أبناء البطة السوداء!
عبد الله كمال
هذا نوع من الرسائل التي يجب أن نعتني بها ونحن نقرؤها وننشرها.. صاحبها مهندس من الإسكندرية.. اسمه إبراهيم صقر.. يعتقد أنه قد وقع عليه ظلم هو وابنته لكونه فقيراً.. أو علي الأقل لأنه لايملك مالاً كافياً لإلحاقها بجامعة خاصة حيث كان يمكن أن تدرس الطب كما كانت تحلم أو يحلم.
ليس لدي رد علي الرسالة.. لكنها آلمتني.. وفيها منطق يستوجب أن يجد الأب رداً.. وأظن أن الأولي بأن يعلق عليها هو وزير التعليم العالي الدكتور هاني هلال.. ومن ثم أنشر أغلب ما جاء فيها.. بكل أمانة.. منتظراً تعليق الوزير.. ومعبراً علي الأقل عما يخالج الأب الشاعر بالظلم:
تقول الرسالة: يحث الرئيس حكومة رجال الأعمال بقيادة الدكتور أحمد نظيف علي أن تقف إلي جانب الفقراء.. لكن هذه الحكومة تضع تشريعات وقوانين تضيع حقوق الفقراء.. بل وتسحقهم.. وآخرها هذا القرار الذي أنقص عدد الفقراء المقبولين في كليات الطب بمقدار 5.12٪ سنوياً.. في الوقت الذي تسمح فيه للأغنياء ورجال الأعمال بإنشاء كليات طب خاصة يدخلها أبناء الأغنياء بأقل المجاميع.. هكذا سيلتحق بكليات الطب فقط 3950 طالباً بعد أن كان الرقم 7900 . فأين يذهب الفقراء المجتهدون؟
نتيجة لذلك فإن ابنتي التي حصلت في الثانوية العامة هذا العام علي 96٪ (علمي علوم) لم تستطع اللحاق بأي كلية طب حكومية.. أو حتي كلية صيدلة.. أو حتي علاج طبيعي.. وأمثالها كثيرون من أبناء البطة السوداء.. في حين أن أولاد البطة البيضاء الأغنياء يستطيعون دخول كليات الطب الخاصة بمجموع تسعين في المائة.. فأين العدالة وأين المساواة بين أبناء الوطن الواحد.. وهل سيتم إلغاء مجانية التعليم؟
إننا نطالب بوقف هذه المهزلة.. ونطالب حكومة الدكتور أحمد نظيف بأن ينفذ تعليمات الرئيس وأن يقف إلي جانب الفقراء.. فليس من حق حكومة رجال الأعمال أن تقضي علي أمل الفقراء في أن يصبح أبناؤهم أطباءً في الوقت الذي تسمح فيه لأبناء رجال الأعمال الفاشلين.. ومجاميعهم تشهد علي فشلهم في أن يلتحقوا بكليات الطب الخاصة بأقل المجاميع.
أناشد كل المحامين الذين لهم أبناء في الثانوية العامة وتضرروا من هذا القرار الظالم برفع دعوي لإلغائه.. وقد صدر بحجة أن سوق العمل لاتحتاج أطباءً جدداً ولم يقم بإغلاق كليات الطب التي تقبل الفاشلين.. وملعون هذا النظام التعليمي الذي يمنع طالباً مجتهداً من أن يلتحق بالكلية التي حلم بها لأنه لايملك المصروفات.
انتهت الرسالة.. وأتفهم مشاعر الأب الحزين.. الذي ضاع حلمه لابنته (لاحظ أنه لم يتحدث عن حلمها هي.. وإنما عن حلمه هو).. وأعتقد أنه يستحق أن يعلق عليه طرف من الحكومة.. وإن كنت أتوقف أمام أكثر من نقطة: منها مثلا.. هل الطالب الذي يحصل علي 90٪ هو طالب فاشل كما يقول؟.. وهل لو كانت ابنته قد التحقت بأي كلية كان سوف يشعر بنفس القدر من الحنق والغضب؟.. وهل كل من لا يعمل طبيباً يكون فاشلاً.. بمعني ما هي عيوب مهن أخري.. من الذي رتب تلك المهن علي أنها راقية فأقل رقياً كما جاءت في خطابه: الطب ــــ الصيدلة ــــ العلاج الطبيعي؟
هناك ثغرات في منطقه.. ولكنه يحتاج إلي أن تشرحوا له ولغيره كيف قلصتم أعداد المقبولين في الكليات العامة وأبقينا كليات أخري مفتوحة.. وهل هذا إخلال بالفرص المتساوية والحق الدستوري في هذا.. وهل هناك ظلم في ذلك؟
لقد اتبع هذا الأب أسلوباً حضارياً في الاعتراض.. والتعبير عن الغضب.. فهو أرسل رسالة.. وطالب المحامين برفع دعوي.. لم يرفعها هو.. ربما لأنه لا يجد التكاليف اللازمة.. ولكنه قد يكون نموذجاً لآلاف من المعترضين الغاضبين الصامتين.
حين انتهيت من كتابة هذا المقال.. وعرض تلك الرسالة.. تلقيت دعوة لحضور اجتماع لجنة التعليم اليوم في مجلس الشوري برئاسة الدكتور فاروق اسماعيل.. وتبين لي أن الدكتور هاني هلال سوف يناقش هذه القضية.
لنر ما سوف يقول.
الموقع الإلكتروني: www.abkamal.net
البريد الإلكتروني : [email protected]