الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رشا سمير: المجتمع المصرى يعانى من شيزوفرينيا أخلاقية





 
 
 
بين عوالم نسائية بالدرجة الأولى، تبحر بنا الكاتبة الدكتورة رشا سمير، التى اختارت التعمق فى صلب المشكلات الخاصة بقضايا المرأة عامة والفتاة المراهقة خاصة، والبحث فى معاناة تلك المرأة والفتاة التى حاربت طوال سنوات لتحصل على بعض من حقوقها وليس معظمها، مقدمة بعض النماذج السائدة للفتاة المراهقة فى المجتمعات الشرقية العربية، التى تعانى تقريبا نفس نوعية العقبات والمشاكل فى تلك المرحلة الحرجة من عمرها، بالرغم من اختلاف الدولة أو العرق.. عن مشكلات المرأة والفتاة المراهقة، تدور روايتها الجديدة "بنات فى حكايات"، التى خصصتها لتقديم هذه المشكلات ومناقشتها بصراحة ووضوح .. فى هذا الحوار:
■ تدور الرواية حول حياة بعض الفتيات.. فهل تقبلين وصفها بـ"رواية نسوية"؟
 
- بالطبع أعتبر رواية (بنات فى حكايات) رواية نسوية بالدرجة الأولى، وأتفق مع كل من قال هذا، ولا أعتبره اتهاما، فعادة لا تتناول الروايات فتيات هذه المرحلة، لأن المجتمع مهموم أكثر بمشاكل المرأة، ولكن مشاكل المراهقات أكثر خطورة، الرواية تتناول قصة أربع فتيات فى سن المُراهقة تتعرض كل واحدة منهن إلى مشاكل أسرية تدفعهن للسقوط، فالفتيات فى هذه السن الخطيرة جدا يبحثن عن هوية لأنفسهن، يصارعن الحياة من أجل أن يجدن مثلا أعلى يحتذين به أو طريق يسلكنه، وإذا لم يجدن الأذن التى تستمع واليد التى تربت فمن السهل جدا أن ينزلقن للخطيئة فى رحلة البحث عن خلاص.. أنا أم لفتاتين ومدى اقترابى منهما وصداقتى لهما جعلانى أدرك مدى خطورة احتياجاتهما فى مثل هذه السن، وبناتى (فرح) و(نور) هما الإلهام فى حياتى، وهما فى الحقيقة السبب الذى دفعنى لكتابة الرواية بل وقد ساعدانى كثيرا فى استلهام بعض القصص الحقيقية.
 
■ يشكل الحب قيمة مركزية فى الرواية وطريق التحقق الإنسانى .. ما تعليقك؟
 
- أنا أعتقد فى الحب كقيمة وأعتقد فى كونه العصا السحرية لحل كل المشكلات.. ولا تنسى أن من ضمن الخمس مجموعات القصصية التى كتبتها فى رحلتى الأدبية، كان هناك عنوانين يحملان الحب فى طيات المعنى وهما (معبد الحب) و(حب خلف المشربية).
 
فالحب سلوك إنسانى عظيم افتقدناه فى زمن اعتصرتنا فيه المشكلات وهزمتنا الأحزان.
 
بالأمس حين أحب البشر بعضهم البعض وحين أحب الناس مصر، كانت مصر أعظم دولة فى العالم، واليوم حين اختفت هذه القيمة من المجتمع وتوارت خلف الأحقاد والمصالح الشخصية، هوت بنا أحداث ما بعد الثورة إلى هوة الفوضى.
 
■ هل ترين أن الرواية قدمت بالفعل صورة بانورامية للمجتمع المصرى؟
 
- لقد كنت خائفة كل الخوف ألا تصل رسالتى إلى القارئ، وخصوصا أننى قضيت ثلاث سنوات فى كتابة هذه الرواية، ولكن الحمد لله أعتقد أننى استطعت أن أوصل الرسالة بكل وضوح، فقد وصلنى كم كبير من الرسائل من قرائى، وكانت منها رسائل مؤثرة جدا، وحكى لى البعض مشاكله واستشارنى فيها، وقد اعتبرت هذا قمة النجاح، فالتواصل مع القارئ والوصول إلى دغدغة مشاعره هو قمة النجاح ... فأنا أعتقد أن القارئ هو الترمومتر الحقيقى للنجاح وليس النقد الأدبى المتخصص فقط، وعلى الرغم من ذلك فقد شرُفت بأن يتناولنى بالنقد الإيجابى الكاتب الكبير جمال الغيطانى، والناقد الأدبى د. جابر عصفور ود. زاهى حواس وغيرهما.
 
■ يرى البعض أن تناولك لشخصيات الرواية جاء من طبقة فوق المتوسطة فما تعليقك؟
 
- لا أعتبر هذا اتهاما بقدر ما أعتبره نجاحا، لأن أغلب الروايات أو الأعمال الفنية تتناول مشكلات الطبقات المتوسطة والمعدمة، فالطبقات الفقيرة والعشوائيات عادة ما تعتبر مادة خصبة للراوى وللقارئ فى آن واحد، ولكننى أردت وبكل وضوح أن أقدم صرخة فى وجه المجتمع لتقول للناس أن أبناء الطبقة فوق المتوسطة والغنية لديها أيضا مشاكلها، بل وأحيانا تكون أخطر وأعمق من مشاكل الطبقة الفقيرة، وحيث إن هذه الطبقة جزء من المجتمع  فلا يجوز تجاهلها أو تهميشها لمجرد أنها تمتلك المال والجاه.
 
فأنا من خلال الرواية لا أبحث عن نمطية الموضوع ولكننى أبحث عن الاستثناء لكى أكتب عنه، والرواية تخرج عن النمط العادى لشكل المجتمع الذى تعودنا أن نعيش فيه.
 
■ كيف ترين من خلال روايتك دور المثقفين والفنانين فى مواجهة المشكلات التى يواجهها الشباب الآن؟
 
- أرى أن عبء النهوض بالمجتمع يقع بنسبة حوالى 80% على أكتاف المثقفين والفنانين، فالفئة المثقفة فى أى مجتمع يطلق عليهم لقب الـ social elites "النخبة الاجتماعية" وهم المعنيون بالارتقاء بأوطانهم، وعقب أى ثورة يُصبح مستقبل الأوطان فى يد الكتاب والفنانين والسياسيين، ولكن وبكل أسف حدث العكس فى مصر عقب الثورة، حيث حدث انشقاق واضح فى صفوف المثقفين واشتعلت حرب التصريحات بينهم، حتى أصبح هجومهم وتهكمهم على آراء بعضهم البعض، هو الموضوع الوحيد الذى يطرحونه على الفضائيات.
 
حين ضرب الشقاق صفوف الليبراليين المثقفين، تاهت أهداف الثورة، وأصبحت الفوضى هى المكسب الوحيد الذى حققه شعب هتف ضد الفساد، ثم انهارت قواه فلم يعد قادرا على استكمال المسيرة.
 
وكما كانت "فريدة" بطلة الرواية هى الشخص الذى ألقاه القدر فى طريق هؤلاء الفتيات لتمد لهن يد العون، فإن هذه هى الدعوة التى كنت أبعث بها إلى الفنانين والمثقفين لمساعدة الشباب والالتفات لمشاكلهم، و"فريدة" فى الرواية كانت فتاة مثقفة واعية وفنانة رقيقة فى نفس الوقت.
 
■ هل تعاملت مع مشكلات العالم العربى ككل باعتباره وحدة واحدة أم اهتممت بالخصوصيات؟
 
- بالقطع كل المجتمعات العربية تجمعها أشياء مشتركة وتختلف فى بعض الأشياء الأخرى، فالعرب جميعا يتحدثون بلسان الضاد، وهذا شىء مشترك، ولكن لكل مجتمع طبيعة ولكل وطن هوية.
 
فتبقى مثلا بعض المجتمعات التى تعانى من صراع فكرى وثقافى، والمجتمعات التى لازالت المرأة لا تقود السيارة فيها، والمجتمعات التى تتعامل بطبقية شديدة.
 
ولكننى تناولت وبكل صدق مشكلة الانفصام المجتمعى الذى يحدث لبعض الأسر عقب سفرها للعمل بالدول العربية من أجل تحسين الحالة المعيشية للأسرة، وعادة ما يدفع ثمن هذا الانفصام الأبناء، فهم ليسوا مواطن من الدرجة الأولى فى هذه البلاد، وعندما يعودون إلى أرض الوطنين يتم التعامل معهم على أنهم دخلاء أو newcomers "العائدون الجدد".
 
■ كيف ترين دور المرأة المثقفة فى مجتمعنا الآن وهل هو إيجابي؟
 
- أشعر بالخوف الشديد ليس فقط على دور المرأة بل وعلى المرأة نفسها ككائن حى، فأنا كما كتبت فى إحدى مقالاتى بجريدة الفجر، أعتقد أن المرأة قريبا جدا سوف تتحول إلى "ديناصور" أى كائن له ذكرى وتاريخ ولكنه مُنقرض لا وجود له.
 
هناك اتجاه واضح لتهميش المرأة وإغفال دورها من قبل جماعة الإخوان المسلمين التى أصبحت الحزب الحاكم اليوم.
 
المرأة هى الكتلة التصويتية الأعظم فى مصر ولولاها لما نال الإخوان مقاعد برلمانية ، ولا أصبح هناك رئيس منتخب لمصر، حاربت كثيرا لنيل حريتها بالأمس، ولا أعتقد أنها ستقبل تهميشها، ولا مناهضة آرائها اليوم، وأنا أدعو لعمل حزب نسائى يضم كوكبة من النساء المصريات اللاتى أعتقد أنهن قادرات على استكمال مسيرة الحرية تحت لواء إحدى النساء القادرات على هذا الدور، وأتمنى أن يقف المثقفون فى هذا الوطن لترسيخ فكرة حقوق المرأة التى تحاول اللجنة التأسيسية للدستور طمسها، إن الدستور هو حرب المرأة المصرية القادمة التى أتمنى أن تكسبها..
 
■ بعد اعلان مسودة الدستور .. كيف ترينه بشكل عام؟
 
- أنا فى الحقيقة أرى أن اللجنة التأسيسة للدستور "تُفصل" دستورا على مقاس الرئيس، وكأنه دستور لأربع سنوات فقط، لا يصح التعامل به على مر حقبة زمنية طويلة قادمة، الدستور أصبح معركة جديدة يحاول الإخوان الفوز فيها ليضموها إلى باقى غنائمهم، ولكننى أعتقد أنه سيصبح دستورا بهوية دينية فقط، ولا يمثل سوى فئة محدودة من الشعب، والتصدى لهذا الدستور الهزيل يجب أن يكون معركة المُثقفين القادمة.
 
■ هل تعتقدين أن سقف حرية الإبداع والفكر سوف يتغير بعد تولى الإخوان الحكم؟
 
- رغم كل تصريحات الرئيس مرسى بتأييده لحرية الفكر والإبداع، وعدم التعرض لأقلام الصحفيين، الأفعال تقول غير ذلك..
 
فها نحن نرى الصحف الحكومية وقد تحولت إلى صحف تُهلل وتطبل لإنجازات الرئاسة فى استنساخ لعهد مبارك، كما رأينا فى فترة ثلاث أشهر فقط من تولى الرئيس رؤساء تحرير يتم تحويلهم للقضاء بحجة نقد الرئيس، ورأينا كيف تم إغلاق قناة "الفراعين" مع تحفظى على رئيس القناة طبعا فى أسلوبه، ولكننا نتحدث عن مبدأ وليس أشخاص.
 
رأينا الهجوم السافر على الفن والفنانين كما حدث مع إلهام شاهين مع تحفظى أيضا على نوعية الأفلام التى تقدمها، إلا إن الإبداع يجب أن يبقى بلا حدود ...فأنت حر مالم تضر، ومن لا يعجبه أفلام إلهام شاهين، لماذا يشاهدها؟!
 
الصحافة يجب أن تظل حُرة، والأقلام لا يصح أن تُقصف بأى حجة، وحماية الصحفيين يجب أن تصبح دور الدستور الجديد، وأنا أناشد كل الصحفيين والإعلاميين بأن يتكاتفوا ويتصدوا لأى تعد على حرية الإبداع.
 
■ كيف تضفى مهنتك كطبيبة ملامح خاصة على كتاباتك؟
 
- أنا أعشق مهنة طب الأسنان، ولا زلت أمارسها حتى اليوم، حتى أننى حصلت على الماجستير من أجل طريق أحببته وآمنت به، والطب أثرانى بقصص وحواديت لأشخاص أتعامل معهم يوميا بالعيادة، بل وتتوطد علاقاتنا كثيرا لتصبح صداقة بعد علاقة الطبيب بالمريض، وهكذا أستمع وأنا مستمعة جيدة إلى مشاكل أصدقائى ومرضاي، لتتولد لدى قدرة على الحكى وتربة خصبة من العلاقات الإنسانية التى تنسج لدى مادة خام للكتابة والحكى.
 
■ ماذا عن مشروعك القادم؟
 
- نجاح الرواية الذى أشكر الله سبحانه وتعالى عليه، كان نجاحا مُبهرا بالنسبة لى.. تمنيته ولكننى لم أكن أتوقعه، فقد نفذت الطبعة الأولى فى شهرين مما وضعنى فى مأزق واختبار صعب، فالعمل القادم يجب أن يكون أقوى وأشد تأثيرا، وهذا يجعلنى مترددة ومتريثة جدا فيما سوف أقدم عليه فى خطواتى القادمة..
 
أعكف الآن على كتابة رواية جديدة أعتقد أنها سوف تكون شكلا مختلفا لكتاباتى، وبصدد أيضا دراسة عرض لجمع مقالاتى لنشرها فى كتاب.