الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حراس الحضارة يقاتلون فى حفائر الكمين الصحراوى بالمنيا

حراس الحضارة يقاتلون فى حفائر الكمين الصحراوى بالمنيا
حراس الحضارة يقاتلون فى حفائر الكمين الصحراوى بالمنيا




تحقيق - علاء الدين ظاهر

وسط صحراء شاسعة وتحت شمس حارقة يعملون.. لا يبالون بما هم معرضون له من ضيق تنفس ومخاطر أخرى أقلها «ضربة شمس» شديدة.. موقنون تماما بأنهم حراس الحضارة ومؤتمنون عليها.. ولابد من الوفاء بعهدهم للحفاظ عليها.. وسيلتهم لمواجهة ذلك «لقمة وكوباية شاى» وخيمة بسيطة يحتمون فيها من حرارة الشمس.. لا تستطيع التفرقة بين الأثرى والعامل من فرط اجتهادهما وإخلاصهما فى العمل.. إنهم أعضاء بعثة الآثار المصرية العاملة فى حفائر منطقة مقابر الكمين الصحراوى غرب سمالوط التابعة لمنطقة آثار المنيا الشمالية.. هم يعملون فى صمت ونحن من جانبنا قررنا أن نروى حكايتهم.
المنطقة عبارة عن جبانة كبيرة على مساحة 35 فدانا وتقع غرب مدينة سمالوط بحوالى 35 كيلو مترا، والمثير أنه تم اكتشافها عن طريق الصدفة وضمها ضمن الآثار المصرية عام 2013، حيث كانت قبلها مرتعا للصوص الآثار وعمليات النصب على هواة شراء وتجارة الآثار والباحثين عن الكنوز، وذلك نظرا لوجود آبار دفن ومقابر بئرية ترجع للعصر البطلمى فيها، وبعد ضمها لوزارة الآثار تمت مخاطبتها لعمل حفائر علمية بالمنطقة وتحديد ماهيتها بشكل علمى دقيق.
وقد تمت الموافقة على إجراء أول حفائر بالمنطقة فى يناير 2015 تحت إشراف الأثرى على مصطفى البكرى مدير منطقة آثار المنيا الشمالية ورئاسة الأثرى أحمد الليثى أحد الأثريين المتميزين فى مجال الحفائر، والذى له الفضل الكبير فى تعليم فريق البعثة أسس علم الحفائر، وضمت البعثة الأثريين شنودة رزق الله فهيم ومحمد رشدى حيث قاما بتعليم باقى الفريق الرسم الأثرى والرفع المعمارى وتم الموسم الأول بنجاح، وفى  آخر 2015 تمت الموافقة على إجراء حفائر الموسم الثانى التى بدأت فى نوفمبر 2015 تحت رئاسة الأثرى محمد فوزى عبد المحسن بعد انتقال الأثرى أحمد الليثى إلى قطاع المتاحف حيث أصبح مدير متحف ملوى.
وانتهى الموسم الثانى فى فبراير الماضى، وقد حقق الموسمان الأول والثانى نتائج جيدة، حيث ثبت أن المنطقة عبارة عن جبانة كبيرة ترجع إلى العصر المتأخر، وتمت الموافقة على استكمال الحفائر فى موسم ثالث بفضل الأثرى الكبير على الاصفر الذى كان دائم الزيارة إلى موقع الحفائر وتشجيع فريق العمل، وبدأ الموسم الثالث مارس الماضى حتى الآن، وتمت الاستعانة بالأثرى أحمد جبر فى مجال العظام والأثرى د. شريف عبد المنعم فى مجال الفخار، وذلك لتدعيم عمل البعثة بشكل علمى.
تعمل بعثة الآثار المصرية فى منطقة الكمين الصحراوى فى ظروف صعبة جدا مع قلة الإمكانيات، حيث إن المنطقة تقع فى الصحراء الغربية، وفى الشتاء تكون عرضة للرياح المحملة بالأتربة والرمال وفى الصيف حرارة الشمس الشديدة، ويتكون فريق البعثة الحالى من 8 أثريين بالاضافة إلى الأثرى على البكرى المشرف على الحفائر، حيث يتجمع فريق البعثة يوميا فى السادسة صباحا فى مدينة سمالوط حيث إنهم من قرى وبلاد متفرقة.
وبعد التجمع يتم التحرك بسيارة ربع نقل إلى موقع العمل حاملين معهم المياه لعدم وجود مياه هناك، وتستمر رحلة السيارة حوالى 45 دقيقة حتى يصلوا إلى موقع العمل، والذى يقع إلى الغرب من الكيلو 177 القاهرة اسيوط الصحراوى الغربى بحوالى 4 كيلو فى قلب الصحراء، ويبدأ العمل فى الساعة السابعة صباحا ويستمر حتى التاسعة وقت الراحة وافطار فريق البعثة والعمال مع كوباية شاى «الخمسينة»، ويعاد استكمال العمل فى التاسعة والنصف حتى الواحدة ظهرا وقت انتهاء العمل، حيث يقوم فريق العمل بعدها بالتسجيل الدقيق للحفائر مع الرسم والرفع المعمارى لآبار الدفن المكتشفة، ورغم مشقة العمل وسط تلك الظروف الصعبة تجد الجميع محب للعمل والابتسامة تعلو وجوههم، ويعملون دون كلل سعيا وراء مسح المنطقة بأكملها ونشرها علميا.
وحول طبيعة موقع العمل يقول الأثرى محمد فوزى عبد المحسن إنه يضم تلال من الرمال الحديثة الناتجة عن حركة الكسبان الرملية لوقوع الموقع فى الصحراء الغربية ولا توجد عوائق لحركة الرياح، ما نتج عنه وجود طبقة سميكة جدا من الرمال الحديثة غير الأثرية، والتى تتطلب رفعها حتى تظهر الطبقة الأصلية لسطح الجبل، ولو تم استخدام طريقة الرفع اليدوى بالعمال سوف نحتاج لأكثر من 100 ألف جنيه لرفعها يدويا والإمكانيات المادية محدودة.
ويتابع: بعد مشاورة بعض المسئولين المختصين بالحفائر، اقترحوا استخدام لودر صغير لرفع تلك التلال الرملية الحديثة لتنظيف الموقع وبدء العمل فيه، وفعلا تم رفع تلك التلال من الرمال عن طريق استخدام لودر صغير، وردا على المنتقدين لذلك والتمس لهم العذر طبعا لأنهم لا يعرفون طبيعة الموقع، حيث لا توجد أى منشآت فوق سطح الأرض لكى نخشى عليها من استخدام اللودر، حيث إن الموقع عبارة عن جبانة بئرية أى أن جميع المنشآت بها توجد تحت سطح الأرض، ومحفورة فى أرضية جبلية من الحجر الجيرى على أعماق مختلفة.