدته وشقيقه، لأن والدته كانت تعارض الزواج وأرادت التخلص من إلحاح القتيلة.. بقتلها.
مهما كانت أخطاء فاتن فإنها لاتستحق القتل ولا التمثيل بجثتها، وكان في إمكان السفاح أن يفر مع عائلته وأن يتركها لحال سبيلها، لكنه جنون المال وسطوة النفوذ التي تصور للبعض أن أرواح الغلابة بلا ثمن وبلا دية.. ولم يشفع لفاتن شبابها ولا جمالها الذي جذب إليها هذا السفاح منذ ثلاث سنوات عندما كانت تعمل بإحدي الكافيتريات بمصر الجديدة.
جذبها بأمواله وبشقته المفروشة وبسيارته، كانت تحلم - كأي بنت - بحياة مريحة بعيدا عن الشقاء والمعاناة خصوصا أنها من أسرة فقيرة، فكانت ضحية حلم الزواج المستحيل. الدلائل تؤكد أن المتهم لا يمكن أن يقوم بالجريمة بمفرده.. ويبدو أنه شعر بالخوف أثناء تقطيع الجثة أو خشي اكتشاف أمره فترك الأجزاء دون تقطيع، وفر إلي الإمارات.
ليس مهماً أن يكون القط أبيض أو أسود ولكن المهم أن يمسك الفأر.. والفأر السفاح هارب في الجحور.. ولكنه مهما طال الزمن، لن يفلت أبداً بجريمته.


كرم جبر

 


E-Mail : [email protected]