الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
"بروفة" للهاربين!
كتب

"بروفة" للهاربين!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 01 - 09 - 2009

 

فازت "المرأة الحديدية" وخسر "ملك الكاوتش"
1
- لم أرَ جورج إسحاق في حياتي، ولكنه كان دائم الاتصال بي بعد هروبه هو وأسرته إلي أمريكا قبل القبض عليه ضمن رجال الأعمال الذين استولوا علي أموال البنوك في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
- كان جورج إسحاق صاحب لقب "ملك الكاوتش"، طبعا كاوتش السيارات باعتباره أكبر مستورد.. ولكن جرفته السياسة حتي احترق بنارها، ويا ويل من يسقط من عربة السلطة التي "يتشعبط" بها.
- كانت ديونه لا تتجاوز عدة ملايين قليلة، وكان يحلم بالعودة إلي مصر حياً ليموت ويدفن فيها، وأوشك علي الوصول إلي تسوية، ولكن بعض أقاربه خانوه واستولوا علي بقية أمواله وهو في الغربة.. فمات.
2
- مات لأنه فقد الأمل نهائياً في العودة إلي مصر.. ومشهور عنه أنه كان يبكي كلما سمع كلمة مصر في المؤتمرات الشعبية التي يحضرها، يبكي حنيناً أم تمثيلاً.. الله أعلم.
- لم أره في حياتي، ولكن بعد أن كتبت مقالاً عنه بعد هروبه فوجئت به يتصل بي من أمريكا ليناقشني فيما كتبت، واكتشفت أنه يتابع أخبار مصر لحظة بلحظة وكأنه يعيش بيننا.
- كان ينفعل بالأزمات التموينية وارتفاع سعر الدولار وأزمة الإسكان والخبز وغيرها، وكان يتمني أن يعود ليقف في طوابير الخبز ويحشر في زحمة المرور.. مصر بمشاكلها أفضل مليون مرة من أي بلد آخر.
3
- تذكرت جورج إسحاق أو "ملك الكاوتش" الذي مات حزيناً في الغربة عندما قرأت تصريحات المرأة الحديدية هدي عبدالمنعم التي تقول فيها إنها عادت إلي مصر علي قدميها قبل أن تعود إليها في صندوق.
- عادت لأن الحنين إلي الوطن لا يساويه حنين آخر، ولأن مصر بمشاكلها وهمومها وأزماتها أفضل مليون مرة من بلدان الغربة التي تظل شبحاً يطارد الغريب كلما تقدم به العمر.
- عادت بمحض إرادتها، وليس بموجب صفقة مع الحكومة كما يحاول البعض أن يزعم، إلا إذا كان بعض محاميها قد أقنعوها بالصفقة الكاذبة التي تلاشت بدخولها السجن.
4
- هدي عبدالمنعم مثلها كثيرون من المصريين الهاربين بأموال البنوك، أعداد كبيرة في لندن بالذات، ومعظمهم يعيش علي أمل أن يغلق ملفه وأن يعود إلي مصر ليقضي فيها بقية عمره.
- الهاربون يعتبرون قضية هدي عبدالمنعم "بروڤة".. فإذا نجحت في توفيق أوضاعها وخرجت من السجن، سيفتح ذلك شهيتهم إلي العودة وتسوية الديون.
- أما إذا لم تنجح عملية هدي عبدالمنعم، وصدرت ضدها أحكام بالسجن، فهذا معناه أن باب العودة سيغلق نهائياً في وجه الهاربين لأنهم مرعوبون من السجن ولايريدون قضاء بقية عمرهم فيه.
5
- هل من مصلحة مصر أن يعود الهاربون؟.. الإجابة هي أن مصلحتها في أن يسددوا ما عليهم من أموال، وأن ترجع الأموال الهاربة إلي البنوك وإلي أصحابها الحقيقيين.
- المصلحة هي إشاعة أجواء من الثقة والاستقرار، وأن هذه الموضة "سرقة أموال البنوك" قد انتهت إلي الأبد، وأن القروض تضمنها الآن قواعد شديدة الصرامة.
- تلقي الاقتصاد المصري ضربات موجعة علي يد الهاربين، وغرفوا من أموال المودعين عشرات الملايين، وأنفقوها في الشيطان الرچيم، وفي غفلة من الزمن تركوا البلاد وهربوا إلي الخارج.
6
- "نادي الهاربين" خصوصاً في لندن ينتظر علي أحر من الجمر نتائج عملية هدي عبدالمنعم، وكثيرون منهم يحلمون بالعودة من المطار إلي منازلهم وأسرهم وليس إلي السجن.
- كثيرون منهم إذا عادوا لن يكونوا كما كانوا قبل الهروب، بعد أن كشفت لهم الغربة القناع عن حقيقة البشر.. من هو الأصيل.. ومن هو الندل، من هو الصديق ومن هو الصائد؟
- كثيرون منهم سيغلقون عليهم ألف باب وترباس، وستكون حياتهم من البيت للجامع ومن الجامع للبيت، بعد أن صقلتهم تجربة الغربة، وكشفت لهم معادن البشر.
7
- جورج إسحاق أو "ملك الكاوتش" لم يعد إلي مصر علي قدميه ولا في صندوق، لم يشيعه أحد ولم تذرف من أجله دمعة واحدة، ولكن هدي عبدالمنعم كانت أوفر حظاً لأنها عادت علي قدميها، حتي لو ذهبت إلي السجن.
- السجن في الوطن لدي كثيرين أفضل من الحرية في بلاد الغربة، وفقاً لمقولة الشاعر العظيم "وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي".
- أيها الهاربون.. الأموال الحرام ستظل لعنة تطاردكم إلي الأبد.. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.. بعد أن يعيد الملايين إلي أصحابها.

E-Mail : [email protected]