الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اعتصام سائقى «شرق الدلتا».. على صفيح ساخن

اعتصام سائقى «شرق الدلتا».. على صفيح ساخن
اعتصام سائقى «شرق الدلتا».. على صفيح ساخن




تحقيق - سمر حسن    


 
المرضى بضغط  الدم المرتفع.. والانزلاق غضروفى.. والتيبُس فى القدمين.. مكلومون وحزانى من كثرة الديون، والقروض البنكية لسد حاجات أسرتها بداية من نفقات المأكل والملبس، والمصروفات الدراسية، وحتى العلاج وزواج الأبناء.. مهنتهم ضربت عرض الحائط بكل قوانين العمل والإنسانية فى العالم، فأقصى ساعات العمل لا تزيد على 8 ساعات وفقًا لقانون العمل إلا أن هؤلاء يعملون قرابة الـ 18 ساعة متصلة، وفى كثير من الأحيان يدوم العمل لـ36 ساعة متواصلة مقابل جنيهات معدودة لا تعوضهم عن تعبهم بل هى لا تغنى ولا تسمن من جوع.. إنهم سائقو شركة شرق الدلتا بالمنصورة.
سقطوا من حسابات الدولة، ومسئولى شركتهم يصمون آذانهم عن صرخاتهم، نسوا أن كثرة الضغط تولد الانفجار، فلم يحركوا ساكنًا لأجل هؤلاء الكادحين، بل زاد فوق ألمهم وحزنهم ألم.
مسئولون الشركة.. كمموا الأفواه وقطعوا الألسنة، ووقفوا حائط سد بين السائقين ومطالبهم المشروعة والقانونية، وسكبوا زيت إهمال حقوق السائقين وصرف مستحقاتهم على نار أوجاعهم.
لم يكتفوا بالضغط عليهم فقط ولكن أعلنوا الحرب على كل صوت ينادى بحقه داخل الشركة، استخدموا أقصى درجات الضغط على السائقين محاولًة منهم لإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم، استخدم بعضهم وسائل لإرهاب السائقين، حتى وصل الأمر للوقف عن العمل بدون سبب مستخدمين فى ذلك حيلة «اضرب المربوط يخاف السايب».
تعنتهم تجاه السائقين وتجاهلهم لمطالبهم حال دون إيجاد حلول وسطية وودية لإنهاء هذه الأزمة، وساعدهم فى ذلك غياب الرقابة، والوزارات المختصة أصبحت فى خبر كان، فلم يخش رئيس مجلس الإدارة إصدار قرار بالوقف لعدد من السائقين دون تحقيق أو إجراء قانونى، أو الرجوع لمديرية القوى العاملة بالمحافظة المعنية وهى الدقهلية.
«روزاليوسف» نقلت قصص ألم ولوعة هؤلاء المكلومين وسط بكاء، وأنين، وحالات إغماء، فمنذ ثورة 25 يناير 2011 ومصر تعيش على المسكنات التى سُرعان ما يختفى مفعولها مع كل أزمات العمال، ولكن الجديد اليوم هو استخدام التهديد فضلًا عن المسكنات.
أمراض بالجملة
«إلى من نشتكى.. إلى الله المُشتكى» هذا ما بدأ به حديثه محمد على - 44 عامًا سائق بشركة شرق الدلتا - موضحًا المعاناة اليومية التى يتعرض لها سائقو الشركة، فالعمل يبدأ من الساعة 5:40 صباحًا حتى الساعة 8:30 مساءً، وفى خلال هذه الفترة يقوم السائق بنقل الركاب من محطة المنصورة إلى محطة القاهرة، والعودة بركاب جدد من القاهرة إلى المنصورة، ثم الذهاب مرة أخرى للقاهرة، وأخيرًا العودة إلى المنصورة، وبين كل رحلة والأخرى استراحة لا تتجاوز نصف ساعة، وذلك تسبب فى إصابة عدد منهم بأمراض كثيرة أهمها ضغط الدم المرتفع، والانزلاق الغضروفى، وفى المقابل يحصلون على راتب قليل جدًا، علاوة على المعاملة السيئة.
وواصل: أنه مريض ويحتاج إلى تدخل جراحى ولكنه يضغط على ألمه الجسدى والذى يعقبه ألم ومرار نفسى خوفًا من أن يفقد حياته أو عمله، خاصة أن لديه أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة وأكبرهم فى الثانوية العامة يحتاجون إلى كل جنيه لاستكمال تعليمهم، وفى مقابل كل هذا التعب نجد سوء معاملة من قبل إدارة الشركة.
وأضاف نتحمل أعباء العمل وعدد ساعاته المبالغ فيها، نحمل أرواحنا وأرواح الركاب على أكفنا، والخوف والقلق يقتلنا يوميًا حينما نرى حوادث الطرق والدم السائل على الطريق، ونرى معه الموت والنهاية المفزعة دون أن نطلب شيئًا سوى حقنا القانونى، وطالب المسئولين بسرعة التدخل لحل أزمتهم مع الإدارة خصوصًا وأنه واحد من ضمن قائمة الموقوفين تعسفيا عن العمل نظرًا لمطالبته بحقه.
وتابع محمد عسل - 31عامًا سائق بشركة شرق الدلتا - أن الرواتب لا تُضخ لهم فى ماكينات الصرف الآلى فى الموعد المحدد لها، ومنذ 6 شهور والراتب متوقف، ولم يصرف إلا بعد ضغط السائقين على إدارة الشركة، وتهديد مسئوليها بالتصعيد القانونى ضدهم، واستطرد: قاموا بضخ الرواتب ولكن منعوا عنا المستحقات المالية بحجة أن الشركة لا تحقق الربح المطلوب، علمًا بأن هذه المستحقات بمثابة «نواية تسند الزير» بمعنى أنها تقف جنبًا إلى الراتب الهزيل، والمستحقات متمثلة فى نسبة 20% على كل تذكرة يحررها السائق للراكب من داخل الأتوبيس، و10 جنيهًا يحصل عليها السائق يوميًا بعد إتمام عمله اليومى بالكامل، ولكن الشركة منعتها دون وجه حق، وعندما طالبنا المسئولين بها كان الرد «اللى مش عاجبه يشرب من البحر»، ولا أحد يلتفت إلى صراخنا، لذلك استغثنا بـ«روزاليوسف» لتوصيل صوتنا للمسئولين
وقال السيد عبدالعزيز - 40 عامًا سائق بشركة شرق الدلتا - عندما علمنا بقطع المستحقات المالية عنا وعدم وجود نية فى إعادة صرفها وإعطائنا حقوقنا المتأخرة اعتصمنا داخل جراج الشركة ولكن دون المساس بأوقات العمل، فالاعتصام يبدأ عقب انتهاء فترة العمل وينتهى فى صباح اليوم التالى مع بداية العمل، وبدلًا من أن يقوم المسئولون بسماع شكوانا قاموا بوقف 6 سائقين عن العمل من ضمن المعتصمين بشكل عشوائى تمهيدًا للفصل، وتابع: هل هذا جزاء تعبنا؟ إلى متى سنبقى تحت رحمة المسئولين؟
والتقط أطراف الحوار مصطفى الزكى - ميكانيكى بشركة شرق الدلتا – قائلاً: سياسة تكميم الأفواه والتهديد بالوقف عن العمل وقطع العيش هى السائدة داخل الشركة، ومنذ سنة تقريبًا اشتكى أحد سائقى الشركة مسئوليها وأعلن ذلك عبر وسائل الإعلام، وكان رد الشركة بوقفه واستبعاده، ونتج عنه خراب بيته وتشريد أولاده، فنحن أمام إرهاب وفساد إدارى لا يمكن السكوت عليه، وواصل: «الفساد فى الشركة للركب» سيارات متوقفة بسبب أعطال يمكن تفاديها وإلحاقها بأسطول الشركة، وأخرى منتهى تراخيصها، وأخرى متوقفة بلا سبب، ويٌفتح بند مصروفات ليفتح باب خسائر على الشركة وهو صيانة السيارة بمبالغ خرافية، وفى نهاية المطاف يُصدر قرار بأنها لا تصلح ويتم بيعها بمبلغ زهيد والهدف هو فتح باب للكسب غير القانونى على حساب السائق والركاب.
إضراب العمال
  أما صالح السيد صالح - سائق بشركة شرق الدلتا - قال إذا كنت ارتكبت جرمًا فلا مانع من أن أتعاقب عليه، ولكن الآن لا أعرف ما سبب عقابى ووقفى عن العمل، وكل ما طلبته أنا وزملائى هو صرف مستحقاتنا المالية، وأضاف أننا نعمل بالسُخرة، تخيلوا.. أنا فى بيتى الغائب الحاضر، أعود كل يوم إلى منزلى إلا أنى حُرمت من رؤية أولادى ورؤيتهم لى، فأنهض للعمل باكرًا قبل أن يستيقظوا، وأعود للمنزل عقب نومهم بساعات قليلة، فنحن لا نعرف للحياة طعمًا، ولا سبيلا للراحة والاستقرار، ولا يمكن أن يُزاد فوق كل هذا جوع ومرض، ووجه رسالة للمسئولين قائلا: ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.
    أما عصام ماضى - سائق بشركة شرق الدلتا - والذى حال مرضه واحتجازه بالمستشفى بسبب اضرابه عن الطعام عقب صدور قرار ضده بالوقف بيننا وبين الحديث معه، حيث أكد زملاؤه أنه يمر بظروف مالية قاسية، وفقد الأمل فى اهتمام مسئولى الشركة بهم، قرر الاعتصام وسط زملائه دون المساس بأوقات العمل، ولكن دون فائدة فقرر الاضراب عن الطعام حتى أُصُيب بانهيار عصبى، وسقط مُغشيًا عليه، وتم نقله بالإسعاف إلى مستشفى المنصورة العام لتلقى العلاج، وحينما وصل أجريت له الفحوصات اللازمة، وقرروا تحويله لمستشفى دميرة العام لتلقى العلاج اللازم، وحتى كتابة هذه الكلمات وهو داخل المستشفى، وأسرته بالكامل تنزف ألمًا على ما أصاب رب الأسرة، فحياة أسرة مكونة من 5 أفراد معلقة به، كل هذا ومسئولون الشركة فى خبر كان، تابعت زوجته: كيف لمسئولى الشركة استحلال قوت هؤلاء الأطفال؟، فزوجى يخرج يوميًا من الساعة 4:30 صباحا وحتى 12:30 صباح اليوم التالى، وفى كثير من الأحيان يتصل بى ويطلب منى تحضير شنطة سفرة وإرسالها له لأنه لن يعد إلى المنزل، لأن الشركة أمرته بالقيام برحلة أخرى إلى شرم الشيخ وذلك بعد عمل دام لمدة 18 ساعة، وقيامه بـ4 رحلات على مدار اليوم، مستنزفين صحته، ومعرضين حياته وحياة الركاب للخطر دون أى إحساس للمسئولية، ودون رحمة وإنسانية.
   وقال حمدى العراقى - سائق بشركة شرق الدلتا - أن قرار الوقف جاء فى الورق الرسمى أنه بناءً على توقف السائقين وتعطيلهم لواحد من أتوبيسات الشركة، وأن الشركة استعانت بأتوبيس من فرع آخر، إلا أن هذا الكلام غير صحيح، واتهام هدفه كسر شوكة كل السائقين، وعدم المطالبة بحقهم، فالبمستندات والأوراق الرسمية كل الرحلات خرجت من فرع المنصورة بشكل طبيعى وفى مواعيدها وعلى نفس نظام تشغيلها العادى، وأوضح أن كل عمال فرع المنصورة تم تهديدهم من قبل عقيد فى شرطة السكة الحديد بأنهم إن لم يرضوا بالأمر الواقع سيأخذ 5 أو6 من وسطهم» يشيلوا الليلة».
نواب البرلمان
   ومن جانبه أكد أحمد سلام الشرقاوى - عضو مجلس النواب عن دائرة المنصورة - أنه لن يقبل بوقوع الظلم على تلك الفئة، وسيقوم بمعرفة كل تفاصيل المشكلة، والتواصل مع جميع أطرافها لإنهاء تلك الأزمة دون المساس بحقوق جميع العاملين بالشركة، ولو وصل الأمر لطرح مشكلة على الوزير المختص داخل المجلس، ولابد من تحقيق العدالة الاجتماعية، والانحياز لمصالح أبناء الشعب وحقه.
  وتابع الدكتور حمدى غراب -  نائب رئيس حزب المستقلين الجدد ورئيس المجلس الدولى للتنمية وحقوق الانسان - أنه على رئيس الوزراء الانحياز لحق العمال، والقيام بعمله أو تقدمه باستقالته، فمنذ توليه المسئولية لم يترك بصمة فى أى مجال، الرئيس السيسى يبذل قصارى جهده للنهوض بالوطن، إلا أن عُقم الوزارة أضاع على المصريين الاستمتاع به، وطالب مسئولى الشركة، والوزارات المعنية التدخل لإنهاء هذه الأزمة، لأن الفشل الإدارى داخل المؤسسات لا يجب أن يتحمله العاملون بها.
وأوضح كمال عباس - منسق عام دار الخدمات النقابية وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان - أن نقابات العمال فى واد والعمال فى واد آخر، كل هدفها الربح وتكون بمثابة سيف على رقبة هؤلاء العمال عند جمع التأمينات منهم، وعندما يواجهون أى مشكلة تُنفض يدها، وتتساءل أين رئيس الشركة ومسئوليها من كل هذا؟، وأين اتحاد العمال؟، وأين مسئولون لجنة القوى العاملة فى البرلمان؟، هل ينتظرون انفجار أزمة العمال التى أصبحت بمثابة قنبلة موقوتة فى وجه الدولة؟
وشدد على ضرورة محاسبة مسئولى الشركة المتسببين فى الأزمة بتهمة إهدار المال العام، والفساد الإدارى، فهو يوقف السائق ويستبعده وبذلك تتعطل السيارة، فى حين عدد الركاب كما هو وفى ظل نقص السيارات نتيجة وقفها يضطر المسافر ركوب سيارات أخرى والتى تقوم بدورها برفع تعريفة الركوب، وتعطيل المواطنين والطلاب عن أداء أعمالهم، وبالتالى تعطيل المنظومة بالكامل، وأضاف هل سيتحمل رئيس الشركة والمسئول الأول بها تأخر راتبه كما يفعل بالسائقين؟، ومن سيتحمل تكلفة كل هذا التقصير؟
وقال سعيد صبحى - مدير مُناوب فرع المنصورة بشركة شرق الدلتا للنقل - أنه لا يستطع التحدث الآن لأنه خارج العمل، علمًا أنه كان يعنى بكلمة خارج أنه فى مشوار خاص به أثناء ساعات العمل وليس ضمن أصحاب المعاشات، وتابع قائلًا «معنديش كلام ولا معلومة أقولها، والتحدث مع رئيس مجلس إدارة الشركة».  
أما المهندس راضى الشاذلى - رئيس مجلس إدارة شركة شرق الدلتا للنقل - حاولنا التواصل معه بشتى الطرق، إلا أنه تعثر الرد.
   وأوضح الدكتور سعد مكى - وكيل وزارة الصحة بالدقهلية - أنه لم يستقبل أى بلاغ رسمى حول مرض أى من سائقى شركة شرق الدلتا بسبب الإضراب عن الطعام، ولكن الحالتين التى استقبلتهما المستشفيات جاءتا كباقى الحالات من خلال الاتصال بالإسعاف وعلى الفور تم نقلهما، وأضاف أن الأولى تلقت العلاج فى مستشفى المنصورة العام وغادرتها خلال ساعات، أما الأخرى فتم إرسالها لمستشفى دميرة العام للفحص وكُتب لها الخروج بعد عدة ساعات، وأشار إلى أنه لم يحرر محاضر بالحالات لأنها ليست بشكل رسمى.
ومن جانبه قام وائل علام - وكيل وزارة القوى العاملة بالدقهلية - بحملة فى الحال وقت علمه بأزمة سائقى شرق الدلتا، للوقوف على أبعاد الموضوع، وأوضح أن ما قام به رئيس مجلس إدارة الشركة غير قانونى، وليس من حقه التصرف هكذا، وعلى الفور أعاد السائقون لعملهم، وألغى قرار رئيس مجلس إدارة الشركة غير القانونى، وشدد على ضرورة إجراء تحقيق قانونى، ومعاقبة المخطئ بما يضمن حق السائقين، وعدم المساس بمستحقاتهم فى إطار القانون.